- إن بعض الناس يتخيل أن عقوبة الجلد شديدة ولا تناسب المدنية الحاضرة . والجواب عن مثل هذا هو أن يقال : ينبغي لمن يتكلم بهذا أن يدرك اولا معنى الجريمة ومعنى ما يترتب عليها من الآثار التي تؤذي المجتمع الإنسانين ثم يقارن بينها وبين العقوبة ليعلم أن الغرض من العقوبة إنما هو زجر الناس عن كل فعل أو قول يضر بالمجتمع ويؤذي أفراده وجماعته فإذا فشت الجرائم بين الناس وأصبح كل واحد غير آمن على عرضه أو نفسه أو ماله فإنه لا يكون لهذا معنى الإ أن الإنسان الذي ميزه الله تعالى بالعقل مساو للحيوان المفترس الذي يعتدي فويه على ضعيفة وذلك هو الهلاك والفناء للأفراد والجماعات فلا بد من زاجر يزجر المجرمين فاسدي الخلاق ويوقفهم عند الحد الذي يصلح للبقاي ولا بد أن يكون ذلك الزاجر قاطعا للدابر الجريمة كي لا يكون لها أثر بين الناس فمن مصلحة المجتمع ومصلحة المجرمين أنفسهم أن تكون العقوبة زاجرة بصرف النظر عن تفاوت حال المجرمين في الرقة والخشونة أو الذكورة والنوثة فإن ذات الجريمة واحدن وآثارها الضارة واحدة ولا يليق بعاقل مشرع أن يقول : إن المحرم الذي يهاجم أعراض الناس فيثلمها بلسانه كذبا وافتراء لا يستحق عقوبة الضرب الموجعة .
بل الواجب أن يقول : إن هذه الجريمة لها اسوأ الأثر بين الأفراد والجماعات فيجب أن توضع لها عقوبة تقلعها من أساسها فالعقوبة التي وصفها الله تعالى لازمة ضرورية .
فعلى المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن ينزهوا ألسنتهم عن قذف الناس بهذه الفاحشة إن لم يكن خوفا من العقوبة الدنيوية فخوفا من الله الذي وصفهم بأنهم ( فاسقون ) .
أما المستهترون الذين لا يبالون أمر الله D ولا يخشونه فإن هؤلاء أحط من الأنعام فلا زاجر لهم إلا بما يؤذيهم وإلاتمادوا في نهش أعراض الناس بدون حساب ( 1 ) .
( 1 ) ( إن لله تعالى في طي كل مصيبة نعمة وفي كل بلية رحمة وإن لم يطلع على ذلك صاحبها ففي إقامة الحدود تأديب للمؤمنين وتربية لنفوسهم على الخير والبعد عن مواطن الشر وتطهير لألسنتهم والتحفظ بها عن الخوض في أعراض الناس وحفظا لهم من أن يقعوا في معصية الله تعالى ويصبحوا من الفاسقين وفي تشريع الحدود تطهير للمجتمع من الشرور والمفاسد التي تهلكهم وتفرق بين صفوفهم وإذا قارنا بين المجتمع الذي نعيش فيه وبين المجتمع الذي كان في عهد الرسول الله A أدركنا الفرق الكبير والبون الشاسع بينهما . وذلك لإقامة الحدود في عهده وعهد الخلفاء الراشدين من بعده )