في مفسدات الصيام التي توجب القضاء والكفارة اختلاف المذاهب فانظره تحت الخط ( الحنفية قالوا : يوجب القضاء والكفارة أمران : الأول أن يتناول غذاء أو ما في معناه بدون عذر شرعي كالأكل والشرب ونحوهما ويميل إليه الطبع وتنقضي به شهوة البطن الثاني : أن يقضي شهوة الفرج كاملة وإنما تجب الكفارة في هذين القسمين بشروط : .
أولا : أن يكون الصائم المكلف مبيتا للنية في أداء رمضان فلو لم يبيت النية لا تجب عليه الكفارة كما تقدم وكذا إذا بيت النية في قضاء ما فاته من رمضان أو في صوم آخر غير رمضان ثم أفطر فإنه لا كفارة عليه .
ثانيا : أن لا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفر أو مرض فإنه يجوز له أن يفطر بعد حصول المرض . أما لو أفطر قبل السفر فلا تسقط عنه الكفارة .
ثالثا : أن يكون طائعا مختارا لا مكرها .
رابعا : أن يكون متعمدا . فلو أفطر ناسيا أو مخطئا تسقط عنه الكفارة كما تقدم . ومما يوجب الجماع في القبل أو الدبر عمدا . وهو يوجب الكفارة على الفاعل والمفعول به . بالشروط المتقدمة . ويزاد عليها . أن يكون المفعول به آدميا حيا يشتهي . وتجب الكفارة بمجرد لقاء الختانين . وإن لم ينزل وإذا مكنت المرأة صغيرا أو مجنونا من نفسها فعليها الكفارة بالاتفاق . أما إذا تلذذت امرأة بامرأة مثلها بالمساحقة المعروفة وأنزلت . فإن عليها القضاء دون الكفارة وأما وطء البهيمة والميت والصغيرة التي لا تشتهي فإنه لا يوجب الكفارة ويوجب القضاء بالإنزال . كما تقدم ومن القسم الأول شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون الحشيش ونحو ذلك . فإن الشهوة فيه ظاهرة . ومنه ابتلاع ريق زوجته للتلذذ به . ومنه ابتلاع حبة حنطة أو سمسمة من خارج فمه لأنه يتلذذ بها . إلا إذا مضغها فتلاشت ولم يصل منها شيء إلى جوفه ومنه أكل الطين الأرمني كما تقدم . وكذا قليل الملح ومنه أن يأكل عمدا بعد أن يغتاب آخر ظنا منه أنه أفطر بالغيبة لأن الغيبة لا تفطر فهذه الشبهة لا قيمة لها وكذلك إذا أفطر بعد الحجامة أو المس أو القبلة بشهوة من غير إنزال لأن هذه الأشياء لا تفطر فإذا تعمد الفطر بعدها لزمته الكفارة ومنه غير ذلك مما يأتي بيانه بيما يوجب القضاء فقط .
الشافعية قالوا : ما يوجب القضاء والكفارة ينحصر في شيء واحد وهو الجماع بشروط . الأول : أن يكون ناويا للصوم فلو ترك النية ليلا لم يصح صومه ولكن يجب عليه الإمساك فإذا أتى امرأته في هذه الحالة نهارا لم تجب عليه الكفارة لأنه ليس بصائم حقيقة الثاني : أن يكون عامدا فلو أتاها ناسيا لم يبطل صومه وليس عليه قضاء ولا كفارة الثالث : أن يكون مختارا فلو أكره على الوقاع لم يبطل صومه الرابع : أن يكون عالما بالتحريم وليس له عذر مقبول شرعا في جهله فلو صام وهو قريب العهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وجامع في هذه الحالة لم يبطل صومه أيضا والخامس : أن يقع منه الجماع في صيام رمضان أداء بخصوصه ولو فعل ذلك في صوم النفل أو النذر أو في صوم القضاء أو الكفارة فإن اكفارة لا تجب عليه ولو كان عامدا السادس : أن يكون الجماع مستقلا وحده في إفساد الصوم فلو أكل في حال تلبسه بالفعل فإنه لا كفارة عليه وعليه القضاء فقط السابع : أن يكون آثما بهذا الجماع بأن كان مكلفا عاقلا أما إذا كان صبيا وفعل ذلك وهو صائم فإنه لا كفارة عليه ومن ذلك ما لو كان مسافرا ثم نوى الصيام وأصبح صائما : ثم أفطر في أثناء اليوم بالجماع : فإنه لا كفارة عليه بسبب رخصة السفر الثامن : أن يكون معتقدا صحة صومه : فلو أكل ناسيا فظن أن هذا مفطر ثم جامع بعد ذلك عمدا . فلا كفارة عليه . وإن بطل صومه ووجب عليه القضاء التاسع : أن لا يصيبه جنون بعد الجماع وقبل الغربو . فإذا أصابه ذلك الجنون فإنه لا كفارة عليه . العاشر : أن لا يقدم على هذا الفعل بنفسه . فلو فرض وكان نائما وعلته امرأته . فأتاها وهو على هذه الحالة . فإنه لا كفارة عليه . إلا أن أغراها على عمل ذلك الحادي عشر : أن لا يكون مخطئا . فلو جامع ظانا بقاء الليل أو دخول المغرب . ثم تبين أنه جامع نهارا . فلا كفارة عليه وإن وجب عليه القضاء والإمساك الثاني عشر : أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ونحوه فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فقط لم يبطل صومه . وإذا أنزل في هذه الحالة فعليه القضاء فقط . ولكن يجب عليه الإمساك فإن لم يسمك بقية اليوم فقد أثم الثالث عشر : أن يكون الجماع في فرج دبرا كان أو قبلا ولو لم ينزل فلو وطئ في غير ما ذكر فلا كفارة عليه الرابع عشر : أن يكون فاعلا لا مفعولا فلو أتى أنثى أو غيرها فالكفارة على الفاعل دون المفعول مطلقا . هذا وإذا طلع الفجر وهو يأتي زوجه فإن نزع حالا صح صومه وإن استمر ولو قليلا بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة إن علم بالفجر وقت طلوعه أما إن لم يعلم فعليه القضاء دون الكفارة .
