الفرض السادس : الموالاة . ويعبر عنها بالفور . وتعريف الموالاة هو أن المتوضئ يفترض عليه أن يغسل العضو . قبل أن يجف العضو الذي قبله بحيث لا يصبر مدة يجف فيها الأول عد اعتدال المكان والزمان والمزاج . واعتدال المكان هو أن يكون في مكان ليست فيه حرارة أو برودة شديدتان تجففان الماء واعتدال الزمان هو أن يكون في طبيعة الشخص ما يوجب تجفيف الماء بسرعة هذا والمالكية يقولون : إن الفور لازم بين جميع الأعضاء سواء كانت مغسولة أو ممسوحة كالرأس فإنه يجب أن ينتقل من مسحها إلى غسل الرجلين مثلا على الفور وتعتبر المسافة في جفافها كالمسافة التي يجف فيها العضو المغسول ثم إنه يشترط لفرضية الفور عند المالكية شرطان : الشرط الأول : أن يكون المتوضئ ذاكرا فلو نسي فغسل يديه قبل وجهه فإنه يصح ولكنه إذا تذكر يلزمه أن يجدد نية عند تكميله الوضوء لأن نيته الأولى بطلت بالنسيان الشرط الثاني : أن يكون عاجزا عن الموالاة غير مفرط مثال ذلك : أن يحضر الماء الكافي للوضوء وهو معتقد أنه يكفيه . ثم ظهر عدم كفايته فغسل به بعض أعضاء الوضوء كالوجه واليدين مثلا وفرغ الماء واحتاج إلى ماء آخر يكمل به وضوءه فانتظر مسافة جفت فيها الأعضاء التي غسلها فإنه في هذه الحالة يسقط عنه الفور وعند حضور الماء يبني على ما فعل فيمسح رأسه ويغسل رجليه ولو طال الزمان أما إذا فرط من أول الأمر بأن أحضر ماء وهو يشك في أن يكفي للوضوء . فإنه إذا مت مدة طويلة بطل وضوءه : أما إذا كانت المدة قصيرة فإنه لا يبطل ويبني على ما فعل أولا .
الفرض السابع : دلك الأعضاء وهو إمرار اليد على العضو وهو فرض كتخليل الشعر وأصابع اليدين .
وبذلك تعلم أن فرائض الوضوء عند المالكية سبعة : النية غسل الوجه غسل اليدين مع المرفقين مسح جميع الرأس غسل الرجلين مع الكعبين الفور التدليك وإنما عد التدليك فرضا مع كونه داخلا في حقيقة الغسل عندهم مبالغة في الحث عليه ومعنى كونه داخلا في حقيقة الغسل أن الغسل عند المالكية ليس هو عبارة عن مجرد صب الماء على الجسد بل لا بد فيه من الدلك .
الشافعية قالوا : فرائض الوضوء ستة : .
الفرض الأول : النية وتعريفها وشرائطها وباقي مباحثها لا يختلف عما ذكره المالكية قبل هذا إلا في أمرين : أحدهما أن المالكية قالوا : إنه لا يشترط مقارنة النية لأفعال الوضوء بل يغتفر أن تتقدم النية على الشروع في الوضوء تقدما يسيرا في العرف أما الشافعية فإنهم قالوا : لا بد من مقارنة النية لأول جزء من أجزاء الوضوء وحيث أن أول فرض من فرائض الوضوء هو غسل الوجه فلا بد من أن ينوي عند غسل أول جزء من وجهه فإنه فعل بدون نية بطل وضوءه وإن نوى عند غسل أول جزء من وجهه ثم غفل عن النية بعد ذلك أجزأته النية الأولى إذ لا يشترط دوامها حتى يفرغ من غسل جميع الوجه فإذا نوى عند غسل الكفين أو المضمضة أو الاستنشاق فإن النية لا تصح لأن ذلك الجزء من الوجه وإذا نوى عند غسل الجزء الظاهر من شفتيه حال المضمضة فإن النية تصح لأن ذلك الجزء من الوجه ثم إن قصد غسله لكونه من الوجه فلا تلزمه إعادة غسله حال غسل وجهه أما إذا قصد السنة فقط أو لم يقصد شيئا فإن المعتمد إعادة غسله فإذا كانت في وجهه جراحة تمنع غسله انتقلت النية إلى غسل الذراعين ثانيهما : أن الشافعية قالوا : إن نية رفع الحدث في الوضوء لا تصح على إطلاقها كما ذكر المالكية بل إنما تصح من الصحيح أما المعذور كصاحب السلس فإنه لا بد أن ينوي استباحة الصلاة أو مس المصحف أو غير ذلك مما يتوقف على الوضوء أو ينوي أداء فرض الوضوء وذلك لأنه حدثه لا يرتفع بالوضوء فلو نوى بوضوئه رفع الحدث لم يرتفع وإنما أمره الشارع بالوضوء ليباح له أن يصلي به أو يفعل به ما يتوقف على الطهارة .
