يحرم على الجنب أن يباشر عملا من الأعمال الشرعية الموقوفة على الوضوء قبل أن يغتسل فلا يحل له أن يصلي نفلا أو فرضا وهو جنب إلا إذا فقد الماء أو عجز عن استعماله لمرض ونحوه مما يأتي " في مباحث التيمم " أما الصيام فرضا أو نفلا فإنه يصح من الجنب فإذا أتى الرجل زوجه قبل طلوع الفجر في يوم من رمضان ولم يغتسل بعد ذلك فإن صيامه يصح كما يأتي في " مباحث الصوم " ومن الأعمال الدينية التي لا يحل للجنب فعلها قراءة القرآن فيحرم عليه قراءة القرآن وهو جنب كما يحرم عليه مس المصحف من باب أولى لأن مس المصحف لا يحل بغير وضوء ولو لم يكن الشخص جنبا فلا يحل مسه للجنب من باب أولى ومنها دخول المسجد فيحرم على الجنب أن يدخل المسجد على أن الشارع قد رخص للجنب في تلاوة اليسير من القرآن وفي دخول المسجد بشروط مفصلة في المذاهب فانظرها تحت الجدول الذي أمامك ( المالكية قالوا : لا يجب للجنب أن يقرأ القرآن إلا بشرطين أحدهما أن يقرأ ما تيسر من القرآن كآية ونحوها في حالتين . الحالة الأولى : أن يقصد بذلك التحصن من عدو ونحوه الحالة الثانية : أن يستدل على حكم من الأحكام الشرعية وفيما عدا ذلك فإنه لا يحل له أن يقرأ شيئا من القرآن كثيرا كان أو قليلا أما دخول المسجد فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه أو ليتخذه طريقا يمر منها ولكن يباح له دخول المسجد فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه أو ليتخذه طريقا يمر منها ولكن يباح له دخول المسجد في ضورتين الصورة الأولى : أن لا يجد ماء يغتسل منه إلا في المسجد وليس له طريق إلا المسجد فحينئذ يجوز له أن يمر بالمسجد ليغتسل ومثل ذلك ما إذا كان الدلو أو الحبل الذي ينزع به الماء في المسجد ولم يجد غيره فإن له أن يدخل المسجد ليأخذه وهذه الصورة كانت كثيرة الوقوع في القرى التي ليست بها أنابيب المياه - مواسير - أما الآن وقد عمت الأنابيب وبطلت المياضئ والمغاطس وأصبحت دورة المياه مختصة بباب فإنه ينبغي للجنب أن يدخل من باب الدورة ولا يمر في المسجد فإذا وجد مسجد ليس فيه مواسير وليس له باب دورة وانحصر ماء الغسل فيه فإن له أن يدخل المسجد ليغتسل ويجب عليه أن يتيمم قبل الدخول : الصورة الثانية : أن يخاف من أذى يلحقه ولم يجد له مأوى سوى المسجد فإن له في هذه الحالة أن يتيمم ويدخل وبيبت فيه حتى يزول ما يخاف منه .
هذا إذا كان الشخص مقيما في بلدته سليما من المرض أما إذا كان مسافرا أو كان مريضا وكان جنبا ولم يتيسر له استعمال الماء فإنله أن يتيمم ويدخل المسجد ويصلي فيه بالتيمم ولكن لا يمكث فيه إلا للضرورة وإذا احتلم في المسجد فإنه يجب عليه أن يخرج منه سريعا وإذا أمكنه أن يتيمم وهو خارج بسرعة كان حسنا .
وبالجملة فلا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا في حالة الضرورة .
