فأما مَن بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله : فلا أعلم منهم واحداً يُقبل مرسله لأمور : أحدها : أنهم أشد تجوّزاً فيمن يروون عنه والآخر : أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه . والآخر : كثرةُ الإحالة . كان أمكن للوَهَم وضعفِ مَن يُقبل عنه .
[ ص 466 ] وقد خَبَرْت بعض من خَبَرْتُ من أهل العلم فرأيتهم أُتُوا من خصلة وضدِّها : .
رأيت الرجل يَقْنع بيسير العلم ويريد إلا أن يكون مستفيداً إلا من جهة قد يتركه من مثلها أو أرجحَ فيكون من أهل التقصير في العلم .
ورأيت من عاب هذه السبيلَ ورغب في التوسع في العلم مَن دعاه ذلك الى القبول عن من لو أمسك عن القبول عنه كان خيراً له .
ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبلُ عن من يَردُّ مثله وخيراً منه .
ويُدخَل عليه فيقبلُ عن من يعرف ضعفه إذا وافق قولاً يقوله ويردُّ حديث الثقة إذا خالف قولاً يقوله .
ويُدخَل على بعضهم من جهات .
[ ص 467 ] ومن نظر في العلم بخِبْرة وقلةِ غفلة استوحش من مرسَلِ كلِّ مَن دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها