يشترط لصلاة الجمعة ما يشترط لصلاة الظهر وغيره من الصلوات المذكورة في صحيفة 161 وما بعدها في مبحث " شروط الصلاة " المتقدم بيانها ولكن للجمعة شروط زائدة على شروط الصلاة المتقدمة فلنذكرها لك مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط ( الحنفية قالوا : تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شروط الصلاة إلى قسمين : شروط وجوب وشروط صحة فشروط وجوبها عندهم ستة أحدها : الذكورة فلا تجب على الأنثى ولكن إذا حضرتها وأدتها فإنها تصح منها وتجزئها عن صلاة الظهر ثانيها : الحرية فلا تجب على من به رق ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصح منه ثالثها : أن يكون صحيحا فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشيا فإن عجز عن الذهاب إلى المسجد ماشيا سقطت عنه الجمعة وإن وجد من يحمله باتفاق الحنفية أما الأعمى الذي لا يمكنه الذهاب إليها بنفسه فالإمام يقول : إنها تسقط عنه ولو وجد قائدا متبرعا أو بأجر يقدر عليه والصاحبان يقولان إن قدر على الذهاب ولو بقائد متبرع أو بأجر يقدر عليه لزمه الذهاب فيجوز للأعمى أن يقلد أحد الرأيين ولكن الأحوط أن يقلد مذهب الصاحبين خصوصا أن الجمعة تصح منه باتفاق رابعها : الإقامة في المحل الذي تقام فيه الجمعة أو في محل متصل به فمن كان في محل يبعد عن مكان الجمعة فإنها لاتجب عليه وقدروا مسافة البعد بفرسخ وهو ثلاثة أميال والميل ستة آلاف ذراع وهي - خمسة كيلو مترات وأربعون مترا - وهذا هو المختار للفتوى وبعضهم قدر هذه المسافة بأربعمائة ذراع وتسمى " غلوة " وبذلك تعلم أنها لا تجب على المسافر إلا إذا نوى أن يقيم خمسة عشر يوما خامسها : أن يكون عاقلا فلا تجب على المجنون ومن في حكمه سادسها : البلوغ فلا تجب على الصبي الذي لم يبلغ .
هذا ولا يشتبه عليك عد العقل والبلوغ من شروط وجوب الجمعة الزائدة على شروط وجوب الصلاة وذلك لأن الحنفية عدوا في كتبهم المشهورة شروط الصلاة مقصورة على شروط الجواز والصحة وإلا فمما لا شك في أن البلوغ من شروط وجوب الصلاة وكذلك القدرة في شرائط الجمعة اكتفاء بعدها في شروط الصلاة كان له وجه حسن وأما شروط صحتها فهي سبعة أحدها : المصر فلا تجب على من كان مقيما بقرية لقول علي Bه : " لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة " رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفا على علي " Bه " وكذلك رواه عبد الرزاق والفرق بين القرية والمصر أن المصر ما لا تسع أكبر مساجده أهله المكلفين بصلاة الجمعة ولو لم يحضروا بالفعل وبهذا أفتى أكثر فقهاء الحنفية وعليه فتصح الجمعة في كل بلاد القطر المصري التي بها مساجد تقام فيها الجمعة إذ لا توجد قرية يسع أكبر مساجدها جميع أهلها المكلفين فإذا فرض ووجدت قرية صغيرة ويقال لها : نزلة لا ينطبق عليها هذا الشرط فإنه لا يصح من أهلها الجمعة إذا لم يكن بينها وبين بلدة أخرى أقل من مسافة فرسخ وإلا فإنه يلزمهم الذهاب إلى هذه البلدة لأداء الجمعة ولكن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن المصر هو كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة أكثر الحدود وإن لم ينفذها بالفعل فلا تصح الجمعة على هذا الرأي في مساجد البلدان التي لا ينطبق عليها هذا الشرط وحيث أن معظم علماء المذهب أفتوا بالرأي الأول فمن الحيطة العمل به خصوصا أن جميع الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط فالذين يتركون صلاة الجمعة بناء على ما اشتهر عند بعض الحنفية في تعريف المصر لم يأخذوا بالأحوط لديهم خصوصا إذا ترتب على ترك الجمعة تشكيك العامة واستهانتهم بأداء واجباتهم الدينية على أن عندهم الذي يعولون عليه في هذا هو ما رواه ابن أبي شيبة عن علي موقوفا وقد نقل الزيلعي في كتابه " نصب الراية " أن النبي A لم ينقل عنه في هذا الموضوع شيء وعلى فرض أنه حديث صحيح فمن أين جاء تعريف المصر بأنه ما كان له أمير وقاض ينفذ الحدود ؟ فالحق واضح والارتكاز على هذا لا يفيد مطلقا ولهذا جرى جمهور محققي الحنفية على أن المصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة وإن لم يحضروا فعلا أما الأئمة الآخرون فإنهم لم يعولوا على هذا الأثر الذي نقل عن علي كرم الله وجهه وستعرف شرائطهم بعد هذا ثانيها : إذن السطان أو نائبه الذي ولاه إمارة فإذا ولى الإمام خطيبا فغن له أن يولي غيره ولو لم يأذن بالإنابة على الظاهر وبعضهم يقول : لا يجوز إلا إذنه بإنابة غيره : ثالثها : دخول الوقت فلا تصح الجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر وقد عرفت أن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة مطلقا ولو غير جمعة كما هو شرط لوجوبها ولكنهم ذكروه أيضا في شرائط صحة الجمعة تساهلا وإذا خرج الوقت قبل تمام صلاتها فإن صلاتهم تبطل ولو بعد القعود قدر التشهد وقد عرفت أن وقت الجمعة هو وقت الظهر وهو من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء رابعها : الخطبة وسيأتي بيانها خامسها : أن تكون الخطبة قبل الصلاة سادسها : الجماعة فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفردا ويشترط في الجماعة عند الحنفية أن يكونوا ثلاثة غير الإمام وإن لم يحضروا الخطبة كما سيأتي في مبحث " الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها " سابعها : الإذن العام من الإمام - الحاكم - فلا تصح الجمعة في مكان يمنع منه بعض المصلين فلو أقام الإمام الجمعة في داره بحاشيته وخدمه فإنها تصح مع الكراهة ولكن بشرط أن يفتح أبوابها ويأذن للناس بالدخول فيها ومثلها الحصن والقلعة على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذونا للناس بالدخول فيها وتصح صلاة الجمعة في الفضاء بشرطين : أحدهما إذن الإمام ثانيهما : أن لا يبعد عن المصر أكثر من فرسخ أو يكون له علاقة بالمصر كالمحل الذي أعد لسباق الخيل أو لدفن الموتى وسيأتي في مبحثه .
المالكية قالوا : تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين : شروط وجوب وشرط صحة فأما شروط وجوبها فهي كشروط وجوب الصلاة المتقدمة وتزيد عليها أمور أحدها الذكورة فلا تجب الجمعة على المرأة ولكن إن صلتها مع الجماعة فإنها تصح منها وتجزئها عن صلاة الظهر ثانيها : الحرية فلا تجب على العبد ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصحمنه وهذا الشرطان متفق عليهما في المذاهب بنصهما ثالثها : عدم العذر المبيح لتركها فتسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكبا أو محمولا فإذا قدر على السعي لها ولو بأجرة لا تجحف به فإنها تجب عليه وإذا كان مقعدا فإنه لا يلزمه الذهاب إلى الجمعة إلا إذا وجد من يحمله ولم يتضرر من ذلك رابعها : أن يكون مبصرا فلا تجب على الأعمى إذا تعذر عليه الحضور بنفسه أو لم يجد قائدا فإن أمكنه المشي بنفسه أو وجد قائدا فإنها تجب عليه خامسها : أن لا يكون شيخا هرما يصعب عليه الحضور سادسها : أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين ومثل الحروالبر الشديدين المطر والوحل الشديدان سابعها : أن يخاف من ظالم يحبسه أو يضربه ظلما أما إن كان يستحق ذلك فإن الجمعة لا تسقط عنه ثامنها : أن يخاف على مال أو عرض أو نفس ويشترط في المال أن يكون ضياعه مجحفا به تاسعها : أن يكون مقيما بالبلد الذي تقام به الجمعة أو مقيما بقرية أو خيمة تبعد عنه ثلاثة أميال وثلث ميل . وتعتبر هذه المسافة من المنارة التي في طرف البلد إن جاز تعدد مساجد الجمعة بأن كان هناك ضرورة توجب التعدد أما إذا منع تعدد المساجد فتعتبر هذه المسافة من منارة الجامع الذي أقيمت فيه الجمعة أولا فالمقيم والمسافر الذي نوى إقامة أربع أيام تامة تجب عليه الجمعة وإن كانت لا تنعقد بالمسافر الذي نوى الإقامة أما الاستيطان وهو الإقامة بنية التأبيد فهو شرط لوجوبها ابتداء ولصحتها فلاتجب الجمعة ابتداء إلا على قوم أقاموا في بلدة على التأبيد بحيث يمكن حمايتها والذود عنها من الطوارئ الغالبة عاشرها : أن يكون في بلدة مستوطنة فلو نزل جماعة كثيرة بمكان ونووا فيه الإقامة شهرا مثلا وأرادوا أن يقيموا جمعة في ذلك المكان فلا تجب عليهم ولا تصح ولا يشترط في بلد الجمعة أن يكون مصرا فتصح في القرية وفي الأخصاص وهي البيوت المبنية من الجريد أو القصب الفارسي - البوص - وأما بيوت الشعر فلا تجب الجمعة على أهلها ولا تصح لأن الغالب عليهم الارتحال إلا إذا كانوا قريبين من بلدها فتجب عليهم تبعا كما تقدم .
