من لا يدرك إمامه في جميع صلاته لا يخلو حاله عن أمرين : أحدهما : أن يفوته ركعة من ركعات الصلاة أو أكثر بسبب عذر أو زحمة ونحوها بعد الدخول في الصلاة ثانيهما : أن يفوته شيء من ذلك قبل الدخول فيها مع الإمام كأن يدرك الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة أو الأخيرة وفي كل هذا تفصيل في المذاهب فانظره تحت الخط ( الحنفية قالوا : إن الأول يسمى لاحقا والثاني يسمى مسبوقا فاللاحق هو من دخل الصلاة مع الإمام ثم فاته كل الركعات أو بعضها لعذر كزحام والمسبوق هو من سبقه إمامه بكل الركعات أو بعضها وحكم اللاحق كحكم المؤتم حقيقة فيما فاته فلا تنقطع تبعيته للإمام فلا يقرأ في قضاء ما فاته من الركعات ولا يسجد للسهو فيما يسهو فيه حال قضائه لأن لا سجود على المأموم فيما يسهو فيه خلف إمامه ولا يتغير فرضه أربعا بنية الإقامة إن كان مسافرا وكيفية قضاء ما فاته أن يقضيه في أثناء صلاة الإمام ثم يتابعه فيما بقي إن أدركه فإن لم يدركه مضى في صلاته إلى النهاية ولا يقرأ شيئا في قيامه حال القضاء لأنه معتبر خلف الإمام وإذا كان على الإمام سجود سهو فلا يأتي به اللاحق إلا بعد قضاء ما فاته وقد يكون اللاحق مسبوقا بأن يدخل مع الإمام في الركعة الثانية ثم تفوته ركعة أو أكثر وهو خلف الإمام وفي هذه الحالة يقضي ما سبق به بعد أن يفرغ من قضاء ما فاته بعددخوله مع الإمام وعليه القراءة في قضاء ما سبق به فاللاحق إذا كان مسبوقا عليه أن يقضي ما فاته بعد دخوله في الصلاة بدون قراءة ثم يتابع الإمام فيما بقي من الصلاة ان أدركه فيها ثم يقصي ما سبق به بقراءة فإن كان على الإمام سجود سهو في هذه الحالة أتى به بعد قضاء ما سبق به فإن قضى ما سبق به قبل أن يقتضي ما فاته صحت صلاته مع الإثم لترك الترتيب المشروع . أما المسبوق له أحكام كثيرة : منها أنه إن أدرك الإمام في ركعة سرية أتى بالثناء بعد تكبيرة الإحرام وإن أدركه في صلاة ركعة جهرية لا يأتي به على الصحيح مع الإمام وإنما يأتي به عند قضاء ما فاته وحينئذ يتعوذ ويبسمل للقراءة كالمنفرد . فإن أدرك الإمام وهو راكع أو ساجد تحرى فإن غلب على ظنه أنه لو أتى بالثناء أدركه في جزء من ركوعه أو سجوده أتى به وإلا فلا وإن أدركه في القعود لا يأتي بالثناء بل يكبر ويقعد قدر التشهد إلا في مواضع : .