الفرض الثاني : غسل الوجه وحد الوجه طولا وعرضا هو ما تقدم عند الحنفية إلا أن الشافعية قالوا : إن ما تحت الذقن يجب غسله وهذا مما انفرد به الشافعية وحدهم على أن الشافعية وافقوا المالكية والحنابلة على أن اللحية الطويلة تتبع الوجه فيفترض غسلها إلى آخرها خلافا للحنفية كما عرفت ووافق الشافعية الحنفية على أن شعر الصدغين والبياض الذي فوق وتدي الأذنين من الوجه فيجب غسلهما عندهم بخلاف المالكية والحنابلة أما تخليل شعر اللحية فإن الشافعية اتفقوا مع غيرهم من الأئمة على أنه إن كان الشعر خفيفا بحيث يرى الناظر إليه ما تحته من جلد الوجه - البشرة - فإنه يجب تخليله كي يصل الماء إلى البشرة وإن كان غزيرا فإنه يجب غسل ظاهره فقط ويسن تخليله إلا أن المالكية قالوا : إن الشعر الغزير وإن كان لا يجب تخليله فإنه يجب تحريكه باليد كي يدخل الماء خلال الشعر وإن لم يصل إلى الجلد وأما التخليل فهو غير واجب فالأئمة متفقون على أن تخليل الشعر الخفيف الذي ينفذ منه الماء إلى الجلد لازم . أما الشعر الغزير فثلاثة منهم يكتفون بغسل ظاهره . والمالكية يزيدون تحريكه باليد . لا بقصد إيصال الماء إلى الجلد . بل ليغسل من الشعر ما يمكن غسله بسهولة . وغير ذلك خطأ .
الفرض الثالث : غسل اليدين مع المرفقين وقد اتفق الشافعية مع الحنفية في كل ما تقدم التفصيل إلا أنهم قالوا : إن الأوساخ التي تحت الأظافر إن منعت من وصول الماء إلى الجلد المحاذي لها من الإصبع فإنه إزالتها واجبة ولكن يعفى عن العمال الذين يعملون في الطين ونحوه بشرط أن لا يكون كثيرا يلوث رأس الأصبع .
الفرض الرابع : مسح بعض الرأس ولو قليلا ولا يشترط أن يكون المسح باليد فإذا رش الماء على جزء من رأسه أجزأه وإذا كان على رأسه شعر فمسح بعضه فإنه يصح . أما إذا طال شعره ونزل عن رأسه فمسح جزء من الزائد عن نفس الرأس فإنه لا يكفي حتى ولو جمعه وطواه فوق رأسه فلا بد عندهم من مسح جزء من الشعر الملتصق بنفس الرأس ثم إنهم قالوا : إذا غسل رأسه بدل مسحها فإنه يجزئه ذلك ولكنه خلاف الأولى فليس بمكروه كما قال غيرهم .
الفرض الخامس : غسل الرجلين من الكعبين وقد اتفق الشافعية مع الحنفية وغيرهم في الأحكام المتقدمة في غسل الرجلين .
الفرض السادس : الترتيب بين الأعضاء الأربعة المذكورة في القرآن الكريم فيغسل أولا وجهه ثم يديه إلى مرفقيه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه إلى الكعبين فإذا قدم أو أخر واحدا عن الآخر في هذا التريب بطلوضوءه وقد وافقهم على ذلك الحنابلة أو المالكية والحنفية فقالوا : إن الترتيب بين هذه الأعضاء سنة لا فرض .
