سئل أبن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة بالبادية تدعي الطب لتداوي عينه فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها ؟ فأجاب : إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها فإن لم يكن لها عاقلة فإن تعذر فعليها في مالها إلا أن يكون الرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن ويقاس على هذا حالة المريض مع الأطباء في هذا الزمان .
ومن أزال الشم من المنخرين بجناية على رأسه تجب عليه دية كاملة كما جاء في خبر عمرو بن حزم لأنه من الحواس النافعة فتكمل فيه الدية كالسمع وفي إزالة شم منخر واحد نصف الدية ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإن لم يمكن فالحكومة .
ولو أنكر الجاني زوال الشم من المجني عليه امتحن في غفلاته بالروائح الحادة فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه ولا يستحق ضمانا وإن لم يهش للطيب ولم يتأذ من الكريه حلف المجني عليه لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه وفي إبطال حاسة الذوق الذي هو وقوة في اللسان يدرك بها الطعم تجب دية كاملة لأنه أحد الحواس الخمس فأسبه الشم واختلف في محله هل هو في طرف الحلقوم أو في اللسان ؟ ذهب أكثر أهل العلم إلى القول الثاني وقالوا : إنه المشهور وعليه الحكماء لكنهم يقولون : هو قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان يدرك بها الطعوم بمخالطة اللعابية التي في الفم بالمطعوم ووصولها للعصب وقال أهل السنة : إن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى - يعني أن الله تعالى يخلق ما ذكر عند المخالطة المذكورة وعلى هذا القول فينبغي أن يكون كالنطف مع اللسان فتجب فيه دية واحدة للسان لأن الذوق يدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة وتوزع الدية على هذه الأنواع الخمسة فإذا أبطل إدراك واحدة منهن وجب فيها خمس الدية وهكذا .
وإن نقص الإدراك نقصا لا تقدر بأن يحس بمذاق الأنواع الخمس لكن لا يدركها على كمالها فتجب في ذلك النقص حكومة عدل . وتختلف بقوة النقصان وضعفه وإن عرف قدره فقسطه من الدية .
ولو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق امتحن بالأشياء المرة ونحوها كالحامض الحاد . الذي لا يصبر عليه عادة . فإن ادعى النقص صدق بيمينه وإن تألم وعبس صدق الجاني بيمينه .
قالوا : وتجب الدية في إبطال المضغ كأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ وتفسد اللثة لأنه المنفعة العظمى للأسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد .
وتجب الدية فإبطال قوة الإمناء بكسر صلب لقوات المقصود وهو النسل بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي فإن فيه حكومة لأن الرضاع يطرأ ويزول وقيل فيه الدية كاملة واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول ولأن إبطال قوة الامناء موت للرجل أدبيا ومعنويا . فتجب الدية .
وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من المرأة لقوات النسل فيكمل فيه ديتها لانقاطع النسل وتجب الدية في إبطال قوة الحبل من الرجل أيضا بأن يجني على صلبه فيصير منيه فاسدا لا يحبل وتجب الدية في ذهاب جماع من المجني عليه بجناية على صلبه مع بقاء مائه وسمة ذكره فيطل التلذذ بالجماع لأن ذلك من المنافع المقصودة . وقد ورد الأثر فيه عن الخلفاء الراشدين وإن ضربه ضربة شديدة على صلبه فأبطل إنعاظه فتجب الدية ولا تندرج فيه دية الصلب وإن كانت قوة الجميع فيه فلو كسر صلبه فأبطل إنعاظه فعليه ديتان لأن كل جناية غير الأخرى وفي إفضاء المرأة بجناية عمدا أو شبه عمد أو خطأ بوطء أو بغيره من الزوج أو غيره تجب ديتها كاملة لفوات المنفعة الجماع أو اختلالها لأنه يقطع التناسل منها ويسبب لها العقم لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لا متزاجها في البول فأشبه قطع الذكر والإقضاء حاجز ما بين مدخل ذكر ودبر فيصير سبيل جماعها وغائطها واحدا إذ به تفوت المنفعة الكلية .
وقيل : الإفضاء : رفع ما بين مدخل ذكر وجبر فيصير سبيل جماعها وبولها واحدا لأن ما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وبينهما عظم لا يتأتى كسره .
المالكية - قالوا : يجب في الإفضاء حكومة بأن يقوم ما عليها عند الأزواج بأن يقال : ما صداقها على أنها غير مفضاة وما صداقها على أنها مفضاة فيغرم النقص ثم إن كان الفعل من الزوج فيلحق بالخطأ . لأذن الشارع في الفعل بالجملة فإن بلغ الثالث على العاقلة وإلا ففي ماله خاصة ولا يندرج الإفضاء تحت مهر بل يغرم الحكومة مع الصداق زوجا أو أجنبيا غصبها ووطئها بخلاف إزالة البكرة من الزوج أو الغاصب فإنه لا يغرم للبكارة شيئا زائدا على الصداق الذي دفعه لأنه لا يمكن الوطء إلا بإزالتها فهي من لواحق الوطء بخلاف الإفضاء فإنه منهي عنه إلا إذا أزال البكارة بإصبعه فإن الحكومة فيها لا تندرج في المهر زوجا أو أجنبيا فيجب على الأجنبي حكومة ولو لم يطأها وهي مع المهر إن وطئ أما الزوج فيلزمه أرش البكارة التي أزالها بالإصبعه مع نصف الصداق إذا طلقها قبل البناء بها فإن دخل بها وطلقها بعد البناء فتدرج في المهر فإن أمسكها فلا شيء عليه وإزالة البكارة بالإصبع جرم فيؤدب الزوج عليه .
