- وهي من الجرائم الضارة للمجتمع الإنساني لأن النمام دائما يسعى بين الناس ليقطع ما بينهم من صلات ومودة ويجعل بعضهم لبعض أعداء وكفى بذلك شرا أما كون النميمة من الكبائر فقد صرح به حديث البخاري C تعالى وهو ( أن رسول الله مر بقبرين يعذبان فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى أنه كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرىء من البول ) فهذان كان يسهل عليهما النميمة وعدم الاستبراء من البول ويظنان أنهما من الأمور الهينة وهما عند الله من أسوأ المؤبقات لما يترتب على الأول من قطع صلات المودة بين الناس ولما يترتب على الثاني من فساد العبادة ( 1 ) .
الكبيرة الثالثة عشرة : عدم التنزه من البول .
الكبيرة الرابعة عشر : اليأس من رحمة الله تعالى ( 2 ) .
الكبيرة الخامسة عشرة : الأمن من مكر الله تعالى ( 3 ) .
الكبيرة السادسة عشرة : استحلال بيت الله الحرام ( 4 ) .
الكبيرة السابعة عشرة : منع ابن السبيل من فضل المال .
الكبيرة الثامنة عشرة : عقوق الوالدين وقد عرفت من الحديث الذي ذكرناه في شهادة الزور أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى .
( 1 ) ( أعلم أن اسم النميمة إنما يلطف على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز وسواي كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصا في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس ما يكره ينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية . والنمام فاسق مردود الشهادة كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } ونهانا المولى D عن تصديق النمام وسماع قوله فقال تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } فالنميمة من الكبائر التي تحمل ذنوبا جمة وتدخل صاحبها النار وتحرمه من نعيم الجنة لأنها عنوان الدناءة والجبن والضعف الدس والكيد والملق والنفاق وهي تحبط الحسنات وتضيع ثواب الأعمال الصالحات وتزيل المحبة وتبعد المودة وتذهب التآخي والتصافي والتعارف والاتحاد . عن حذيفة Bه قال : قال رسول الله A : ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه البخاري . وروي عن ابن عمر Bهما قال : سمعت رسول الله A يقول : ( النميمة والشتيمة والحمية في النار ) وعن أبي هريرة Bه قال : سمعت رسول الله A أنه قال : ( الهمازون واللمازون والمشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العنت يحشرهم الله في وجوه الكلاب ) رواه أبو الشيخ ابن حبان .
( 2 ) ( القنوط واليأس من رحمة الله تعالى من الذنوب الكبائر فإنه تبارك وتعالى قال : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } والمراد بالروح أو الفرج عن ابن عباس Bهما : إن المؤمن من الله على خير يرجه في البلاء وحمده في الرخاء واليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجمع المعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل عاجز . وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر فإن اليأس والقنوط لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة وكل واحد منها كفر فاليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا لعدم علمه بالله تعالى وصفاته أما المؤمن بالله العارف به فلا يقنط في حال من الأحوال لآن رحمة الله وسعت كل شيء ) .
( 3 ) ( وكذلك من الذنوب الكبائر الأمن من مكر الله تعالى والمراد به عذابه من حيث لا يشعرون فقد بين الله D أنه لا يأمن نزول عذابه على هذا الوجه إلا من خسر الدنيا الآخرة لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر وفي الآخرة في أشد العذاب قال تعالى : { أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } أي لا يأمن بأس الله ونقمه وقرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم إلا الفاجرون المجرمون ولهذا قال الحسن البصري C : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن مصداقا لقول الله D : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون } ) .
( 4 ) ( ومن الذنوب الكبائر استحلال بيت الله الحرام فإن الله تعالى جعله آمنا وحرم القتال فيه . فقال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } فإذا دخله الخائف يأمن كل سوء وقال تعالى : { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } وقال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقال رسول الله A يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولا يقصد شوكهن ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا تختلى خلاها ) .
الكبيرة السابعة عشر .
منع ابن السبيل من فضل المال .
إن الكرم والسخاء من صفات المؤمنين المخلصين لأن الكريم من أسماء الله تعالى الحسنى والنبي A كان من أجود الناس وقد أمرنا الله في كتابه بالسخاء والجود فقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء } وقال الله تعالى في صفات أهل الجنة : { ويطعمون الطعام على حبة مسكينا ويتيما وأسيرا } وقال رسول الله A في الحديث القدسي عن رب العزة أنه قال : ( يا بن آدم أنفق أنفق عليك ) وقال رسول الله A : ( قال جبريل : قال الله D إن هذا دين ارتضيته لنفس ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلف فأكرموه بهما ما استطعتم ) وقال رسول الله A : ( ما جبل الله D وليا له إلا على السخاء وحسن الخلق ) . وقال رسول الله A : ( إن الله جواد يحب الجواد ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ) وقال رسول الله A : ( طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء ) . ولقد نهى النبي A عن البخل وذم الشح فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله Bهما أن رسول الله A قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلمات لمات يوم القيامة واتقوا الشح فأن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) وقال A : ( ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ) قال A : ( خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق ) .
وقال A : ( لا يدخل الجنة بخيل ولا جبار ولا منان ولا سيء الملكة ) وقال A : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل ) . وابن السبيل هو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى وطنه وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه ويدخل في ذلك الضيف كما قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس Bهما أنه قال : ابن السبيل هو الضيف الذي بالمسلمين فمن منع ابن السبيل من فضل ماله وهو قادر على ذلك فقد أرتكب كبيرة من كبائر الذنوب وروي عن عبد الله بن عمر Bهما أن رجلا سأل النبي A : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .
الكبيرة الثامنة عشرة .
عقوق الوالدين .
قال العلماء في عقوق الوالدين أن يقسما عليه في حق فلا يبر قسمهما وأن يسألاه في حاجة فلا يعطيهما وأن يأمناه فيخونهما وأن يجوعا فيشبع ولا يطعمهما وأن يسقياه فيضربهما وهو من أكبر الذنوب التي حرمها الله تعالى لأن الله تعالى أمر عباده بعبادته أولا ثم أمرهم بعد عبادته بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وطاعتهما .
فقال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وقال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } فكما أن الشرك بالله تعالى وترك عبادته من أكبر الكبائر كذلك ما قرن به وهو الإحسان إلى الوالدين فرض . وعقوقهما من أكبر الكبائر التي نهى الله تعالى عنها بل إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ذكر أن من أكبر الكبائر الشرك بالله ثم أردفه بعقوق الوالدين وقدمه على جميع الكبائر . فقال رسول الله A : " الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " رواه الإمام البخاري في صحيحه .
وقال رسول الله A : " من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " رواه البخاري ومسلم وروي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " رواه البخاري ومسلم .
وقال رسول الله A : " رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد " وقال صلوات الله وسلامه عليه : " الجنة تحت أقدام الأمهات " بل إن الله تعالى حرم دخول الجنة على عاق والديه أو أحدهما ثم مات قبل التوبة . أو مات والده وهما عليه غير راضيين فقال رسول الله A : " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر " بل إن النبي A دعا على العاق لوالديه بالبعد عن رحمة الله .
فقد روي عن كعب بن عجرة Bه قال : قال رسول الله A : " احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه ؟ قال : إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت : آمين فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت : آمين " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد .
روي عن أنس Bه قال : " ذكر عند رسول الله A الكبائر فقال : الشرك بالله وعقوق الوالدين "