الشرط الثاني من شروط الصلاة : ستر العورة . فلا تصح الصلاة من مكشوف العورة التي أمر الشارع بسترها في الصلاة الا إذا كان عاجزا عن ساتر يستر له عورته ( المالكية : زادوا الذكر على الراجح . فلو كشف عورته ناسيا صحت صلاته ) ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل والمرأة الحرة والأمة وحد العورة ( الحنفية قالوا : حد عورة الرجل بالنسبة للصلاة هو من السرة إلى الركبة : والركبة عندهم من العورة بخلاف السرة والأمة كالرجل وتزيد عنه أن بطنها كلها وظهرها عورة أما جنباها فتبع للظهر والبطن وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها لقوله A : " المرأة عورة " ويستثنى من ذلك باطن الكفين فإنه ليس بعورة بخلاف ظاهرهما وكذلك يستثنى ظاهر القدمين فإنه ليس بعورة بخلاف باطنهما فإنه عورة عكس الكفين .
الشافعية قالوا : حد العورة من الرجل والأمة وما بين السرة والركبة والسرة والركبة ليستا من العورة وإنما العورة ما بينهما ولكن لا بد من ستر جزء منهما ليتحقق من ستر الجزء المجاور لهما من العورة وحد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما .
الحنابلة قالوا : في حد العورة كما قال الشافعية الا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط وما عداه منها فهو عورة .
المالكية قالوا : إن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين : مغلظة ومخففة ولكل منهما حكم فالمغلظة للرجل السوءتان وهما القبل والخصيتان وحلقة الدبر لا غير والمخففة له ما زاد على السوءتين مما بين السرة والركبة وما حاذى ذلك من الخلف والمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر والمخففة لها هي الصدر وما حاذاة من الظهر والذراعين والعنق والرأس ومن الركبة إلى آخر القدم أما الوجه والكفان ظهرا وبطنا فهما ليستا من العورة مطلقا والعورة المخففة من الأمة مثل المخففة من الرجل الا الأليتان وما بينهما من المؤخر فإنهما من المغلظة للأمة وكذلك الفرج والعانة من المقدم فهما عورة مغلظة للأمة .
فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلها أو بعضها ولو قليلا مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته أو قبول إعارته لا هبته بطلت صلاته إن كان قادرا ذاكرا وأعادها وجوبا أبدا أي سواء أبقي وقتها أم خرج أما العورة المخففة فإن كشفها كلا أو بعضا لا يبطل الصلاة وإن كان كشفها حراما أو مكروها في الصلاة ويحرم النظر إليها ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة أن يعيد الصلاة في الوقت مستورا على التفصيل وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس أو العنق أو الكتف أو الذراع أو النهد أو الصدر أو ما حاذاه من الظهر أو الركبة أو الساق إلى آخر القدم ظهرا لا بطنا . وإن كان بطن القدم من العورة المخففة وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الأليتين أو ما بينهما حول حلقة الدبر ولا يعيد بكشف فخذيه ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة وما حاذى ذلك من خلفه فوق الأليتين ) للرجل والأمة والحرة مفصل في المذاهب .
ولا بد من دوام ستر العورة ( الحنابلة قالوا : إذا انكشف شيء من العورة من غير قصد فإن كان يسيرا لا تبطل به الصلاة وإن طال زمن الانكشاف وإن كان كثيرا كما لو كشفها ريح ونحوه ولو كلها فإن سترها في الحال بدون عمل كثير لم تبطل وإن طال كشفها عرفا بطلبت أما إن كشفها بقصد فإنها تبطل مطلقا .
الحنفية قالوا : إذا انكشف ربع العضو من العورة المغلظة وهي القبل والدبر وما حولهما أو المخففة وهي ما عدا ذلك من الرجل والمرأة في أثناء الصلاة بمقدار أداء ركن بلا عمل منه كأن هبت ريح رفعت ثوبه فسدت الصلاة أما إن انكشف ذلك أو أقل منه بعمله فإنها تفسد في الحال مطلقا . ولو كان زمن انكشافها أقل من أداء ركن أما إذا انكشف ربع العضو قبل الدخول في الصلاة فإنه يمنع من انعقادها .
المالكية قالوا : إن انكشاف العورة المغلظة في الصلاة مبطل لها مطلقا فلو دخلها مستورا فسقط الساتر في أثنائها بطلت ويعيد الصلاة أبدا على المشهور .
الشافعية قالوا : متى انكشفت عورته في أثناء الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته الا إن كشفها الريح فسترها حالا من غير عمل كثير فإنها لا تبطل كما لو كشفت سهوا وسترها حالا . أما لو كشفت بسبب غير الريح ولو بسبب بهيمة أو غير مميز فإنها تبطل ) ولا يضر التصاقه بالعورة بحيث يحدد جرمها ومن فقد ما يستر ( المالكية قالوا : الساتر المحدد للعورة تحديدا محرما أو مكروها بغير بلل أو ريح يوجب إعادة الصلاة في الوقت . أما إذا خرج وقت الصلاة فلا إعادة وأما الساتر الذي يحدد العورة بسبب هبوب ريح أو بلل مطر مثلا فلا كراهة فيه ولا إعادة ) به عورته بأن لم يجد شيئا أصلا صلى عريانا وصحت صلاته ( الحنفية والحنابلة قالوا : إن الأفضل أن يصلي في هذه الحالة قاعدا موميا بالركوع والسجود ويضم إحدى فخذيه إلى الأخرى وزاد الحنفية في ذلك أن يمد رجليه إلى القبلة مبالغة في الستر ) وإن وجد ساترا الا أنه نجس العين كجلد خنزير أو متنجس كثوب أصابته نجاسة غير معفو عنها فإنه يصلي عريانا أيضا ولا يجوز له لبسه في الصلاة ( المالكية قالوا : يصلي في الثوب النجس أو المتنجس ولا يعيد الصلاة وجوبا وإنما يعيدها ندبا في الوقت عند وجود ثوب طاهر ومثل ذلك ما إذا صلى في الثوب الحرير .
الحنابلة قالوا : يصلي في المتنجس وتجب عليه الإعادة بخلاف نجس العين فإنه يصلي معه عريانا ولا يعيد ) وإن وجد ساترا يحرم عليه استعماله كثوب من حرير فإنه يلبسه ويصلي فيه للضرورة ولا يعيد الصلاة أما إن وجد ما يستر به بعض العورة فقط فإنه يجب استعماله فيما يستره ويقدم القبل والدبر ولا يجب عليه أن يستتر بالظلمة إن لم يجد ( المالكية قالوا : يجب عليه أن يستتر بها . لأنهم يعتبرون الظلمة كالساتر عند فقده فإن ترك ذلك بأن صلى في الضوء مع وجودها أثم وصحت صلاته ويعيدها في الوقت ندبا ) ساترا غيرها .
وإذا كان فاقدا لساتر يرجو الحصول عليه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ( الشافعية قالوا : يؤخرها وجوبا ) ندبا ويشترط ستر العورة من الأعلى والجوانب لا من الأسفل عن نفسه ( الحنفية والمالكية قالوا : لا يشترط سترها عن نفسه فلو رآها من طوق ثوبه لا تبطل صلاته وإن كره له ذلك ) وعن غيره فلو كان ثوبه مشقوقا من أعلاه أو جانبه بحيث يمكن له أو لغيره أن يراها منها بطلت صلاته وإن لم تر بالفعل أما إن رئيت من أسفل الثوب فإنه لا يضر