يتعلق بالنية أمور : أحدها : معناها ثانيها : حكمها في الصلاة المفروضة ثالثها : كيفيتها في الصلاة المفروضة رابعها : حكمها وكيفيتها في الصلاة غير المفروضة خامسها : بيان وقت النية سادسها : حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية سابعها : نية المأموم الاقتداء بإمامه ونية الإمام الإمامة .
فأما معنى النية فهي عزم القلب على فعل العبادة تقربا إلى الله وحده وإن شئت قلت : النية هي الإرادة الجازمة بحيث يريد المصلي أن يؤدي الصلاة لله وحده فلو نطلق بلسانه بدون أن يقصد الصلاة بقلبه فإنه لا يكون مصليا ومعنى ذلك أن من صلى لغرض دنيوي كأن يمدح عند الناس بحيث لو لم يمدح بترك الصلاة فإن صلاته لا تصح وكذا إذا صلى ليظفر بمال أو جاه أو يحصل على شهوة من الشهوات فإن صلاته تكون باطلة فعلى الناس أن يفهموا هذا المعنى جيدا ويدركوا أن من قصد بصلاته غرضا من الأغراض الدنيوية فإن صلاته تقع باطلة ويعاقب عليها المرائين المجرمين قال تعالى : { وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ( الحنفية قالوا : إن النية ئرط . ثبتت شرطيتها بالإجماع لا بقوله تعالى : { وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } لأن المراد بالعبادة في هذه الآية التوحيد ولا بقوله A : " وإنما الأعمال بالنيات " لأن المراد ثواب الأعمال أما صحة الأعمال فمسكوت عنها .
والواقع أن هذه الأدلة تحتمل المعنى الذي قال الحنفية كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم أما الآية فلأن عبادة الله ليست مقصورة على التوحيد بل المتبادر منها إخلاص النية في عبادة الله مطلقا : لأن بعض المشركين كانوا يشركون مع الله غيره في العبادة خصوصا أهل الكتاب الذين ذكروا مع المشركين في الآية فإنهم كانوا يشركون في العبادة مع الله بعض أنبيائه وأما الحديث فلأن ثواب الأعمال إذا حبط فإنه لا يكون لها أية فائدة ولا معنى لقولهم : إن العمل صحيح مع بطلان ثوابه نعم لهم أن يقولوا : إن فائدته رفع العقاب ولكن هذا لا دليل عليه في الحديث . بل العكس ظاهر الحديث يدل على النية شرط في الثواب وفي الصحة والتخصيص بالثواب تحكم لا دليل عليه ) فمن لم يخلص في إرادة الصلاة ويقصد أن يصلي لله وحده فإنه يكون مخالفا لأمره تعالى فلا تصح صلاته والنية بهذا المعنى متفق عليها أما الخواطر النفسية أثناء الصلاة كأن يصلي وقلبه مشغول بأمر من أمور الدنيا فإنها لا تفسد الصلاة ولكن يجب على المصلي الخاشع لربه أن يحارب هذه الوساوس بكل ما يسطيع ولا يتفكر وهو في الصلاة الا في الخضوع لله D فإن عجز عن ذلك ولم يستطع أن ينزع من نفسه أمور الدنيا وهو واقف بين يدي ربه فإنه لا يؤاخذ . ولكن عليه أن يستمر في محاربه هذه الوساوس الفاسدة ليظفر بأجر العاملين المخلصين .
والحاصل أن ها هنا أمرين : أحدهما : إرادة الصلاة والعزم على فعلها لله وحده بدون سبب آخر لا يقره الدين ثانيهما : حضور القلب وعدم اشتغاله بتفكر أمر من أمور الدنيا فأما الأمر الأول فإنه لا بد منه في الصلاة وأما الأمر الثاني فإنه ليس شرطا في صحة الصلاة ولكن ينبغي للواقف بين يدي خالقه أن ينزع من نفسه كل شيء لا علاقة له بالصلاة فإن عجز فإن أجر صلاته لا ينقص لأنه قد أتى بما في وسعه ولا يكلفه الله بغير ذلك