- فإن قلت : كيف يصل التعزير إلى هذا القدر من العقوبة مع أن النبي A قال : ( لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ) ؟ .
فإن ظاهر هذا الحديث يدل على أن عقوبة غير الحد لا يجوز أن تزيد على عشرة أسواط كما يقول الحنابلة ( 1 ) .
وقد أجاب أبن القيم نفسه عن هذا : بأن الحدود التي تطلق على العقوبات تطلق أيضا على نفس الجناية والمعصية كما ذكرناه في بحوثنا السابقة .
والمراد بها في الحديث المعصية لا العقوبة فمعنى الحديث لا تجوز العقوبة بالضرب زيادة على عشرة أسواط إلا في الجنايات أن يختلي بامرأة محرمة أو يشهد زورا أو يغش شخصا أو يخدعه أو يحتال عليه أو يقامر أو يبذر ماله فيما يؤذي الناس . أو يسعى بالنميمة بين الناس . أو يطفف الكيل والميزان أو يصرف وقته في الملاهي أو غير ذلك مما لا يمكن حصره هنا . فكل جناية لم يضع لها الشارع حدا ولاكفارة فإن للحاكم فإن يعاقب عليها بالسجنن أو الضرب بحسب ما يراه زاجرا للمجرم .
أما غير الجنايات من المخالفات كمخالفة الابن لأبيه ونحو ذلك مما يقع من اصبيان فإنه يصح التأديب عليها باضرب بشرط أن لا يزيد عن عشرة أسواط .
فهذا هو معنى الحديث . وهو حسن .
وبالجملة فإن التعزير باب واسع يمكن للحاكم أن يقضي به على كل الجرائم التي لم يضع الشارع لها حدا أو كفارة على أن يضع العقوبة المناسبة لكل بيئة ولكل جريمة من سجن أو ضرب أو نفي أو توبيخ أو غير ذلك ( 2 ) .
وأجاز بعض الحنفية التعزير بالمال على أنه إذا تاب يرد له فإذا استثنينا من العقوبات حد السرقة وحد القذف واستثنينا القصاص وبعض الأشياء التي جعل الشارع لها كفارة كالحلف بأقسامه واتيان الزوجة وهي حائض فإن عقوبات الجرائم الخلقية والمالية وسائر المعاصي منوط بتقدير الحاكم واجتهاده فعليه أن يضع جميع العقوبات التي تقضي على الرذائل وتزجر المجرمين .
( 1 ) ( الحنفية والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : لا يجوز أن يبلغ بالتعزير أعلى الحدود لأن الإمام ونائبه إنما يحكمان على وفق الشريعة الغراء وليس لهما أن يزيدا على ما قدرته الشريعة ذرة واحدة .
المالكية قالوا : إن التعزير راجع إلى رأي الإمام فإن أن يزيد على الحدود فعل لاجل المصلحة لأن الشارع أمن الإمام الأعظم على أمته من بنعده وأمر الأمة بالسمع والطاعة في كل ما لا معصية فيه لله عزوجل بل ضرب بعض العتاة والفسقة الحد المقدر بما لا يردعه فجاز للإمام الزيادة بالاجتهاد مصلحة ذلك المعزر .
الحنفية والشافعية قالوا : إن التعزير لا يختلف أسبابه كأن يزاج في التعزير حتى يبلغ أجنى الحدود ولو في الجملة وأدناها عند أبي حنيفة أربعون في الخمر وعند الشافعيةن والحنابلة عشرون فيكون أكثر التعزير عند الحنفية تسعة وثلاثون وعد الشافعية والحنابلة تسعة عشر .
المالكية قالوا : يجوز للإمام الأعظم أن يضرب في التعزير أي عدد أدى إليه اجتهاده ولو زاد عن الحد .
الحنابلة قالوا : إن التعزير يختلف باختلاف أسبابه فإن كان بالوطء في الفرج شبهة كوطء الشريك . أو بالوطء فيما دون الفرج فإنه يزاد على أدنى الحدود ولا يبلغ فيه أعلاها فيضرب مائة إلا سوطا وإن كان بغير الفرج كقبلة فإنه لا يبلغ في أدنى الحد اه ) .
