- لقد عد العلماء من الكبائر إخفاء بعض غنائم ويقال له غلول . فمن كان في ميدان القتال وغنم من الأعداء شيئا أخفاه عمن معه فقد ارتكب كبيرة من الكبائر ( 1 ) .
وقد عد بعضهم السرقة من الكبائر والواقع أن السرقة من شر الجرائم ولكن الشارع لم ينص على أنها كبيرة وإن ذكر أنها أسوأ من هذه الكبائر في الدنيا والآخرة . فقد نفى الإيمان عن السارق فقال : ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) وفي بعض الروايات ( فإن سرق فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ) . وقد جعل الشارع لها عقوبة شديدة تتناسب مع فظاعتها كما بيناه فيما سلف على أن الغرض إنما هو عد الكبائر التي نص في الأحاديث على أنها كبائر فليس الغرض حصر الجرائم الدينية في هذه الأشياء ( 2 ) .
( 1 ) ( الغلول هو إخفاء بعض غنائم الحرب وهو من الذنوب الكبائر روي أن المسلمين فقدوا قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله أخذها . فأنزل الله تبارك وتعالى : { ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } قال ابن عباس : وما يبغي لنبي أن يخون ويخص نفسه بشيء ثم قال تعالى : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهو تهديد شديد ووعيد أكيد وقد وردت السنة بالنهي عن هذه الكبيرة قال رسول الله A : ( لأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل جملا له رغاء يقول : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة يناديك يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قسما من أدم ينادي : يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك ) . عن عبادة بن الصامت Bه أنه قال : كان رسول الله A يأخذ الوبرة من ظهر البعير من المغنم ثم يقول : ( ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم إياكم والغلول فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر فإن الجهاد باب من أبواب الجنة إنه لينجي الله به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم ) . وروي عن رسول الله A أنه قال : ( ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار ونار على أهله يوم القيامة وروي عن النبي A أنه قال : ( إن الحجر يرمى في جهنم فيهوي سبعين خريفا ما يبلغ يوم القيامة ) .
الحنفية والمالكية والشافعية قالوا : عقوبة الغال الذي وجد مال من الغنائم في متاعه يعزره الإمام . الحنابلة قالوا : عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق بما فيه ويجلد دون حد المملوك ويحرم نصيبه من الغنائم لما روي عن عمر بن الخطاب Bه . أن رسول الله A قال : ( من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه قال : وأحسبه قال : واضربوه ) . وعن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : لما كان يوم خيبر اقبل نفر من أصحاب رسول الله A فقالوا : فلان شهيد وفلان شهيد حتى أتوا على رجل فقالوا : فلان شهيد فقال رسول الله A : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة " ) .
الكبيرة العشرون ترك الصلاة متعمدا .
إن الشارع الحكيم قد أمر المؤمنين بإقامة الصلاة وأدائها والمحافظة عليها والاهتمام بها فقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وقال تعالى : { الذين يقيمون الصلاة } والسنة كذلك . روي عن رسول الله A : ( أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ) رواه أحمد . وروي عن عمر بن الخطاب Bه قال : قال رسول الله A : ( من ترك الصلاة متعمدا احب الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله D توبة ) رواه الأصفهاني . وعن ابن عباس Bهما قال : ( من ترك الصلاة فقد كفر ) وعن ابن مسعود Bه قال : ( من ترك الصلاة فلا دين له ) وعن جابر بن عبد الله Bهما قال : ( من لم يصل فهو كافر ) . وقد صح عن النبي A : أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي A : أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر لأنه تهجم على ترك أمره تعالى وقد وري عن النبي A أنه قال : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) .
المالكية والشافعية قالوا : انه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكن يقتل بالسيف .
الحنفية والمزني صاحب الشافعي قالوا : إنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي . وذلك لقول النبي A : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) وليس فيه ترك الصلاة فهو مؤمن عاص .
الحنابلة وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعي ومروي عن الإمام على كرم الله وجهه . قالوا : إن تارك الصلاة عمدا من غير عذر يكفر واحتجوا على قتله بقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقوله A : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ) . وتأولوا قوله A : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو أنه يؤول إلى الكفر وأن فعله الكفار والله أعلم . وبعد الموت حكمه حكم المسلم تارك الصلاة : انه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وطمس قره إهانة له . وتطلق زوجته . والعياذ بالله تعالى ) .
( 2 ) ( اختلف العلماء من الصحابة والتابعين في الكبائر من أربع إلى سبع إلى تسع إلى إحدى عشرة فما فوق ذلك فكان عبد الله بن مسعود Bه يقول : هن أربع وكان عبد الله بن عمر Bهما يقول : الكبائر سبع وقال عبد الله بن عباس إذا بلغه قول ابن عمر : إن الكبائر سبع يقول : هي إلى سبعين اقرب منها إلى سبع وقال مرة : كل ما نهى الله تعالى عنه فهو من الكبائر وقال هو وغيره من الصحابة : كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار فهو من الكبائر . وقال بعض السلف : كل ما أوجب الحد في الدنيا فهو كبير' والصغائر عندهم من اللمم وهو ما لأحد فيه وما لم يتهدد بالنار عليه فقد روي هذا عن أبي هريرة وغيره . وكان عبد الرزاق Bه يقول : الكبائر إحدى عشرة وهذا أكثر ما قيل في جملة عددها مجملا وقيل : إنها مبهمة لا يعرف حقيقة عددها كإبهام ليلة القدر وساعة يوم الجمعة والصلاة الوسطى ليكون الناس على خوف ورجاء فلا يقطعون بشيء ولا يسكنون إلى شيء . وقد قال ابن مسعود Bه فيها قولا حسنا من طريق الاستنباط . وقد سئل عن الكبائر فقال : اقرأ من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها عند قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } فكل ما نهى عنه من أول السورة إلى ها هنا فهو من الكبائر . فأشبه هذا استدلالا قول ابن عباس في استنباط ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين أنه عد كلم سورة القدر حتى انتهى إلى قول ( هي ) فكان سبعا وعشرين كلمة والله أعلم بحقيقة هذين القولين . قال أبو طالب المكي : والذي عندي في جملة ذلك مجتمعا من المفرق سبع عشرة تفصيلها : أربعة من أعمال القلوب وهن الشرك بالله تعالى والإصرار على معصية الله تعالى والقنوط من رحمة الله تعالى والأمن من مكر الله تعالى وأربعة في اللسان وهن شهادة الزور وقذف المحصن واليمين الغموس والسحر - وثلاثة في البطن وهي شرب الخمر والسكر من الأشربة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل الربا وهو يعلم واثنتان في الفرج وأن يعمل عمل قوم لوط في الأدبار واثنتان في اليدين . وهما القتل والسرقة وواحدة في الرجلين وهي الفرار من الزحف الواحد من اثنين وواحدة في جميع البدن وهي عقوق الوالدين فهذه الكبائر الموبقات التي من أجتنبها كفرت عنه السيئات وثبتت له النوافل من الفرائض الخمس التي هي أبنية الإسلام قال تعالى : { أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } )