قد يتوهم أن هذا المبحث ليس داخلا في المسائل الفقهية ولكن الواقع أنه داخل فيها من حيث إن معرفة القبلة تتوقف عليه فقال بعضهم : إن معرفته سنة لأن وسائل معرفة القبلة كثيرة وقد لا تخفى على أحد فليس بلازم أن يعرف الاستدلال بالشمس أو النجم على القبلة وبعضهم يقول : إنه يجب على من يسافرون في البحار وليس لديهم أمارات تدلهم على القبلة وعلى كل حال فإن الشريعة الإسلامية مرتبطة في الواقع بكل علم من العلوم التي تنفع المجتمع سواء في العبادات أو المعاملات أو غيرهما .
ولعلك قد عرفت أن الشمس والنجوم من العلامات الدالة على القبلة فيستدل بالشمس على القبلة في كل جهة بحسبها لأن مطلعها يعين جهة المشرق ومغربها يعين جهة المغرب ومتى عرف المشرق أو المغرب عرف الشمال والجنوب وبهاذ يتيسر لأهل كل جهة معرفة قبلتهم فمن كان في مصر فقبلته جهة المشرق مع انحراف قليل إلى جهة اليمين لأن الكعبة بالنسبة لمصر واقعة بين المشرق والجنوب وهو للمشرق أقرب .
وأما القطب فهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضا ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى قليلا وكذا في أسيوط وفوة ورشيد ودمياط والإسكندرية . ومثلها تونس والأندلس ونحوها وفي العراق وما وراء النهر يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى وفي المدينة المنورة والقدس وغزة وبعلبك وطرسوس ونحوها يجعله مائلا إلى نحو الكتف الأيسر وفي الجزيرة وأرمينية . والموصل ونحوها يجعله المصلي على فقرات ظهره وفي بغداد والكوفة وخوارزم والري وحلوان ببلاد العجم ونحوها يجعله المصلي على خده الأيمن وفي البصرة وأصبهان وفارس وكرمان ونحوها يجعله فوق أذنه اليمنى وفي الطائف وعرفات والمزدلفة ومنى يجعله المصلي على كتفه الأيمن وفي اليمن يجعله المصلي أمامه مما يلي جانبه الأيسر وفي الشام يجعله المصلي وراءه مما يلي جانبه الأيسر وفي نجران يجعله المصلي وراء ظهره ومن الأدلة بيت الإبرة المسمى - بالبوصلة - متى كان منضبطا .
وبالجملة فالقبلة تختلف باختلاف البقاع وتتحقق معرفتها في كل جهة بقواعد الهندسة والحساب بأن يعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب ثم بعد البلد المفروض كذلك ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة .
إنما ذكرنا هذا تكملة للبحث فإن تعذر على العامة فهمه فليتركوه وليرجعوا إلى المحاريب المعروفة لهم أو إلى غيرها من الأمارات الهامة