- إن معظم القضايا التي اشتمل عليها هذا الحديث الشريف معلومة من الدين بالضرورة فكل مسلم يعلم أن الشرك بالله كفر بالخالق العظيم الذي خلق الإنسان وأمده بما يحتاج إليه في هذه الحياة الدنيا من مطعم ومشرب وهواء وشمس وقمر وأرض وسماء وغير ذلك من باقي العوالم المسخرة لهذا الإنسان الضعيف الذي لا يملك لنفسه وجودا ولا عدما ولا ضرا ولا نفعا واي مسلم يخفى عليه أن الشرك بالله القاهر فوق عباده حجود ظاهر ولاعتداء صريح على مقام الألوهية المقدس فلا يصدر إلا عن سفيه جاهل بنفسه وبكل ما حوله من المظاهر الدالة دلالة واضحة على أن الله واحد لاشريك له بل أي عاقل يجحد ربه الذي خلقه من ماء مهين وجعله بشرا سويا أو يشرك معه في عبادته أحدا من خلقه عن عقيدة أو نفاق أو رياء أو يعبد ربه على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه لا ريب في أن الإنسان الذي يشرك مع الله غيره في معنى الألوهية يكون كالحيوان العجم الذي لا يشرك مع الله أحدا في الإيجاذ أو في الرزق فقد أنكر الإله الذي لا يماثله أحد من خلقه في أخص صفاته وهي كونه تعالى من منفردا بالخلق والإيجاد ( 1 ) .
وأي مسلم يجهل أن قتل النفس التي حرم الله جريمة من أسوأ الجرائم وأقبحها أثرا في المجتمع الإنساني . ويكفي في شناعتها واتنكارها قوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } .
وأي مسلم يخفى عليه أن أكل الربا من الكبائر المجرمة لما يترتب عليه من استذلال المحتاجين واستنزاف أموالهم وحصر الثروة في أيدي المرابين الذين يستلذون اقتناص أموال الناس وحبسها بين أيديهم بدون أن يستخدموها في مصالح المجتمع وإصلاح حال الإنسان ( 2 ) .
وأي مسلم يحفى عليه أن الفرار من قتال الأعداء الذين يرديون انتهاك حرمات الوطن والدين واستذلال الاحرار الأعزاء واستعمالهم استعمال الأرقاء الذين لا إرادة لهم جريمة من شر الجرائم وموبقة من أسوأ الموبقات .
لا ريب في أن كل هذه الخصال كبائر تنافي الفضائل الإنسانية وتتعارض مع الحياة الكريمة وإذا فشت في أمة من الأمم اهلكتها لا محالة .
أما قذف المحصنات فقد بينا آثاره الضارة فيما أسلفنا من القول في الحدود . وسنذكر لك ما يترتب على السحر من الآثار الضارة قريبا فالنبي A وهو المربي الأعظم الذي لا ينظق عن الهوى قد نهى أمته نهيا جازما عن هذه الجرائم المؤقة التي يترتب عليها هلاك المرء في الدنيا والآخرة فهي من مخازي هذه الحياة الدنيا ومن شر آفاتها التي إليها الشهوة وتستلذها النفس الضعيفة ومن ورائها الخزي الدائم والعذاب الأليم .
( 1 ) ( قال تعالى : { فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس شيء وهو السميع البصير } آية ( 11 سورة الشورى ) .
فالله تعالى هو القادر الحكيم الذي أبدع السموات والأرض وخلقهما وما فيهما من أجرام وأجسام وماء وهواء وخلق لنا أزواجا من أنفسنا وخلق من الأنعام ثمانية ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها وهو الذي يخلقنا في الأرحام ويصورنا كيف يشاء لا يشابهه شيء في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلى صفاته لا يشابه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به فهو واحد في ذاته وصفاته ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعلن ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة فليعتبر أولئك الملحدون الطبيعيون الذين ضلوا عن الطريق المستقيم وكفروا برب العالمين ) .
( 2 ) ( قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } آية ( 29 ) من سورة النساء والربا مما أجمعت الأديان السماوية على تحريمه وداوعي تحريمه كثيرة فهو من المور التي تعوق المجتمع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة فصاحب المال إذا سلك طريق الربا في إنما ماله وجلب الربح منه . سهل لديه أسباب العيش فيميل إلى الكسل والباطالة والخمول وترداد شراهته في جمع الأموال بغير حق والاستيلاء على حقوق الناس من غير رحمة ولا شفقة وتزداد الفوارق بين طبقات المجتمع في الفقر والغنى . والربا يؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء ويولد الأحقاد قرن الله تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بقتل النفس في الآية الكريمة فقال تعالى بعد النهي عن الربا { ولا تقتلوا أنفسكم } لأن الربا يؤدي إلى قتل الأنفس وسفك الدماء من أجل الأموال .
ولأن الربا أخذ مال بلا عوض وهو نوع من الظلم الذي حرمه الشارع الحكيم لأنه استيلاء على الأموال من غير الطريق المشروع وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وعاقبة الربا إنما هو الخراب والهلاك والدمار قال تعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } وقد توعد الله تعالى الذين يأكلون الربا ولا يتوبون بأشد أنواع الوعيد وهو أنه يشن عليهم حربا في الدنيا وعذابا يوم القيامة قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فكلم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } .
فالأجرد بالمسلم أن يبحث عن مصادر تنمية أمواله عن طريق مشروع حتى تصبح معيشته واقتصادياته من طريق مستقيم لا استغلال فيه ولا بغي ولا عدوان على الفقراء والمحتاجين .
وأما جناية اكل مال اليتمي فهي أفظع من التعامل بالربا واشد ضراوة منها لما يترتب عليها من الأضرار البليغة ولهذا نهى الشارع عنها ووصمها أبلغ وصم فقال تعالى . { وآتوا اليتاميى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا } وقال تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم اليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا } .
والواجب شرعا أن يرعى الوصي مال اليتيم ويحافظ عليه وينميه ولا يبيح لنفسه شيئا منه . إلا عند الحاجة الماسة فيأخذ ما يحتاج إليه من غير إسراف ولا تبذير . فقد أجمعت الآراء على أن مال اليتيم لا يحل للوصي ولا يأخذ منه شيئا حتى تبقى صلات المحبة والمودة قائمة بين الناس . وكما تدين تدان وكما تفعل تجازى { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا } .
وبين الله D أن أكل مال اليتيم من أشنع أنواع الحرام فكأنه يأكل من جمر جهنم قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } .
وأما التولي يوم الزحف فهو من أكبر الكبائر وأفحش الأمور . لأنه يدل على الجبن . والضعف والخور وافسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كراما أعزاء وإما أن نموت أحرارا شهداء والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة قال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أمحياء عند ربهم يرزقون } لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم وقدرتهم ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى وتحبط الأعمال وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } .
فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين وتثبيط لعزائم المقاتلين وإحداث فرقة بين صفوفهم وفي ذلك صد عن سبيل الله D وتقوية للعدو وكفى بذلك إثما وعارا في الدنيا والآخرة لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب . وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة .
وأما قذف المحصنات المؤمنات الغافلات فهو من أعظم الكبائر التي نهى عنها الشارع الحكيم .
فقال تعالى : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فإن مقاصد الشرع الحكيم حفظ أعراض المسلين وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة ووضع سياج منيع لعزة النفس كان من مقتضى حكمته تبارك وتعالى أن سن التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وتنكس رؤوسهم والشرف أعز عزيز لدى المؤمن الغيور فإن القتل أهون على المؤمن من ضياع شرفه وإهدار كرامته وما قيمة الحياة لإنسان بغير كرامة وعزة من أجل ذلك فرض الله تعالى حد القذف الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامات وإنما خص القذف بالرمي بالزنى لأن فيه من العار بدناءة النفس وهتك الستر وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من خصائص أخس الحيوانات ما قارف به كل المربقات . فإن كان الرمي امرأة كان في من جلب العار على قومها ما يؤدي إلى سفك الدماء وقلما يغسل ذلك العار وقد رتب الشارع على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق .
ولقد ذكر الله في الآية الكريمة فظاعة أمر هذه الجريمة وشنع على من وقع فيها وشرح عظيم خطرها وشديد وعيدها وأي وعيد اشد من اللعنة في الدنيا والآخرة وهو الطرد من رحمة الله واستحقاق العذاب العظيمن وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه بما يخزيه ويقطع حجته ويسد عليه باب التنصل من ذنبه أمام الأشهاد يوم القيامة .
ثم أردف ذلك بأنه سيوفى جزاءه الحق وليعلم الجاني إن لم يكن علم أن الله هو الحق وإن وعيده هو الحق وأن قوله هو الحق المبين وقد ذكر العلماء أن القاذف مطالب في الدنيا لتصديقه بأربعة شهداء فالقاذف يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من جوارحه لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا له وفضيحة لشأنه جزاء فضيحته للمحصنات المؤمنات ) وأي مسلم يخفى عليه أن أكل مال اليتيم جريمة من أرذل الجرائم وأخسها لا يأتيها إلا النذال الذين قست قلوبهم ونزعت منهم عائطفة الرحمة والإنسانية وأصبحوا كالحيوانات المتفرسة هم أضل سبيلا