أما حكم الماء الطهور فهو ينقسم إلى قسمين : أحدهما : الأثر الذي .
رتبه الشارع عليه وهو أنه يرفع للحدث الأصغر والأكبر فيصح .
الوضوء به والاغتسال من الجنابة والحيض وتزال به النجاسة المحسة .
وغيرها وتؤدي به الفرائض والمندوبات وسائر القرب كغسل الجمعة .
والعيدين وغير ذلك من العبادات وكذا يجوز استعماله في العادات من .
شرب وطبخ وعجن وتنظيف ثياب وبدن وسقي زرع ونحو ذلك . ثانيهما : .
حكم استعماله والمراد به ما يوصف به استعماله من وجوب وحرمة .
وهو من هذه الجهة تعتريه الأحكام الخمسة وهي : الوجوب . والحرمة .
والندب . والإباحة . والكراهة والمراد بالندب ما يشمل السنة وذلك لأن .
المندوب والمسنون شيء واحد " عند بعض الأئمة " ومختلفان " عند البعض .
الآخر " كما سيأتي في مندوبات الوضوء فأما ما يجب فيه استعمال الماء .
فهو أداء فرض يتوقف على الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر .
كالصلاة ويكون الوجوب موسعا إذا اتسع الوقت ومضيقا إن ضاق .
وأما ما يحرم فيه استعمال الماء فأمور : منها أن يكون الماء مملوكا للغير .
ولم يأذن في استعماله ومنها أن يكون مسبلا للشرب فالماء الموجود في .
الأسبلة لخصوص الشرب يحرم الوضوء منه ومنها أن يترتب على .
استعمال الماء ضرر كما إذا كان الوضوء أو الغسل بالماء يحدث عند .
الشخص مرضا أو زيادته كما يأتي في مباحث التيمم وكذا إذا كان .
الماء شديد الحرارة أو البرودة وتحقق الضرر باستعماله ومنها أن .
يترتب على استعمال الماء عطش حيوان لا يجوز إتلافه شرعا فكل هذه .
الأحوال يحرم استعمال الماء فيها وضوءا أو غسلا فإذا توضأ شخص .
من سبيل أعد ماؤه للشرب . أو توضأ من ماء يحتاج إليه لشرب حيوان .
لا يصح إتلافه . أو توضأ وهو مريض مرضا يزيد بالوضوء فإنه يحرم .
عليه ذلك ولكن هذا الوضوء يكون صحيحا تصح الصلاة به وأما ما .
يندب فيه استعمال الماء فهو الوضوء على الوضوء وغسل ( الشافعية : .
زادوا شرطا ثالثا في كراهة استعمال الماء المسخن في الشمس وهو أن .
تعلو الماء زهومة " دسم " فإذا لم توجد هذه الزهومة فلا كراهة ومذهب .
الشافعية ظاهر في العلة التي ذكرناها .
الحنابلة قالوا : لا كراهة في استعمال الماء المسخن بالشمس على أي .
حال ) يوم الجمعة وأما ما يباح فيه استعمال الماء فهو الأمور المباحة .
من شرب وعجن وغير ذلك وأما ما يكره فيه استعمال الماء فأمور : .
منها أن يكون الماء شديد الحرارة أو البرودة شدة لا تضر البدن . وعلة .
الكراهة أنه في هذه الحالة يصرف المتوضئ عن الخشوع لله ويجعله .
مشغولا بألم الحر والبرد وربما أسرع في الوضوء أو الغسل فلم يؤدهما .
على الوجه المطلوب ومنها الماء المسخن بالشمس فإنه يكره استعماله .
في الوضوء والغسل بشرطين : الشرط الأول : أن يكون موضوعا في .
إناء من ذهب أو فضة فإنه إذا سخن بالشمس لا يكره الوضوء منه .
الشرط الثاني : أن يكون ذلك في بلد حار فإذا وضع الماء المطلق في .
إناء من نحاس " حلة أو دست " ووضع في الشمس حتى سخن فإنه يكره .
الوضوء منه والاغتسال به كما يكره غسل ثوب به ووضعه على البدن .
مباشرة وهو رطب وقد علل بعضهم الكراهة بأن استعماله على هذا .
الوجه صار بالبدن وهي علية غير ظاهرة لأن الضرر إذا تحقق كان .