الأول : إذا خاف المسبوق الماسح زوال مدته إذا انتظر سلام الإمام الثاني : إذا خاف خروج الوقت وكان صاحب عذر لأنه إذا انتظره في هذه الحالة ينتقض وضوءه الثالث : إذا خاف في الجمعة دخول وقت العصر إذا انتظر سلام الإمام الرابع إذا خاف المسبوق دخول وقت العصر في العيدين أو خاف طلوع الشمس إذا انتظر سلام الإمام الخامس إذا خاف المسبوق أن يسبقه الحدث السادس : إذا خاف أن يمر الناس بين يديه إذا انتظر سلام الإمام فهذه المواضع كلها يقوم فيها المسبوق قبل أن يسلم إمامه ويقضي ما فاته متى كان الإمام قد قعد قدر التشهد أما إذا قام قبل أن يتم الإمام القعود بقدر التشهد فإن صلاة المسبوق تبطل وكما أن المسبوق لا تجب عليه متابعة إمامه في سلام عند وجود عذر من هذه الأعذار فكذلك المدرك لا تجب عليه المتابعة عند وجود ذلك العذر فإن لم يوجد عذر وجب على المأموم أن يتابع إمامه في السلام إن كان قد أتم التشهد فإن سلم إمامه قبل ذلك لا يسلم معه بل يتم تشهده ثم يسلم فإذا أتم المأموم تشهده قبل إمامه ثم سلم قبله صحت صلاته مع الكراهة إن كانت بغير عذر من تلك الأعذار والأفضل في المتابعة في السلام أن يسلم المأموم مع إمامه لا قبله ولا بعده فإن سلم قبله كان الحكم ما تقدم وإن سلم بعده فقد ترك الأفضل وكذلك المتابعة في تكبيرة الإحرام فإن المقارنة فيها أفضل أما إن كبر قبله فلا تصح صلاته وإن كبر بعده فقد فاته إدراك وقت فضيلة تكبيرة الإحرام ومنها أن يقضي أول صلاته بالنسبة للقراءة وآخرها بالنسبة للتشهد فلو أدرك ركعة من المغرب قضى ركعتين وقرأ في كل واحدة منهما الفاتحة وسورة لأن الركعتين اللتين يقضيهما هما الأولى والثانية بالنسبة للقراءة ويقعد على رأس الأولى منهما ويتشهد لأنها الثانية بالنسبة لها فيكون قد صلى المغرب في هذه الحالة بثلاث قعدات ولو أدرك ركعة من العصر مثلا قضى ركعة يقرأ فيها الفاتحة والسورة ويتشهد ثم يقضي ركعة أخرى يقرأ فيها الفاتحة والسورة ولا يتشهد ثم يقوم لقضاء الأخيرة وهو مخير في القراءة فيها وعدمها والقراءة أفضل ولو أدرك ركعتين من العصر مثلا قضى ركعتين يقرأ فيهما الفاتحة والسورة ويتشهد فلو ترك القراءة في إحداهما بطلت صلاته ومنها أنه في حكم المنفرد فيما يقضيه إلا في مواضع أربعة أحدها : أنه لا يجوز له أن يقتدي بمسبوق مثله ولا أن يقتدي به غيره فلو اقتدى مسبوق بمسبوق فسدت صلاة المقتدي دون الإمام ولو اقتدى هو بغيره بطلت صلاته ثانيها : أنه لو كبر ناويا لاستثناف صلاة جديدة من أولها وقطع الصلاة الأولى تصح بخلاف المنفرد ثالثها : أنه لو سها الإمام إلى سجود التلاوة فإن صلاته وصلاة المسبوق صحيحة .
