اتفق ثلاثة من الأئمة وهم المالكية والحنفية والحنابلة : على أن يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير وخالف الشافعية فقالوا : لا بد من أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بحيث لو فرغ من تكبيرة الإحرام بدون نية بطلت وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في وقت النية تحت الخط ( الحنفية قالوا : يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بشرط أن لا يفصل بينهما فاصل أجنبي عن الصلاة كالأكل والشرب والكلام الذي تبطل به الصلاة أما الفاصل المتعلق بالصلاة كالمشي لها والوضوء فإنه لا يضر فلو نوى صلاة الظهر مثلا ثم شرع في الوضوء وبعد الفراغ منه مشى إلى المسجد وشرع في الصلاة ولم تحضره النية فإن صلاته تصح وقد عرفت مما تقدم أن النية هي إرادة الصلاة لله تعالى وحده بدون أن يشرك معه في ذلك أمرا من الأمور الدنيوية مطلقا فمتى نوى هذا وشرع في الصلاة بدون أن يفصل بين نيته وبينه بعمل أجنبي فإنه يكون قد أتى بالمطلوب منه فإذا شرع في الصلاة بهذه النية الصحيحة ثم دخل عليه شخص فأطال الصلاة لميدح عنده فإن ذلك لا يبطل الصلاة ولكن ليس له ثواب هذه الإطالة وإنما له ثواب أصل الصلاة وذلك لأن نيته كانت خالصة الله تعالى وهذا معنى قول بعض الحنفية إن الصلاة لا يدخلها رياء فإنهم يريدون به أن النية الخالصة تكفي في صحة الصلاة ولا يضر الرياء العارض على أنه شر لا فائدة منه باتفاق .
وهل تصح نية الصلاة قبل وقتها كأن ينوي الصلاة ويتوضأ قبل دخول الوقت بزمن يسير ثم يمشي إلى المسجد بدون أن يتكلم بكلام أجنبي ويجلس فيه إلى أن يدخل الوقت فيصلي ؟ والجواب : أن المنقول عن أبي حنيفة أن النية لا تصح قبل دخول الوقت وبعضهم يقول : بل تصح لأن النية شرط والشرط يتقدم على المشروط فتقدم النية طبيعي .
هذا وقد اتفق علماء الحنفية على أن الأفضل أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بدون فاصل فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك ولا يفصلوا بين التكبيرة وبين النية لأنه أفضل ويرفع الخلف .
الحنابلة قالوا : إن النية يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام بزمن يسير بشرط أن ينوي بعد دخول الوقت كما نقل عن أبي حنيفة فإذا نوى الصلاة قبل دخول وقتها فإن نيته لا تصح وذلك لأن النية شرط فلا يضر أن تتقدم على الصلاة كما يقول الحنفية ولكن الحنابلة يقولون : إن الكلام الأجنبي لا يقطع النية فلو نوى الصلاة ثم تكلم بكلام خارج عن الصلاة ثم كبر فإن صلاته تكون صحيحة وإنما اشترطوا اللنية دخول الوقت مراعات لخلاف من يقول : إنها ركن .
هذا والأفضل عندهم أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام كما يقول الحنفية .
المالكية قالوا : إن النية يصح أن تتقدم على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفا كما إذا نوى في محل قريب من المسجد ثم كبر في المسجد ناسيا للنية وبعض المالكية يقول : إن النية لا يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام مطلقا فإن تقدمت بطلت الصلاة ولكن الظاهر عندهم هو القول الأول على أنهم اتفقوا على أن النية إذا تقدمت بزمن طويل في العرف فإنها تبطل وإنما ذكرنا هذا الخلاف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة الإحرام عند المالكية له منزلة فلا يصح إهماله بدون ضرورة : من نسيان ونحوه .
الشافعية قالوا : إن النية لا بد أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام بحيث لو تقدمت عليها أو تأخرت بزمن ما فإن الصلاة لا تصح كما بيناه في مذهبهم في " مبحث كيفية النية " )