استعماله حراما لا مكروها والواقع الضرر لا يظهر إلا إذا كان بالإناء .
صدأ واستعمل من الداخل وعلل بعضهم الكراهة بأن هذا الماء توجد فيه .
زهومة تستلزم التنفير منه فمتى وجد غيره كره استعماله وإلا فلا .
كراهة وكذا سائر المياه المكروهة فإن كراهتها إذا لم يوجد غيرها .
هذا وقد ذكر الفقهاء مكروهات أخرى في المياه فيها تفصيل المذاهب .
المالكية : زادوا في مكروهات المياه أمورا ثلاثة : الأمر الأول : الماء .
الذي خالطته نجاسة وإنما يكره بشروط خمسة : .
الشرط الأول : أن لا تغير النجاسة أحد أوصافه الثلاثة : الطعم . أو اللون .
أو الرائحة فإن غيرت وصفا من أوصافه المذكورة فإنه لا يصح .
استعمال مطلقا .
الشرط الثاني : أن لا يكون جاريا فإن كان جاريا وحلت به نجاسة فإنها .
لا تنجسه ولكن يكره استعماله .
الشرط الثالث : أن لا تكون له مادة تزيد فيه كماء البئر فإنه وإن لم يكن .
جاريا ولكن نظرا لكونه يزيد وينقص من غير أن يضاف إليه ماء من .
خارجه فإنه لا ينجس بوقوع نجاسة فيه .
الشرط الرابع : أن تكون النجاسة قدر قطرة المطر المتوسطة فأكثر أما إن .
كانت أقل من ذلك فإنها لا تضر فلا يكره استعمال الماء الذي حلت به .
الشرط الخامس : أن يجد ماء غيره يتوضأ منه وإلا فلا كراهة .
الأمر الثاني من مكروهات المياه : الماء المستعمل في شيء متوقف على .
ماء طهور وذلك كالماء المستعمل في الوضوء فإذا توضأ شخص بماء .
ثم نزل من على أعضائه بعد استعماله فإنه يكره له أن يتوضأ به ثانيا .
وإنما يكره بشروط : .
الأول : أن يكون الماء قليلا فإذا توضأ من ماء كثير واختلط به الماء .
المنفصل من أعضاء وضوئه فإنه لا يضر .
الثاني : أن يجد ماء غيره يتوضأ منه وإلا فلا كراهة .
الثالث : أن يستعمله في وضوء واجب فإذا استعمله في وضوء مندوب .
كالوضوء للنوم أو نحوه مما يأتي فإنه لا يكره .
وقد علل المالكية كراهة الوضوء من الماء المستعمل : بأن بعض الأئمة .
قال بعدم صحة الوضوء من الماء المستعمل فمراعاة فهذا الخلاف قالوا .
بالكراهة وأيضا فإنه ثبت لديهم أن السلف لم يستعملوه فدل ذلك عندهم .
على كراهته .
الأمر الثالث من مكروهات المياه : الماء الذي ولغ فيه كلب ولو مرارا .
فإذا شرب الكلب من ماء قليل فإنه يكره استعماله ومثله الماء الذي .
شرب منه شخص اعتاد شرب المسكر أو غسل فيه عضوا من أعضائه .
وإنما يكره الوضوء من الماء الذي شرب منه شارب المسكر بشروط : .
أحدهما : أن يكون الماء قليلا فإن كان كثيرا فلا كراهة وسيأتي بيان .
القليل والكثير .
ثانيها : أن يجد ماء غيره . ثالثها : أن يشك في طهارة فمه أو عضوه الذي .
غسله فيه أما إذا كان على فمه نجاسة محققة فإن غيرت أحد أوصاف .
الماء الماء فإنه لا يصح الوضوء منه لأنه يصير نجسا وإن لم تغير أحد .
أوصافه كان استعماله مكروها فقط ومن ذلك أيضا الماء الذي شرب منه .
حيوان لا يتوقى النجاسة كالطير والسبع والدجاج إلا أن يصعب .
الاحتراز منه كالهرة . والفأرة فإنه لا يكره استعماله في هذه الحالة .
للمشقة والحرج .
الحنفية قالوا : يزداد على ما ذكر في مكروهات المياه ثلاثة أمور : الأمر .