وأما شروط صحة الجمعة فهي خمسة : الأول استيطان قوم ببلدة أو جهة بحيث يعيشون في هذا البلد دائما آمنين على أنفسهم من الطوارئ الغالبة وكما أن الاستيطان شرط في الصحة فهو شرط في الوجوب كما تقدم بيانه في " شرائط الوضوء " : الثاني : حضور اثني عشر غير الإمام ويلزم حضور جميع أهل البلد ولو في أول جمعة على الصحيح نعم يشترط وجودهم في البلد أو قريبا منه بحيث يمكن الاستنجاد بهم في كلجمعة الثالث : الإمام ويشترط فيه أمران : أحدهما : أن يكون مقيما أو مسافرا نوى إقامة أربعة أيام وقد تقدم . ثانيهما : أن يكون هو الخطيب فلو صلى بهم غير من خطب فالصلاة باطلة إلا إذا منع الخطيب من الصلاة مانع يبيح له الاستخلاف كرعاف ونقض وضوء فيصح أو يصلي غيره إن لم ينتظر زوال عذره في زمن قريب وإلا وجب انتظاره والقرب مقدار صلاة الركعتين الأوليين من العشاء وقراءتهما : الرابع الخطبتان وقد تقدم الكلام عليهما الخامس : الجامع فلا تصح الجمعة في البيوت ولا في أرض براح مثلا ويشترط في الجامع شروط أربعة الأول : أن يكون مبنيا فلا تصح في مسجد حوط عليه بأحجار أو طوب من غير بناء الثاني : أن يكون بناؤه مساويا على الأقل للبناء المعتاد لأهل البلد فلو كان البلد أخصاصا صح بناء المسجد من البوص الثالث : أن يكون في البلد أو قريبا منها بحيث يصل إلى المكان المقيم به دخان البلد التي تقام فيها الجمعة الرابع : أن يكون المسجد واحدا فلو تعددت المساجد في البلد الواحد فلا يصح إلا في الجامع القديم على التفصيل الذي تقدم في " مبحث تعدد المساجد " .
الشافعية قالوا : تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين : شروط وجوب : وشروط صحة فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم في شروط وجوب الصلاة فمنها الشروط التي ذكرها المالكية إلى الشرط العاشر فمنهم متفقون معهم في أن الجمعة لا تجب على المريض والمقعد والأعمى إلا بالشروط التي ذكرها المالكية في شرائط الوجوب وكذا لا تجب في حال البرد والحر الشديدين جدا كما يقول المالكية ومثلهما المطر والوحل والخوف من عدو ظالم أو حاكم ظالم كذلك وكذا لا تجب على من خاف ضياع مال سواء كان مجحفا به أو لا خلافا للمالكية في ذلك وكذا لا تجب على من خاف على عرضه أو نفسه كما لا تجب على المرأة والرقيق ولكنها تصح منهما وقد وافق الحنابلة على هذه الشروط أيضا إلا أن الحنابلة قالوا : لا تجب على الأعمى إلا إذا وجد قائدا أو ما يقوم مقامه من علامة يستند إليها حتى يصل إلى المسجد كجدار يمكنه أن يستند إليه أو حبل يمسكه أو نحو ذلك وقد عرفت أن الحنفية يقولون : تسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشيا فإن عجز عن ذلك سقطت عنه وإن وجد من يحمله باتفاق أما الأعمى ففيه خلاف فبعضهم يقول : تسقط عنه ولو وجد قائدا متبرعا ومنهم من يقول : إذا قدر الذهاب ولو بقائد متبرع أو بأجر يقدر عليه فإن الذهاب يجب عليه . كما تقدم في شرائط الوجوب عند الحنفية وقد وافق الحنفية جميع الأئمة على أن الجمعة لا تجب على من خاف من ظالم يعتدي على ماله أو عرضه أو نفسه بشرط أن يكون ضياع ماله مجحفا به كما يقول المالكية والحنابلة خلافا للشافعية أما إن كان ظالما فإن الجمعة لا تسقط عنه بالخوف من القصاص .
( يتبع . . . )