يثبت شهر رمضان بأحد أمرين : الأول : رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها : الثاني : إكمال شعبان ثلاثين يوما إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله A : " صوموا لريته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " رواه البخاري عن أبي هريرة ومعنى الحديث : أن السماء إذا كانت صحوا أمر الصوم متعلقا برؤيته الهلال فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال أما إذا كان بالسماء غيم فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان بمعنى أن نكمله ثلاثين يوما . بحيث لو كان ناقصا في حسابنا نلغي ذلك النقص وإن كان كاملا وجب الصوم وهذه القاعدة وضعها الشارع الذي أمر بالصيام فهو صاحب الحق المطلق في نصب العلامات التي يريدها وهو قد قال لنا : إن كانت السماء صحوا ويمكن رؤية الهلال فارصدوه وصوموا عند رؤيته وإلا فلا أما إذا كانت غيما فلنرجع إلى حساب شهر شعبان ونكمله ثلاثين يوما وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة حال الغيم عملا بلفظ آخر ورد في حديث آخر وهو صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له . فقالوا : إن معنى " فاقدروا له " احتاطوا له بالصوم وقد احتج الحنابلة لذلك بعمل ابن عمر راوي الحديث فقد ثبت أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب وقتر أصبح مفطرا وإن حال أصبح صائما . ولا يقال لهذا اليوم : يوم شك في هذه الحالة بل الشك عندهم لا يوجد إلا إذا كان اليوم صحوا وتقاعد الناس عند رؤية الهلال وقد ذكرنا مذهب الحنابلة تحت الخط ( الحنابلة قالوا : إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوما . ووجب عليه تبيين النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان وينويه عن رمضان فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه ) أما كيفية إثبات الهلال ففيها تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط ( الحنفية قالوا : إذا كانت السماء خالية من موانع الرؤية فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم وتقدير الكثرة منوط برأي الإمام أو نائبه فلا يلزم فيها عدد معين على الراجح وشترط في الشهود في هذه الحالة أن يذكروا في شهادتهم لفظ : " أشهد " وإن لم تكن السماء خالية من الموانع المذكورة وأخبر واحد أنه رآه اكتفى بشهادته إن كان مسلما عدلا عاقلا بالغا ولا يشترط أن يقول : أشهد كما لا يشترط الحكم . ولا مجلس القضاء ومتى كان بالسماء علة فلا يلزم أن يراه جماعة لتعسر الرؤية حينئذ ولا فرق في الشاهد بين أن يكون ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا وإذا رآه واحد ممن تصح شهادته وأخبر بذلك واحد آخر تصح شهادته فذهب الثاني إلى القاضي وشهد على شهادة الأول فللقاضي أن يأخذ بشهادته ومثل العدل في ذلك مستور الحال على الأصح ويجب على من رأى الهلال ممن تصح شهادته أن يشهد بذلك في ليلته عند القاضي إذا كان في المصر فإن كان في قرية فعليه أن يشهد بين الناس بذلك في المسجد ولو كان الذي رآه امرأة مخدرة ويجب على من رأى الهلال وعلى من صدقه الصيام ولو ورد القاضي شهادته إلا أنهما لو أفطرا في حالة رد الشهادة فعليهما القضاء دون الكفارة .
الشافعية قالوا : يثبت رمضان برؤية عدل ولو مستورا سواء كانت السماء صحوا أو بها ما يجعل الرؤية متعسرة ويشترط في الشاهد أن يكون مسلما عاقلا بالغا حرا ذكرا عدلا ولو بحسب ظاهره وأن يأتي في شهادته بلفظ : أشهد كأن يقول أمام القاضي : أشهد أنني رأيت الهلال ولا يلزم أن يقول : وإن غدا من رمضان ولا يجب الصوم على عموم الناس إلا إذا سمعها القاضي ولو لم يشهد عند القاضي أو شهد ولم تسمع شهادته وكذا يجب على كل من صدقه أن يصوم متى بلغته شهادته ووثف بها ولو كان الراي صبيا أو امرأة أو عبدا أو فاسقا أو كافرا .
المالكية قالوا : يثبت هلال رمضان بالرؤية وهي على ثلاثة أقسام : الأول : أن يراه عدلان والعدل هو الذكر الحر البالغ العاقل الخالي من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو فعل ما يخل بالمروءة الثاني : أن يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم ويؤمن تواطؤهم على الكذب ولا يجب أن يكونوا كلهم ذكورا أحرارا عدولا الثالث : أن يراه واحد ولكن لا تثبت الرؤية بالواحد إلا في حق نفسه أو في حق من أخبره إذا كان من أخبره لا يعتني بأمر الهلال أما من له اعتناء بأمره فلا يثبت في حقه الشهر برؤية الواحد وإن وجب عليه الصوم برؤية نفسه ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية فمتى كان غير مشهور بالكذب وجب على من لا اعتناء لهم بأمر الهلال أن يصوموا بمجرد إخباره ولو كان امرأة أو عبدا متى وثقت النفسبخبره واطمأنت له ومتى رأى الهلال عدلان أو جماعة مستفيضة وجب على كل من سمع منهما أن يصوم كما يجب على كل من نقلت إليه رؤية واحد من القسمين الأولين إنما إذا كان النقل عن العدلين فلا بد أن يكون الناقل عن كل منهما عدلين ولا يلزم تعدد العدلين في النقل فلو نقل عدلان الرؤية عن واحد ثم نقلاها عن الآخر أيضا وجب الصوم على كل من نقلت إليه أو جماعة مستفيضة ولا يكفي نقل الواحد وأما إذا كان النقل عن الجماعة المستفيضة فيكفي فيه العدل الواحد كما يكفي إذا كان النقل ثبوت الشهر عند الحاكم أو عن حكمه بثبوته وإذا رأى الهلال عدل واحد أو مستور الحال وجب عليه أن يرفع الأمر للحاكم ليفتح باب الشهادة فربما ينضم إليه واحد آخر إذا كان عدلا أو جماعة مستفيضة إن كان غير عدل ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم أن يكون بلفظ : أشهد .
الحنابلة قالوا : لا بد من رؤية هلال رمضان من إخبار مكلف عدل ظاهرا وباطنا فلا تثبت برؤية صبي مميز ولا بمستور الحال ولا فرق في العدل بين كونه ذكرا أو أنثى . حرا أو عبدا ولا يشترط أن يكون الإخبار بلفظ : أشهد فيجب الصوم على من سمع عدلا يخبر برؤية هلال رمضان ولو رد الحاكم خبره لعدم عمله بحاله ولا يجب على من رأى الهلال أن يذهب إلى القاضي ولا إلى المسجد كما لا يجب عليه إخبار الناس )