وبذلك تعلم أن فرائض الوضوء عند الشافعية ستة وهي : النية وغسل الوجه وغسل اليدين مع المرفقين ومسح بعض الرأس وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب .
الحنابلة قالوا : فرائض الوضوء ستة .
الأول : غسل الوجه وهم متفقون في حده طولا وعرضا مع المالكية فقد قالوا : إن شعر الصدغين والبياض الذي فوق وتدي الأذنين من الرأس لا من الوجه فالواجب مسحهما لا غسلهما على أنهم خالفوا جميع الأئمة في داخل الفم والأنف فقالوا : إنهما من الوجه يفترض غسلهما بالمضمضة والاستنشاق وكذلك اختلفوا مع سائر الأئمة في النية فقد قالوا : إنها شرط لصحة الوضوء فلو لم ينو لم يصح وضوءه وإن كانت ليست فرضا داخلا في حقيقة الوضوء وقد عرفت أن المالكية والشافعية قالوا : إنها فرض والحنفية قالوا : إنها سنة .
الثاني : غسل اليدين مع المرفقين فيجب غسل اليد من أولها إلى نهاية عظمه الذراع البارزة كما ذكر الحنفية وغيرهم ويجب غسل تكاميش الأصابع وغسل ما تحت الأظافر الطويلة التي تستر رؤوس الأنامل ويعفى عن وسخ الأظافر إذا كان يسيرا .
الثالث : مسح جميع الرأس ومنها الأذنان فيفترض مسحهما مع الرأس فالحنابلة متفقون مع المالكية على ضرورة مسح جميع الرأس من منابت شعرها المعتاد إلى نقرة القفا وإذا طال شعر الرأس فنزل إلى العنق أو الكتف فإنه لا يجب إلا مسح ما حاذى الرأس أما ما نزل عنها فإنه لا يجب مسحه خلافا للمالكية القائلين بضرورة مسح الجميع وقد خالفوا المالكية أيضا .
كما خالفوا غيرهم من المذاهب في اعتبار الأذنين جزءا من الرأس وغسل الرأس يجزئ عن مسحها كما قال غيرهم بشرط إمرار اليد على الرأس وهو مكروه كما عرفت .
الفرض الرابع : غسل الرجلين مع الكعبين وهما العظمان البارزان في أسفل الساق فوق القدم ويجب فيهما ما تقدم تفصيله في المذاهب الأخرى .
الفرض الخامس : الترتيب فيجب أن يغسل الوجه قبل الذراعين ويغسل الذراعين قبل أن يمسح الرأس ويمسح الرأس قبل أن يغسل الرجلين فإذا خالف هذا الترتيب بطل وضوءه وهم متفقون في هذا مع الشافعية فإنك قد عرفت أنهم عدوا الترتيب فرضا أما المالكية والحنفية فإنهم جعلوا الترتيب بين هذه الفرائض سنة فلو غسل ذراعيه قبل غسل وجهه أو غسل رجليه قبل غسل يديه أو نحو ذلك فإن وضوءه يصح عند المالكية والحنفية مع الكراهة ويقع باطلا بالمرة عند الشافعية والحنابلة .
الفرض السادس : الموالاة وقد عرفت بيان الموالاة في مذهب المالكية ويعبرون عن الموالاة بالفور وهي أن يغسل العضو قبل أن يجف العضو الذي قبله وقد عرفت أن للمالكية تفصيلا في الموالاة أما الشافعية والحنفية قالوا : إن الموالاة بين هذه الأعضاء سنة لا فرض فيكره أن يغسل العضو بعد جفاف الماء الذي على العضو الذي قبله بل السنة أن ينتقل من غسل وجهه مثلا إلى غسل يديه فورا وينتقل إلى مسح رأسه قبل أن يجف ذراعه وهكذا فإذا غسل وجهه ثم انتظر حتى جف الماء الذي غسل به ثم غسل ذراعيه فإن الوضوء صحيح مع الكراهة على أن الشافعية قالوا : إن صاحب السلس والمعذور يجب عليه العذر وسيأتي تفصيل مذهبهم في " سنن الوضوء " .
ومجمل فرائض الوضوء عن الحنابلة هي غسل الوجه ومنه داخل الفم والأنف غسل اليدين مع المرفقين مسح جميع الرأس ومنها الأذنان . غسل الرجلين الترتيب الموالاة )