- الشافعية والحنابلة قالوا : إن للمقذوف الحق في أن يقفو عن قاذفه ويسقط بذلك العفو حد القذف وفي ذلك سعة فإذا سبق لسان أحد إلى قذف شخص بهذه الفاحشة فإنه يصح له أن يسترضيه ويزيل ذلك الأثر من نفسه فاذ عقفا عنه فإن عفوه يصح سواء كان قبل رفع الأمر للحاكم أو بعده .
المالكية يوافقون على هذا الرأي إذا كان العفو قبل أن يرف الآمر للحاكم أما بعد رفع الآمر للحاكم فإن العفو يصح إذا كان المقذوغ يخاف على نفسه سوء السمعة أما بعد رفع الأمر للحاكمن فإن العفو يصح إذا كان المقذوف يخاف على نفسه سوء السمعة أما إذا كان مشهورا بالفعة ولا تؤذيه إذاعة التهمة فإن العفو لا يصح .
وعلى أي حال فإن القول بصحة عقو المقذوف معقول لأنه هو الذي وقع عليه ضرر القذف ومتى عفا ذهب أثر الجريمة الضار فإذا قذفه ثانيا بعد العفو فإنه لا يحد ولكن يعزر كي لا يعود إلى شتمه .
ويمكنك أن تقول : إن العفو يسقط حد القاذف عند الأئمة الثلاثة خلافا للحنفية ومع ذلك فإن الحنفية يقولون : أنه لا يقام إلا إذا رفع المقذوف الأمر للحاكم ( 1 ) .
( 1 ) ( الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن حد القذف حق للمقذوف وإن كان فيه حق الشرع تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغنى الشرع ولأن أكثر الأحكام تبنى عليه والمعقول يشهد له وهة أن العبد ينتفع بحد القذف على الخصوص مثل القصاص فلا يستوفى إلا بمطالبته وله أن يسقطه عن القاذف معفو عنه وله أن يبرىء منه وهو يورث عن المذوف وذلك لأن حق العبد في حد القذف غالب على حق الشرع وظاهر عليه لأن فيه صيانة أعراض الناس .
الحنفية قالوا : ليس للمقذول أن يسقط حد القذف عن القاذف ولا أن يعفو عنه ولا يمكنه أن يبرىء القاذف منه لأن الغالب فيه حق الله تعالى ولا خلاف أن فيه حق للعبد وحق الشرع ولأنه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه حق العبد وفيه معنى الزجر ولذلك يسمى حدا والمراد بالزجر إخلاء المجامتع من الفساد وتطهيره من المنكر وهذا علامة حق الشرع إذا لم يختص به إنسان دون غيره ولأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه فيصير حق العبد شرعيا له ولا كذلك عكسه لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة وهذا هو الصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها كالإرث لأنه يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع فإن العبد يرث حق العبد بشرط كونه مالا والحد ليس شيئا من أنواع الأموال فيبل بالموت إذا لم يثبت دليل سمعي على استخلاف الشرع وإرث جعل له حق المطالبة أو وصية المطالبة التي جعلها شرطا لظهور حقه ومنها العفو فإنه بعدما ثبت عند الحاكم القذف والاحصان لو عفا المقذوف عن القاذف لا يصح منه ويحد فإن الحد لا يسقط بعد ثبوته عندهم إلا أن يقول المقذوف . لم يقذفني أو كذب شهودي وحينئذ يظهر أن القذف لم ينعقد موجبا للحد بخلاف العفو عن القصاص فإنه يسقط بعد وجوبه لأن القالب فيه حق العبد ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه ويجري فيه التداخل حتى لو قذف شخصا مرات أو قذف جماعة كان فيه حد واحد إذا لم يتخلل حد بين القذفين ولو ادعى بعضهم فحدن ففي أثناء الحد ادعى آخرون كما ذلك الحد فقط .
قالوا : وإنما لا يصح عفوه لأنه عقو عما هو مولى عليه فيه وهو الإقامة ولأنه متعنت في العفو لأنه رضي بالعار الذي لحقه من القذف والرضا بالعار عار وذلك هو الأظهر من جهة الدليل والأشهر عند عامة المشايخ ومن أصحابهم من قال : إن الغالب في حد القذف حق العبد .
المالكية قالوا : إن حد القذف الغالب فيه حق العبد فلا يستوفى إلا بمطالبته وإن له اسقاطه إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم أما إذا رفع الأمر إلى الحاكم ووصل إليه فليس لأحد اسقاطه في هذه الحالة لأن العلماء اجمعوا على أن الحد إذا رفع إلى الحاكم وجب الحكم بإقامة الحد عليه وتحريم قبول الشفاعة في أسقاطه إلا أن يريد بذلك المقذوف الستر على نفسه من كثرة اللغط فيه وهو المشهور عندهم .
وقالوا : إن حد القذف لا يجوز الاعتياض عنه وإنه يجري فيه التداخل فلو قذف .
قذفين أو أكثر لواحد وجب حد واحد ولو قذف جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد واحد ولو قذق جماعة في مجلس أو مجالس بكلمة أو كلمات فعليه حد .
واحد للجميع فإن طالب أحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن طالب منهم بعد ذلك . فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف ولا بتعدد المقذوف إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه ولو لم يصرح به