الأول : الماء الذي شرب منه شارب الخمر كأن وضع الكوز الذي فيه .
الماء أو القلة على فمه وشرب منه بعد أن شرب الخمر وإنما يكره .
الوضوء من ذلك الماء بشرط واحد وهو : أن يشرب منه بعد زمن يتردد .
فيه لعابه الذي خالطه الخمر كأن يشرب الخمر ثم يبتلعه أو يبصقه ثم .
يشرب من الإناء الذي فيه الماء أما إذا شرب باقي الخمر وبقي في فمه .
ولم يبتلعه أو يبصقه ثم شرب من كوز أو قلة فيها ماء فإن الماء الذي .
بها ينجس ولا يصح استعماله .
الأمر الثاني : الماء الذي شربت منه سباع الطير كالحدأة . والغراب وما .
في حكمهما كالدجاجة غير المحبوسة وقد علل الحنفية كراهة ذلك .
بجواز أن تكون قد مست نجاسة بمنقارها وهذا بخلاف سؤر سباع البهائم .
ونحوها من كل ما لا يؤكل لحمه فإنه نجس لاختلاطه بلعابه النجس .
ومثل سؤر ما لا يؤكل لحمه عرقه فإذا خالط عرق الضبع أو السبع ثوبا .
أو نزل في ماء قليل فإنه ينجسه .
الأمر الثالث : سؤر الهرة الأهلية فإذا شربت الهرة الأهلية من ماء قليل .
فإنه يكره استعماله لأنها لا تتحاشى النجاسة وإنها كان سؤرها مكروها .
ولم يكن نجسا مع أنهما مما لا يجوز أكله لأن النبي صلى الله عليه .
وسلم نص على عدم نجاستها فقد قال : " إنها ليست نجسة إنها من .
الطوافين عليكم والطوافات " وظاهر أ هذه رخصة .
هذا وأما سؤر البغل والحمار فهو مشكوك في طهوريته بمعنى أنه .
طاهر بلا كلام فلو شرب الحمار أو البغل من ماء قليل فإنه يصح .
استعماله في الأمور العادية من غسل وشرب ونحو ذلك بلا كراهة وأما .
طهوريته . أي صلاحيته للتوضيء أو الاغتسال منه فإنه مشكوك فيه .
فيص استعماله في الغسل والوضوء إن لم يوجد غيره بلا كراهة أيضا .
أما إن وجد غيره فإنه يصح استعماله فيهما أيضا ولكن الأحوط أن .
يتوضأ أو يغتسل من غيره .
الشافعية : زادوا على ما ذكر في مكروهات المياه الماء المتغير بمجاورة .
المتصل به سواء كان ذلك المجاور جامدا أو مائعا فمثال المجاور .
الجامد : الدهن فإذا وضع بجوار الماء دهن جامد فتغير الماء بسبب ذلك .
فإنه يكره استعماله ومثال المجاور المائع : ماء الورد ونحوه فإذا وضع .
بجوار الماء شيء مائع وتغير به فإنه يكره استعماله ويشترط للكراهة .
أن لا يسلب عنه اسم الماء وأما إذا غلبت رائحة الورد عليه أو تجمد .
بواسطة الدهن الذي جاوره . بحيث خرج عن رقته وسيلانه ولم يكن .
ماء فإنه لا يصح استعماله في الوضوء أو الغسل .
الحنابلة قالوا : يزدا على ما ذكر في المياه المكروهة سبعة أمور : أحدها : .
الماء الذي يغلب على الظن تنجسه فإنه يكره استعمال في هذه الحالة .
ثانيها : الماء المسخن بشيء نجس سواء استعمل في حال سخونته أولا .
ثالثها : الماء المستعمل في طهارة غير واجبة كالوضوء المندوب فإنه .
يكره أن يتضوا به . ثانيا رابعها : الماء الذي تغيرت أوصافه بملح منعقد .
من الماء خامسها : ماء بئر في أرض مغصوبة أو حفرت غصبا ولو .
في أرض مملوكة كأن أرغم الناس على حفرها مجانا ومثلها ما إذا .
حفرت بأجرة مغصوبة فإنه يكره الوضوء منها في كل هذه الأحوال .
سادسها : ماء بئر بمقبرة سابعها الماء المسخن بوقود مغصوب فإنه .
يكره استعماله