الحنابلة قالوا : يوجب القضاء والكفارة شيئان : أحدهما : الوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر سواء كان المفعول به حيا أو ميتة عاقلا أو غيره ولو بهيمة وسواء كان الفاعل متعمدا أو ناسيا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها أو مخطئا كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يدخل وقته ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر ودليلهم على ذلك أن النبي A أمر المجامع في نهار رمضان بالقضاء والكفارة ولم يطلب منه بيان حاله وقت الجماع والكفارة واجبة في ذلك سواء كان الفاعل صائما حقيقة أو ممسكا إمساكا واجبا وذلك كمن لم يبيت النية فإنه لا يصح صومه مع وجوب الإمساك عليه فإذا جامع في هذه الحالة لزمته الكفارة مع القضاء الذي تعلق بذمته .
هذا والنزع جماع : فمن طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع وجب عليه القضاء والكفارة أما الموطوء فإن كان مطاوعا عالما بالحكم غير ناس للصوم فعليه القضاء والكفارة أيضا : ثانيهما : إذا باشرت امرأة أخرى وأنزلت إحداهما وجبت عليها الكفارة ويقال لذلك : المساحقة .
هذا وإذا جامع وهو في حال صحته ثم عرض له مرض لم تسقط الكفارة عنه بذلك ومثل ذلك إذا جامع وهو طليق ثم حبس أو جامع وهو مقيم ثم سافر أو جومعت المرأة وهي غير حائض ثم حاضت فإن الكفارة لا تسقط بشيء من ذلك .
المالكية قالوا : موجبات القضاء والكفارة هي كل ما يفسد الصوم بشرائط خاصة وإليك بيان مفسدات الصوم الموجبة للقضاء والكفارة .
أولا : الجماع الذي يوجب الغسل ويفسد به صوم البالغ سواء كان قاعلا أو مفعولا وإذا جامع بالغ صغيرة لا تطيقه فإن صومه لا يفسد إلا بالإنزال وإذا خرج المني من غير جماع فإنه يوجب الكفارة دون القضاء إلا أنه إذا كان بنظر أو فكر فإنه لا يوجب الكفارة إلا بشرطين : أحدهما : أن يديم النظر والفكر . فلو نظر إلى امرأة ثم غض بصره عنها بدون أن يطيل النظر وأمنى بهذا فلا كفارة عليه . الثاني : أن تكون عادته الإنزال عند استدامة النظر . فإن لم يكن الإنزال عادته عند استدامة النظر ففي الكفارة وعدمها قولان : وإذا خرج المني بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة أوجب القضاء دون الكفارة . وأما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط على كل حال ومن أتى امرأة نائمة في نهار رمضان وجب عليه أن يكفر عنها كما تجب الكفارة على من صب شيئا عمدا في خلق شخص آخر وهو نائم ووصل لمعدته وأما القضاء فيجب على المرأة وعلى المصبوب في حلقه لأنه لا يقبل النيابة .
ثانيا : إخراج القيء وتعمده سواء ملأ الفم أو لا فمن فعل ذلك عمدا بدون علة وجب عليه القضاء والكفارة أما إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم إلا إذا رجع شيء منه ولو غلبه فيفسد صومه وهذا بخلاف البلغم إذا رجع فلا يفسد الصوم ولو أمكن الصائم أن يطرحه وتركه حتى رجع .