المالكية قالوا : المقتدي إن فاتته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع الإمام فهو مسبوق وحكمه أنه يجب عليه أن يقضي بعد سلام الإمام ما فاته من الصلاة إلا أن يكون بالنسبة للقول قاضيا وبالنسبة للفعل بانيا ومعنى كونه قاضيا أن يجعل ما فاته أول صلاته فيأتي به على الهيئة التي فات عليها بالنسبة للقراءة فيأتي بالفاتحة وسورة أو بالفاتحة فقط سرا أو جهرا على حسب ما فاته ومعنى كونه بانيا أن يجعل ما أدركه أو صلاته وما فاته آخر صلاته لإيضاح ذلك نقول : دخل المأموم مع الإمام في الركعة الرابعة من العشاء وفاتته ثلاث ركعات قبل الدخول فإذا سلم الإمام يقوم المأموم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة جهرا لأنها أولى صلاته بالنسبة للقراءة ثم يجلس على رأسها للتشهد نها ثانية له بالنسبة للجلوس ثم يقوم بعد التشهد فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة جهرا لأنها ثانية له بالنسبة للقراءة ولا يجلس للتشهد على رأسها لأنها ثالثة له بالنسبة للجلوس ثم يقوم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة فقط سرا : لأنها ثالثة له بالنسبة للقراءة ويجلس على رأسها للتشهد لأنها رابعة له بالنسبة للأفعال ثم يسلم ومن القول الذي يكون قاضيا فيه القنوت فإذا دخل مع الإمام في ثانية الصبح يقنت فيها تبعا مامه فإذا سلم الإمام قام بركعة القضاء ولا يقنت فيها لأنها أولى بالنسبة للقنوت ولا قنوت في أولى الصبح فالقول الذي يكون قاضيا فيه هو القراءة والقنوت ثم إذا ترتب على الإمام سجود سهو فإن كان قبليا سجده مع الإمام قبل قيامه للقضاء وإن كان بعيدا أخره حتى يفرغ من قضاء ما عليه والمسبوق يقوم بالقضاء بتكبير إن أدرك مع الإمام ركعتين أو أدرك أقل من ركعة وإلا فلا يكبر حال القيام بل يقوم ساكتا وأما إذا فات المأموم شيء من الصلاة بعد الدخول مع الإمام لعذر كزحمة أو نعاس لا ينقض الوضوء فله ثلاث أحوال : الأولى أن يفوته ركوع أو رفع منه الثانية : أن تفوته سجدة أو السجدتان : الثالثة : أن تفوته ركعة أو أكثر فالحالة الأولى أنه إذا فات المأموم الركوع أو الرفع منه مع الإمام فإما أن يكون ذلك في الركعة الأولى أو غيره فإن كانت في الركعة الأولى تبع الإمام فيما هو فيه من الصلاة وألغى هذه الركعة لعدم انسحاب المأمومية عليه بفوات الركوع مع الإمام . ولعدم عقد الركعة مع الإمام في حالة فوات الرفع معه بناء على أن عقد الركوع برفع الرأس منه مع الإمام وعليه أن يقضي ركعة بعد سلام الإمام بدل الركعة التي ألغاها وإن كان ذلك الفوات في غير الركعة الأولى فإن ظن أنه لو ركع أو رفع يمكنه أن يسجد مع الإمام ولو سجدة واحدة فعل ما فاته ليدرك الإمام ثم إن تحقق ظنه فالأمر واضح وإن تخلف ظنه كأن كان بمجرد ركوعه رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية فإنه يلغي ما فعله ويتبع الإمام فيما هو فيه ويقضي ركعة بعد سلامه : وإن لم يظن إدراك شيء من السجود مع الإمام ألغى هذه الركعة وقضى ركعة بعد سلام الإمام فإن خالف ما أمر به وأتي بما فاته فإن أدرك مع الإمام شيئا من السجود صحت صلاته وحسبت له الركعة وإلا بطلت لمخالفة ما أمر به مع قضاء ما فاته من طلب إمامه الحالة الثانية : أن يفوته سجدة أو سجدتان وحكم ذلك أن المأموم إما أن يظن أن يدرك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أو لا ففي الحالة الأولى يفعل ما فاته ويلحق الإمام وتحسب له الركعة وفي الحالة الثانية يلغي الركعة ويتبع الإمام فيما هو فيه ويأتي بركعة بعد سلام الإمام ولا سجود عليه بعد السلام لزيادة الركعة التي ألغاها لأن الإمام يحمل مثل ذلك عنه الحالة الثالثة : أن تفوته ركعة أو أكثر بعد الدخول مع الإمام وحكم ذلك أنه يقضي ما فاته بعد سلام الإمام على نحو ما فاته بالنسبة للقراءة والقنوت ويكون بانيا في الأفعال على ما تقدم وقد يفوت المأموم جزء من الصلاة قبل الدخول مع الإمام ثم يفوته ركعة أيضا أو أكثر بعد الدخول لزحمة ونحوها مثال ذلك : أن يدخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية الرباعية فيدرك معه الثانية والثالثة وتفوته الرابعة فقد فاته الآن ركعتان : إحداهما : قبل الدخول مع الإمام والثانية بعد الدخول معه وحكم ذلك أنه يقدم في القضاء الركعة الثانية التي هي رابعة الإمام فيأتي بها بالفاتحة فقط سرا ولو كانت الصلاة جهرية لم يجلس عليها لأنها أخيرة الإمام ثم يقوم فيأتي بركعة بدل الأول ويقرأ فيها بالفاتحة وسورة لأنها أولى ويجهر إن كانت الصلاة جهرية ويجلس عليها لأنها أخيرته هو ثم يسلم .