قالوا : وتجب الدية إذا فعل فعلا أحدث في بدنه جذاما - وهو داء يأكل الأعضاء أو احدث تبريصة - وهو نوع من البرص - أو تسويد جسده بعد أن كان غير اسود أو أحدث به سوادا وبياضا وهو نوع من البرص يحث في الجلد فتجب دية كاملة في كل هذه الصور لأنه فوت عليه منفعة الجمال والكمال فإن سود جسمه وجذمه بسبب ضربة واحدة وجب عليه ديتان لأن كلا منهما منفصل عن الآخر .
قطع الأذنين الظاهرتين .
المالكية - قالوا : لا تجب الدية في قطع الأذنين الشاخصتين إذا بقي اسمع سليما بل تجب حكومة عدل .
الأئمة الثلاثة - قالوا : تجب في الأذنين دية كاملة وفي قطع إحداهما نصف الدية لقوات منفعة الجمال وجمع الهواء للسمع .
قطع عين الأعور .
المالكية والحنابلة - قالوا : إن عين العور السليمة إذا قلعت أو ذهب بصرها يجب فيها دية كاملة لأن بصر الذاهبة انتقل إليها .
والفرق بين عين العور والعضو الواحد من كل زوج أن العين تقوم مقام العينين في معظم الغرض وهي من أعظم الجواهر مكانة .
الحنفية والشافعية - قالوا : إذا قلع عين الأعور تجب نصف الدية مثل إحدى اليدين والرجلين وباقي الأعضاء المزدوجة .
ذهاب شعر الرأس واللحية والحاجب .
الحنفية - قالوا : قالوا : إن الجناية على اللحية وشعر الرأس إذا حلقت ولم تنبت تجب في كل منهما الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال غير أنه لو حلق رأس إنسان بطريقة لا تجعلها تنبت أو شعر لحيته لا يطالب بدفع الدية حالا بل يؤجل سنة لتصور الإنبات فإن مات المجني عليه قبل مضي سنة ولم ينبت الشعر فلا دية عليه لاحتمال ظهورها لو عاش حيا بل تجب حكومة وشعر الرجل والمرأة والصغير والكبير في ذلك سواء وذلك لأن شعر اللحية جمال بالنسبة للرجال في وقتها وفي حلقها تفويث لمنعة الجمال والكمال فقد ورد أن الملائكة تقول ( سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب ) فتجب الدية وكذلك شعر الرأس بالنسبة للمرأة من أعظم زينتها وتمام جمالها وبالنسبة للرجال زينة وجمال أيضا ألا ترى أن من عدم الشعر حلقه أو سقط شعر رأسه أو كان أقرع فإنه يتأذى من ذلك ويتكلف ستر رأسه ويستحي من كشفها أمام الناس ويعتقد أن ذلك نقص في جماله وكماله وخلقه وبعض رجال العرب يطلقون شعورهم ضفيرة للزينة وشعر الشارب فيه حكومة إذا حلق لأنه تابع للحية فصار كبعض أطرافها وأما لحية العبد فيجب فيها كمال القيمة لأن المقصود به المنفعة بالاستعمال دون الجمال بخلاف الحر .
قالوا : ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجودها يشينه ولا يزينه وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال وإن كان الشعر متصلا ففيه كمال الدية مثل غيره لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال للرجل هذا كله إذا فسد المنبت فإن نبتت حتى استوى الشعر كما كان فلا يجب شيء من الضمانات لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل وإن نبتت بيضاء فعند أبي حنيفة أنه لا يجب عليه شيء في الحر لأنه يزيده جمالا وفي العبد تجب حكومة عل لأنه ينقص قيمته وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشنه ولا يزينه ويستوي العمد والخطأ على هذا فكما تجب الدية في حلق الرأس واللحية خطأ فكذلك إذا حلقهما عمدا .
قالوا : وفي الحاجبين الدية وفي أحدها نصف الدية لأن بهما يحصل الجمال للإنسان .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : في حلق شعر اللحية وشعر الرأس تجب فيهما حكومة عدل لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا يحلق شعر الرأس كله ويحلق شعر اللحية بعضهم في بعض البلاد وصار كشعر الصدر والساق ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة بالإجماع .
قالوا : وفي إزالة شعر الحاجب تجب حكومة واحدا أو متعددا لأن في العشر جمالا وسواء كان إزالة العشر عمدا أم خطأ وكذلك الهدب وهو الشعر النابت على شفر العين تجب حكومة إذا لم ينبت وإلا فإن نبت فف يعمده الأدب والخطأ لا شي فيه .
دية اليدين والرجلين .
واتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن في اليدين تجب الدية كاملة وفي الرجلين الدية وفي الشفتين الدية وفي الأنثيين في قطعهما أو سلها أو رضهما دية كاملة وفي الواحدة من هذه الأشياء نصف الدية وفي قطع الأنثيين مع الذكر ديتان كذا روي في حديث سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه عن النبي A لأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية وفي تفويت أحدهما تفويت النصف فيجب نصف الدية .
قالوا : وفي ثديي المرأة الدية لما فهي من تفويت جنس المنفعة وذلك إذا قطعهما من أصلهما سواء أبطل اللبن أو لا شابة أو عجوزا بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة و ( الجمال ) وفي قطع الحلمتين إن أبطل اللبن دية كاملة ومثل إبطال اللبن لإفساده فالدية القطع اللبن ولفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن وقيل الدية لقطع اللبن فحكومة عدل فلو قطع حلمتي صغيرة فينتظر بها لزمن الإياس من اللبن وتمام سنة فإن أيس فدية كاملة وإن حصل اللبن في مدة الإياس ففيهما حكومة وفي قطع إحدى الحلمتين يجب نصف الدية