ثالثا : وصول مائع إلى الحلق من فم أو أذن أو عين أو أنف . سواء كان المائع ماء أو غيره إذا وصل عمدا فإنه تجب به الكفارة والقضاء أما إذا وصل سهوا كما إذا تمضمض فوصل الماء إلى الحلق قهرا فإنه يوجب القضاء فقط وكذا إذا وصل خطأ كأكله نهارا معتقدا بقاء الليل أو غروب الشمس أو شاكا في ذلك ما لم تظهر الصحة كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس أو شاكا في ذلك ما لم تظهر الصحة كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس وإلا فلا يفسد صومه وفي حكم المائع : البخور وبخار القدر إذا استنشقهما فوصلا إلى حلقه وكذلك الدخان الذي اعتاد الناس شربه وهو مفسد للصوم بمجرد وصوله إلى الحلق وإن لم يصل إلى المعدة وأما دخان الحطب فلا أثر له كرائحة الطعام إذا استنشقها فلا أثر لها أيضا ولو اكتحل نهارا فوجد طعم الكحل في حلقه فسد صومه ووجبت عليه الكفارة إن كان عامدا وأما لو اكتحل ليلا ثم وجد طعمه نهارا فلا يفسد صومه ولو دهن شعره عامدا بدون عذر فوصل الدهن الى حلقه من مسام الشعر فسد صومه وعليه الكفارة وكذا إذا استعملت المرأة الحناء في شعرها عمدا بدون عذر . فوجدت طعمها في حلقها فسد صومها . وعليها الكفارة .
رابعا : وصول أي شيء إلى المعدة . سواء كان مائعا أو غيره عمدا بدون عذر سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل . لكن ماوصل من الأسفل لا يفسد الصوم إلا إذا وصل من منفذ كالدبر . فلا يفسد الصوم بسريان زيت أو نحوه من المسام إلى المعدة . فالحقنة بالإبرة في الذراع أو الألية أو غير ذلكلا تفطر . أما الحقنة في الإحليل وهو الذكر . فلا تفسد الصوم مطلقا . ولو وصل إلى المعدة حصاة أو درهم فسد صومه إن كان واصلا من الفم فقط . وكل ما وصل إلى المعدة على ما بين يبطل الصوم . ويوجب القضاء في رمضان سواء كان وصوله عمدا أو غلبة أو سهوا . أو خطأ كما تقدم في وصول المائع للحلق إلا أن الواصل عمدا في بعضه الكفارة على الوجه الذي بينا .
وبالجملة فمن تناول مفسادا من مفسدات الصوم السابقة وجب عليه القضاء والكفارة بشروط : أولا : أن يكون الفطر في أداء رمضا فإن كان في غيره كقضاء رمضان وصوم منذور أو صوم كفارة أو نفل فلا تجب عليه الكفارة . وعليه القضاء في بعض ذلك . على تفصيل يأتي في القسم الثاني ثانيا : أن يكون متعمدا . فإن أفطر ناسيا أو مخطئا . أو لعذر . كمرض وسفر . فعليه القضاء فقط . ثالثا : أن يكون مختارا في تناول المفطر . أما إذا كان مكرها فلا كفارة عليه وعليه القضاء رابعا : أن يكون عالما بحرمة الفطر . ولو جهل وجوب الكفارة عليه . خامسا : أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو غير المتأول تأويلا قريبا وإن كان متأويلا تأويلا قريبا فلا كفارة عليه والمتأول تأويلا قريبا هو المستند في فطره لأمر موجود وله أمثلة : منها أن يفطر أولا ناسيا أو مكرها . ثم ظن أنه لا يجب عليه إمساك بقية اليوم بعد التذكر . أو زوال الإكراه فتناول مفطرا عمدا . فلا كفارة عليه لاستناده لأمر موجود وهو الفطر أولا نسيانا أو بإكراه . ومنها ما إذا سافر الصائم مسافة أقل من مسافة القصر فظن أن الفطر مباح له . لظاهر قوله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطرا . فلا كفارة عليه . ومنها من رأى هلال شوال نهار الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد . وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله عليه السلام : " وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " فلا كفارة عليه وأما المتأول تأويلا بعيدا فهو المستند في فطره إلى أمر غير موجود وعليه الكفارة وله أيضا أمثلة : منها أن من عادته الحمى في يوم معين . فبيت نية الفطر من الليل ظانا أنه مباح فعليه الكفارة . ولو حم في ذلك اليوم . ومنها المرأة تعتاد الحيض في يوم معين . فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه . ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة . ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه . ومنها من اغتاب في يوم معين من رمضان فظن أن صومه بطل . وأن الفطر مباح فأفطر متعمدا . فعليه الكفارة سادسا : أن يكون الواصل من الفم . فلو وصل شيء من الأذن أو العين أو غيرهما . مما تقدم فلا كفارة وإن وجب القضاء . سابعا : أن يكون الوصول للمعدة فلو وصل شيء إلى حلق الصائم ورده فلا كفارة عليه . وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق ومن الأشياء التي تبطل الصوم وتوجب القضاء والكفارة : رفع النية ورفضها نهارا وكذا رفع النية ليلا إذا استمر رافعا لها حتى طلع الفجر وصول شيء إلى المعدة من القيء الذي أخرجه الصائم عمدا سواء وصل عمدا أو غلبة لا نسيانا ووصول شيء من أثر السواك الرطب الذي يتحلل منه شيء عادة كقشر الجوزن ولو كان الوصول غلبة متى تعمد الاستياك في نهار رمضان فهذه الأشياء توجب الكفارة بالشروط السابقة ما عدا التعمد بالنسبة للراجع من القيء والواصل من أثر السواك المذكور فإنه لا يشترط بل التعمد والوصول غلبة سواء وأما الوصول نسيانا فيوجب القضاء فقط فيهما )