- أما التعزير فهو التأديب بما يراه الحاكم زاجرا لمن يفعل فعلا محرما عن العودة إلى هذا الفعل فكل من أتى فعلا محرما لا حد فيه ولا قصاص ولا كفارة فإن على الحاكم أن يعزره بما يراه زاجرا له عن العودة من ضرب أو سجن أو توتبيخ .
وقد اشترط بعض الأئمة أن لا يزيد التعزير بالضرب على ثلاثين سوطا وقال بعضهم وهم المالكية : إن للإمام أن يضربه بما يراه زاجرا ولو زاد عن مائة بشرط أن لا يفضي ضربه إلى الموت ( 1 ) .
وبعضهم وهم الحنابلة - قالوا : إنه لا يزيد في الضرب عن عشرة أسواط . ولكن أبن القيم الحنبلي لم يوافق على هذا فقد ذكر ( في أعلام الموقعين ) أن التعزير بالضرب قد وصل إلى مائة سوط عند الحنابلة كما إذا وطئ شخص جارية امرأته بإذنها - فإنه يعزر بضرب مائة . وقال : إن عمر بن الخطاب زاد في حد شرب الخمر أربعين فأوصله إلى ثمانين ولا يعقل أن تكون هذه الزيادة من أصل الحد الي ورد عن رسول الله A وهو أربعون .
على أنك قد عرفت أن بعض العلماء يقول : إن عقوبة الشرب كلها من باب التعزير لا من باب الحد .
وظاهر عبارة أبن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين ) تفيد أن للحاكم أن يعزر بما يشاء من سجن أو ضربن كما هو رأي المالكية فكل عقوبة تناسب حال البيئة وتخيف المجرمين يجب أن تنفذ .
على أن الحنفية الذين قالوا : إنه لا يجوز للحاكم أن يزيد في التعذير بالضرب على ثلاثين سوطا وقالوا : إن للحاكم أن يعزر بالقتل فإن عقوبة اللواكة عندهم من باب التعزير ومع ذلك فإنهم يقولون : إذا تكررت هذه الفاحشة من شخص فإنه يعزر بالإعدام . إذ لا يليق أن يوجد بين النوع الإنساني من تنقلب طبيعته إلى هذا الحد ولا يخفى ما في هذا من سلطة واسعة يتصرف فيها الحاكم بما يرى فيه المصلحة .
( 1 ) ( تعريفه : التعزير مصدر عزر من العزر وهو الرد والمنع ومنه قوله تعالى : { وتعزروه } أي تدفعوا العدو عنه وتمنعوه وفي الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة وهو مخالف للحدود من ثلاثة أوجه .
الأول : أنه يختلف باختلاف الناس فتعزير ذوي الهيئات أخف من تعزير عامة الناس مع انهم يستوون في الحدود مع الناس لا فرق بين عربي وقرشين فالكل امام الحدود سواء .
الثاني : أنه تجوز فيه الشفاعة والعفو ولو بعد وصوله إلى الحاكمن بخلاف الحدود فإنه لا تجوز فيها الشفاعةز إذا ما وصل الأمر إلى الحاكم .
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن التالف بالتعزير غير مضمون مثل الحدود لأنه مأمور .
الشافعية - قالوا : إن التالف بالتعزير مضمون بخلاف الحدود فإنها غير مضمونة .
قال العلماء : والتأديب للأولاد أو للزوجة عندهم تعزيرا لدفعه ورده عن فعل القبائح ويكون التعذير بالقول والتأنيب ويكون بالضرب والحبس ويكون بالغرامة المالية حسب ما يقتضيه حال الفاعل وما يراه الحاكم من المصلحة للجاني ا ه .
حكمه في الشريعة .
الحنفية والمالكية - قالوا : إن غلب على ظن الحاكم أن الجاني لا يصلحه إلا الضرب أصبح واجبا وإن غلب على ظن الحاكم أن الجاني لا يصلحه إلا الضرب أصبح واجبا وإن غلب على ظنه إصلاحه بغيره لم يجب . تعظيما لحضرة الله تعالى إن يعصي العبد ربه فيها وهو ينظر إليه سبحانه فكان الضرب المؤلم له واجبا ليتنبه لقبح فعله في المستقبل ويصير يتذكر الألم الذي حصل له في الماضي فيستغفر ربه منه .
الشافعية - قالوا : لا يجب التعزير على الحاكم لأنه لا يحصل به كبير زجرن ولا ردع عن المعاصي المستقبلة إن كانت معلقة على حصول الألم الواقع لذلك العبد .
الحنابلة - قالوا : إن استحق بفعله التعزير كان واجبا وإن لم يستحق فلا يجب .
ضرب الأب ولده تأديبا .
المالكية والحنابلة - قالوا : إن الأب إذا ضرب الصبي للتعليم فمات الولد أو الصبي من أثر الضرب فلا ضمان عليه لأن الأب والمعلم لا يضربان للإصلاح والتأديب .
الحنفية والشافعية - قالوا : إن الاب إذا ضرب ابنه فمات يجب عليه الدية في ماله ولا يرث منها وكذل المعلم لحفظ القرآن والكتابة أو الصنعة إذا ضرب الصبي لاجل التعليم فمات من الضرب وجب عليه الضمان وذلك حتى يتحفظ الأب في ضربه لولده فإنه ربما قامت نفسه من ولده فضربه لا لمصلحة كالأجينب فوجب الضمان احتياطا .
ضرب الحاكم للتعزير .
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن الإمام إذا ضرب رجلا للتعزير فمات بسبب الضرب فلا يجب عليه الضمان لأن منصب الإمام يجل عن أن يعزر احدا بغير المصلحة بخلاف غير الإمام فإنه قد يعزر غيره وعنده شائبة تشف منه لعداوة سابقة مثلا وما سمعنا أن حاكما قتل بقتله احدا في تعزير ولا غرم دية .
الشافعية - قالوا : إن الإمام لو عزر رجلا فمات بسببه وجب عليه الضمان لأن الشرع لا محاباة فيه لاحد من الناس فالإمام الأعظم كآحاد الناس في تطبيق أحكام الشربعة عليه .
قالوا : والتعزير مشروع سواء أكان الذنب حقا لله تعالى أم لآدمي وسواء أكان من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية في غير الفرج وسرقة ما لا قطع فيه والسبب بما لا قذف فيه أن لا . كجناية التزوير في الأوراق الرسمية واختلاس الأموال وشهادة الزور )