الحنابلة قالوا : من اقتدى بالإمام من أول الصلاة أو بعد ركعة فأكثر وفاته شيء منها فهو في الحالتين مسبوق فمن دخل مع إمامه من أول صلاته وتخلف عنه بركن بعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء وجب عليه أن يأتي بما فاته متى زال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام وصارت الركعة معتدا بها فإن خشي فوت الركعة التالية مع الإمام على صفتها وإن تخلف عن إمامه بركعة فأكثر لعذر من الأعذار السابقة تابعه وقضى ما تخلف به عن إمامه بعد فراغه على صفته ومعنى قضاء ما فاته على صفته أنه لو كان ما فاته الركعة الأولى أتى عند قضائها بما يطلب فعله فيها من استفتاح وتعوذ وقراءة سورة بعد الفاتحة وإن كانت الثانية قرأ سورة بعد الفاتحة وإن كانت الثالثة أو الرابعة قرأ الفاتحة فقطن وإن دخل مع إمامه وأدرك ركوع الأولى ثم تخلف عن السجود معه لعذر وزوال عذره بعد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع إمامه في سجود الثانية وتمت له بذلك ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية ويقضي ما فاته بعد سلام إمامه على صفته . كما تقدم وهذا كله إذا كان المقتدي قد دخل مع إمامه من أول صلاته أما إذا دخل معه بعد ركعة فأكثر فيجب عليه قضاء ما فاته بعد فراغ إمامه من الصلاة ويكون ما يقضيه أول صلاته وما أداه مع إمامه آخر صلاته فمن أدرك الإمام في الظهر في الركعة الثالثة وجب عليه قضاء الركعتين بعد فراغ إمامه فيسفتح ويتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة في أولاهما ويقرأ الفاتحة وسورة في الثانية لما علمت ويخير في الجهر إن كانت الصلاة جهرية غير جمعة فإنه لا يجهر فيها ويجب على المسبوق أن يقوم للقضاء قبل تسليمة الإمام الثانية فإن قام فيها بلا عذر ويبيح المفارقة وجب عليه أن يعود ليقوم بعدها وإلا انقلبت صلاته نفلا ووجبت عليه إعادة الفرض الذي صلاه مع الإمام وإنما يكون ما يقصيه المسبوق أول صلاته فيما عدا التشهد أما التشهد فإنه إذا أدرك إمامه في ركعة من رباعية أو من المغرب فإنه يتشهد بعد قضاء ركعة أخرى لئلا يغير هيئة الصلاة وينبغي للمسبوق أن يتورك في تشهد إمامه الأخير إذا كانت الصلاة مغربا أو رباعية تبعا لإمامه وإذا سلم المسبوق مع إمامه سهوا وجب عليه أن يسجد للسهو في آخر صلاته وكذا يسجد للسهو إن سها فيما يصليه مع الإمام وفيما انفرد بقضائه ولو شارك الإمام في سجوده لسهوه وإذا سها الإمام ولم يسجد لسهوه وجب على المسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته ويعتبر المسبوق مدركا للجماعة متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى ولا يكون المسبوق مدركا للركعة إلا إذا أدرك ركوعها مع الإمام ولو لم يطمئن معه وعليه أن يطمئن وحده ثم يتابعه .
( يتبع . . . )