الحنفية قالوا : يحرم على الجنب تلاوة القرآن قليلا كان أو كثيرا غلا في حالتين : إحداهما : أن يفتتح أمرا من الأمور الهامة - ذات بال - بالتسمية فإنه يجوز للجنب في هذه الحالة أن يأتي بالتسمية مع كونها قرآنا ثانيهما : أن يقرأ آية قصيرة ليدعو بها لأحد أو ليثني بها على أحد كأن يقول : { رب اغفر لي ولوالدي } أو يقول : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } ونحو ذلك وكذلك يحرم على الجنب دخول المسجد إلا للضرورة والضرورة في مثل هذا تقدر بما يناسب فنها أن لا يجد ماء يغتسل به إلا في المسجد كما هو الشأن في بعض الجهات ففي هذه الحالة يجوز له أن يمر بالمسجد إلى المحل الموجود فيه الماء ليغتسل ولكن يجب عليه أن يتيمم قبل أن يمر ومن ذلك ما إذا اضطر إلى دخول المسجد خوفا من ضرر يلحقه كما يقول المالكية وعليه في هذه الحالة أن يتيمم .
والحاصل أن تيمم الجنب بالنسبة لدخول المسجد تارة يكون واجبا وتارة يكون مندوبا فيجب عليه أن يتيمم في صورتين الصورة الأولى : أن تعرض له الجنابة وهو خارج المسجد ثم يضطر لدخول المسجد وفي هذه الحالة يجب عليه التيمم الصورة الثانية : أن ينام في المسجد وهو طاهر فيحتلم ثم يضطر للمكث به لخوف من ضرر وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتيمم فالتيمم لا يجب عليه إلا في هاتين الصورتين وما عداهما فإنه يندب له التيمم . فيندب لمن عرضت له جنابة في المسجد وأراد الخروج منه أن يتيمم أو اضطرته الضرورة إلى الدخول وهو جنب ولم يتمكن من التيمم ثم زالت الضرورة وخرج فإنه يندب له أن يتيمم كي يمر به وهو متيمم وعلى كل حال فإن هذا التيمم لا يجوز أن يقرأ به أو يصلي به .
هذا وشطح المسجد له حكم المسجد في ذلك كله أما فناء المسجد - حوشه - فإنه يجوز للجنب أن يدخله بدون تيمم ومثله مصلى العيد والجنازة والخانقاه - متعبد الصوفية - فإنها جميعها لها حكم المسجد أما المساجد التي بالمدارس فإن كانت عامة لا يمنع أحد من الصلاة فيها أو كانت إذا ألقت تتكون فيها جماعة من أهلها فهي كسائر المساجد لها أحكامها وإلا فلا .
الشافعية قالوا : يحرم على الجنب قراءة القرآن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته أما إذا قصد الذكر أو جرى على لسانه من غير قصد فلا يحرم ومثال ما يقصد به الذكر أن يقول عند الأكل : بسم الله الرحمن الرحيم أو عند الركوب : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } كما يجوز لفاقد الطهورين أن يقرأ القرآن في صلاته التي أبيحت له للضرورة وهي صلاة الفرض وكذلك الحائض أو النفساء أما المرور بالمسجد فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدن تلوث المسجد فلو دخل من باب وخرج من آخر جاز أما إذا دخل وخرج من باب واحد فإنه يحرم لأنه يكون قد تردد في المسجد وهو ممنوع إلا إذا كان يقصد الخروج من باب آخر غير الذي دخل منه ولكن بدا له أن يخرج منه فإنه لا يحرم ويجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمكث في المسجد لضرورة كما إذا احتلم في المسجد وتعذر خروجه منه لغلق أبوابه أو خوفه على نفسه أو ماله لكن يجب عليه التيمم بغير تراب المسجد إن لم يجد ماء أصلا فإن وجد ماء يكفيه للوضوء وجب عليه الوضوء .
الحنابلة قالوا : يباح للمحدث حدثا أكبر بلا عذر أن يقرأ ما دون الآية القصيرة أو قدره من الطويلة ويحرم عليه قراءة ما زاد على ذلك . وله أن يأتي بذكر يوافق لفظ القرآن كالبسملة عند الأكل وقوله عند الركوب : " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " : أما المرور بالمسجد والتردد به بدون مكث فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء حال نزول الدم إن أمن تلويث المسجد . ويجوز للجنب أن يمكث في المسجد بوضوء ولو بدون ضرورة . أما الحائض والنفساء فإنه لا يجوز لهما المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم )