- فالتعزير قد ثبت عن رسول الله A ويكفي في ذلك الحديث الذي ذكرناه آنفا وهو : " لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه فإنه نص على أن للحاكم إن يعزر بالضرب في الأمور التأديبية وفي الأمور الجنائية حسبما يراه زاجرا إلا أنه لا يزيد في غير الجنايات على عشرة أسواطا كما بينا وقد عزر كبار الصاحبة A من بعده بالضرب والسجن والقتل فقد ثبت أن عمر Bه جمع كبار علماء الصحابة رضوان الله عليهم واستشارهم في عقوبة اللائط فأفتوا بإعامه حرقا وهذا من أشد ما يتصور في باب التعزير وثبت أن عليا وجد رجلا مع امرأة يستمتع بها بغير جماع فجلده مائة سوط ( 1 ) .
ولا خلاف أن للإمام عن سيجن الجاني بما يراه زاجرا له ولا معنى لهذا كله إلا أن لإمام المسلمين أو من ينوب عنه الحق في التعزير بحسب ما يراه زاجرا للمجرمين بل يجب عليه أن ييضع العقوبات المناسبة التي يترتب عليها تاديب رعيته وإصلاح حالهم لأن كل راع مسؤول عن رعيته بنص حديث رسول الله A فكل عقوبة من العقوبات التي يراها الحاكم زاجرة توصف بما توصف به الأحكام الشرعية بلا نزاع .
وبعد فإن الذي يطلغ على الشريعة الإسلامية ويمعن النظر فيها ويقف على حكمها وأسرارها ويتأمل في نظمها وقواعدها لا يسعه إلا أن ينحني أمام عظمتها ويجزم بأنها من لدن حكيم عليم فلقد جاءت بكل قانون فيه مصلحة الجميع وسعادتهم وبنت كل أحكامها بما فيه مصلحة النوع الإنسانين وذفع المفاسد عنهم في كل شأن من شؤونهم فلم تترك مصلحة حقيقة من مصالح الأمم والشعوب إلا إذا حثت عليها وأمرت بها ولم تترك مفسدة من المفاسد الخلقية أو المادية إلا نهت عنها وحذرت الناس من شرها