أما سبب الاستخلاف ففيه تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط ( الحنفية قالوا : سبب الاستخلاف هو أن يحدث الإمام في الصلاة بدون اختيار يخرج منه ريح أو يسيل منه دم أو نحو ذلك من النجاسات التي تخرج من بدن الإنسان وهو يصلي أما إذا أصابته نجاسة تمنع من الاستمرار في الصلاة أو كشفت عورته بمقدار ركن من أركان الصلاة ونحو ذلك فإن صلاته تفسد وتفسد معها صلاة المأمومين فلا يصح الاستخلاف في هذه الحالة كما لا يصح الاستخلاف إذا ضحك الإمام قهقهة أو جن أو أغمي عليه أو غير ذلك مما يأتي في شروط الاستخلاف ويجوز الاستخلاف إذا عجز عن قراءة القدر المفروض أما إذا عجز عن الركوع أو السجود بسبب حصر البول أو الغائط فإنه لا يستخلف إذا أمكنه أن يصلي قاعدا وعلى المأمومين في هذه الحالة أن يتموا صلاتهم خلفه قياما وهذا هو رأي الإمام أبي حنيفة ولا يصح الاستخلاف إذا خاف حصول ضرر أو ضياع مال بل يقطع الصلاة ويبتدئ المقتدون به الصلاة من أولها بحسب ما يتاح لهم .
المالكية قالوا : أسباب الاستخلاف ثلاثة أمور : الأمر الأول : أن يخاف الإمام وهو في صلاته على مال سواء كان ماله أو مال غيره وفي هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ ذلك المال ويندب له أن يستخلف إماما غيره على أنه يشترط لقطع الصلاة بسبب الخوف على المال أن يترتب على ضياعه أو تلفه هلاك صاحبه أو حصول ضرر شديد له وفي هذه الحالة يجب على الإمام أن يقطع الصلاة مطلقا سواء كان المال قليلا أو كثيرا وسواء اتسع الوقت لإدراك الصلاة بعد ذلك أو لم يتسع . أما إذا لم يخف ضياعه ولكنه لم يطمئن لتركه بدون حراسة فإنه في هذه الحالة يصح له أن يقطع الصلاة بشرطين : الشرط الأول : أن يكون الوقت متسعا بحيث يمكنه أن يؤدي الصلاة التي قطعها قبل خروج الوقت الشرط الثاني أن يكون المال كثيرا - والمال الكثير هنا هو ما كان له قيمة وشأن عند صاحبه - فإذا فقد شرط من هذين الشرطين في هذه الحالة فإنه لا يصح له قطع الصلاة ومثل الخوف على المال الخوف على نفس من الهلاك والتلف فإذا خاف على أعمى الاصطدام بسيارة أو الوقوع في حفرة عميقة يضره الوقوع فيها فإنه في هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذه .
والحاصل أن الخوف على المال أو النفس بالشروط المذكورة يجعل قطع الصلاة فرضا على الإمام ويندب له أن يستخلف من يكمل بهم الصلاة وعرفت أن الحنفية قالوا : إن الخوف على مثل هذا يوجب قطع الصلاة ولكن لا يجوز له حال الخوف أن يستخلف بل تبطل صلاته وصلاة من خلفه وللمأمومين أن يقيموا إمامين يصلي كل إمام بفريق وإذا أقام الصلاة خليفة عنه وأقام المقتدون إماما ثانيا وصلت كل فرقة خلف واحد منهما فإن الصلاة تصح ولكن إذا أقام الإمام خليفة حرم على المأمومين أن يقيموا غيره وإن كانت تصح الصلاة خلف من أقاموه .
هذا كله في غير صلاة الجمعة أما إذا وقع ذلك وهو يصلي الجمعة إماما . فإذا لم يستخلف في الجمعة وصلوها فرادى فإنها تبطل لاشتراط الجماعة فيها وإذا استخلف الإمام واحدا واستخلف المقتدون واحدا فإن الجمعة تصح خلف من استخلفه الإمام وتبطل خلف غيره فإن لم يستخلف الإمام أحدا واستخلف المقتدون اثنين فإن الجمعة تصح لمن سبق منهم فإن تساويا في السلام بطلت صلاة الجمعة وعليهم أن يقيموها جمعة ثانيا إن كان الوقت باقيا وإلا صلوها ظهرا وقد خالف الحنفية في ذلك كله فقالوا : إن لم يستخلف الإمام وصلوها فرادى بطلت صلاتهم سواء في الجمعة أو في غيرها وكذلك إذا استخلف الإمام واحدا واستخلف المقتدون واحدا . بطلت الصلاة خلف من استخلفه المقتدون وإذا لم يستخلف الإمام ولا المقتدون وتقدم واحد عن المصلين وأتم بهم الصلاة فإنها تصح .
الشافعية قالوا : سبب الاستخلاف خروج الإمام عن الإمامة بطرو حدث سواء كان الحدث عمدا أو قهرا عنه أو تبين له أنه كان محدثا قبل شروعه في الصلاة وهذا السبب عندهم ليس ضرورا بل للإمام أن يستخلف غيره ولو بدون سبب وإذا قدم الإمام واحدا وقدم المقتدون واحدا فإن الصلاة تصح خلف كل منهما ولكن الأولى بالإمامة من قدمه المقتدون لا من قدمه الإمام إلا إذا كان إماما راتبا فإن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام الراتب وإذا قدم الإمام الواحد وتقدم واحد آخر بدون أن يقدمه أحد فإن الصلاة تصح خلف كل منهما ولكن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام سواء كان راتبا أو غير راتب ولا يخفى أن الشافعية قد خالفوا الحنفية والمالكية في هذه الأحكام .
الحنابلة قالوا : سبب الاستخلاف هو أن يحصل للإمام مرض شديد يمنعه من إتمام الصلاة ومنه ما إذا عجز عن ركن قولي كقراءة الفاتحة أو واجب قولي كتسبيحات الركوع والسجود فإن حصل له عذر كهذا فإنه يجوز له أن يستخلف واحدا بدله ولو لم يكن من المقتدين ليتم بهم الصلاة وليس من الأعذار عندهم سبق الحدث فإذا انتقض وضوء الإمام أثناء صلاته بطلت صلاته وصلاة من خلفه ولا يجوز له الاستخلاف وإذا حصل للإمام عذر يبيح الاستخلاف ولم يستخلف جاز للمقتدين أن يستخلفوا واحدا ليتم بهم الصلاة كما يجوز لهم أن يتموها فرادى بدون إمام وإذا استخلف القوم واستخلف الإمام واحدا آخر فالصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام كما يقول الحنفية )