( 2 ) ( لقد أجاز الإسلام التعزير بكل أنواعه للحاكم فقط وليس له أن يفوضه إلى مستحقه ولا إلى غيره ولم يجز الشرع التعزير لغير الإمام إلا لثلاثة فقط .
الأول . الأب : فإنه يجوز له أن يعزر ولده الغير للتعليم والتربية والتأديب والزجر عن ارتكاب الأمور المشينة وعن فعل سيء الأخلاق والظاهر أن الأم تلحق بالأب فيما إذا كان في زمن الصبا في كفالتها للصبي أو البنت فيجوز لها التعزير وكذلك يجوز الأمر بالصلاة والضرب عليها ولا يجوز للأب تعزير الابن البالغ وإن كان فعل شيئا سفيها لأنه لا ينفع فيه الضرب بعد الكبر .
الثاني السيدك لقد أباح له الشرع أن ينبه رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى وفي تأديبه .
الثالث الزوج : فلقد أجاز الشرع له تزير زوجته في أمر النشوز والخروج عن أمره وفي عدم طاعته كما صرح به القرآن الكريم فقال تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } آية 34 من النساء وهل له ضربها على ترك الصلاة وعمل الصالحات الظاهر أن له ذلك إن لم يكف الزجر والتأنيب لأنه من باب إنكار المنكر والزوج من جملة من يكلف بنهي زوجته عن فعل القبيح وقد ينتفي التعزير مع انتفاء الحدود والكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه وقد يجتمع التعزير مع الحد كما في تكرر الردة وقد يجتمع مع الكفارة كما في قطع شخص أطراف نفسه وقد يجتمع العزير مع الحد كما في تكرر الردة وقد يجتمع مع الكفارة كما في الظهار واليمين الغموس وإفساد الصائم يوما من رمضان بجماع حليلته وغير ذلك .
واتفق الأئمة على حد الزنا والسرق' وشرب المسكر والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصاص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد واختلف في تسمية الخيرين حدا . واختلف في أشياء كثيرة يستحق مرتكبها العقوبة هل تسمى عقوبته حدا أم لا ؟ ومنها جحد العارية واللواط وإتيان البهيمة وتحميل المرأة الفحل من البهائم عليها والسحاق و أكل الدم وأكل الميتة في حال الاختيار وأكل لحم الخنزير والاشتغال بالسحر والقذف بشرب الخمر وترك الصلاة كسلا والفطر متعمدا في شهر رمضان والتعريض بالزنا ومنع الزكاة والخلوة بالمرأة الأجنبية والاستمتاع بها من غير زنا والاستمتاع بالأمرد من غير لواط به ونحو ذلك اه .
كيفية إقامة الحد .
الحنفية والشافعية قالوا : إنه يضرب في حد التعزير قائما لأنه أبلغ في الزجر وآلم للجاني .
الحنفية والشافعية قالوا : إنه لا يجر من ثيابه في حد القذف خاصة ويجرد فيما عداه .
المالكية قالوا : يجب تجريده من ثيابه في الحدود كلها إلا ما يستر عورة زيادة في زجره .
الحنابلة قالوا : لا يجرد من ثيابه في الحدود كلها بل يجرد من الجلد والفرو والحشو خاصة . ويضرب فيما لا يمنع ألم الضرب كالقميص والقميصين ونحو ذلك لأن الألم يحصل مع وجوده .
الحنفية والحناللة قالوا : إنه يجب أن يفرق الضرب على جميع البدن إلا الوجه والفرج والرأس .
الشافعية - قالوا : لا يضرب الفرج والوجه والخاصرة وسائر المواضع المخوفة حتى لا يفضي إلى الموت .
المالكية قالوا : يجوز ضرب الظهر وما قاربه ولا يجب أن يفرق الضرب على جميع الأعضاء زيادة في الألم اه )