- أما حد السرقة ( 1 ) فقد بينه الله تعالى بقوله في كتابه العزيز فقال : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } آية - 37 - من سورة المائدة .
أي اقطعوا اليد من كل واحد سرق سواء كان رجلا أو امرأة ( 2 ) .
( 1 ) ( حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة واجماع الأمة فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة . وأمر بقطع يد السارق ذكرا كان أو أنثى عبدا أو حرا مسلما أو غير مسلم . صيانة للأموال وحفظا لها . ولقد كان قطع يد السارق معمولا به في الجاهيلة قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطا معروفة كالقسامة والدية وغيرهما من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه في الجاهلية وزيادات هي من تمام المصالح للإنسانية . ويقال : إن أول من قطع في الجاهلية اهل قريشن قطعوا رجلا يقال له ( دويك ) مولى لبني عليج بن عمرو بن خزاعة لأنه سرق كنز الكعبة المشرفة فحكموا عليه بقطع يده . وأول سارق قطعه رسول الله A في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء - مرة بنت سفينان بن عبد الأسد من بني مخزوم وقطع سيدنا أبو بكر يد ( اليمنى ) الذي سرق العقد من أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق وكان اقطع اليد اليمنى فقطع أبو بكر Bه يده اليسرى . وقطع سيدنا عمر بن الخطاب يد - أبن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة ولا خلاف في ذلك . وقد لعن رسول الله A السارق الذي يبذل اليد الثمينة الغلية في الشياء الرخيصة المهينة وقد اعترض بعضهم على هذا الحكم وقال : كيف يحكم بقطع يد قيمتها في الدية خمسمائة دينار في ثلاثة دراهم ؟ وأجابوا عليه : بأن اليد لما كانت أمينة كانت ثمينة ولما خانت هانت - وقالوا : إن ذلك من أسرار أحكام الشريعة الغراء لأن الشارع جعل قيمة اليد في باب الجنايات بخمسمائة دينار حتى تحترم فلا يجنى عليها اما في باب السرقة فلما خانت الأمانة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يسارع الناس في سرقة الأموالز ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله D { جزاء بما كسبا نكالا من الله } أي تقطع مجازاة على صنيعها السيء في أخذها أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك ( نكالا من الله ) أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل وعبرة لغيرهما فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته ويجلب له الخزي والعار ويسقطه في نظر المجتمع وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم وارواحهم وأعراضهم . ومعى الآية الكريمة - أن كلا من السارق السارقة يجب قطع أيديهمان فإذا سرق الذكر حرا أو عبدا تقطع يده وإذا سرقت الأنثى تقطع يدها لأن كلا من الذنبين يقع من كل منهما فأراد الله زجر كل منهما ( والله عزيز ) لا يغالب ولا يقهر ( حكيم ) فيما يفعله ويشرعه فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة وتطهر المجتمع من المنكرات والمفاسد وتجلب له السعادة والأمان .
وذكر الله تعالى حد السرقة في كتابه العزيز ونص عليه ووضحه كما ذكر حد الزنا أيضا لأهمية كل منهما للمجتمع ونص على ذكر الذكر والأنثى فيهما وإن كانت الأحكام الشرعية مشتركة بينهما عند الإطلاق وتغليب وصف الذكورة وضمائرها في الكلام إلا ما خص الشرع به الرجال كالإمامة والقتال للتأكيد وحتى لا يظن ظان أن السرقة والزنا كما كان في الرجال أظهر كان الحد على الرجال دون النساء وإنما بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر السارق في هذه الآية قبل ذكر السارقة وفي آية الزنى بدأ بذكر الزانية قبل الزاني لأن حب المال عند الرجال أقلب من النساء والسرقة تقع من الرجال أكثر من النساء لذلك بدأ بذكر الرجال في حد السرقة ولما كانت شهوة الاستمتاع على النساء أغلب فصدرها تقليظا لتردع شهوتها وإن كانت قد ركب فيها الحياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله ولأن الزنى في النساء أعز وهو لأجل الحبل أضرن ولأن العار في النساء ألحق اذ موضعهن الحجب في البيوت والصيانة في المنازل . فقد ذكرهن في آية الزنى تغليظا واهتماما . وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد وهو العضو الذي يتناول المال وياخذه عقوبة له ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع أنه العضو الذي باشر الفاحشة به واتصل بالأنثى لآنه يوجد للسارق مثل اليد التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ووجد عوضا عنها ولكن لا يوجد للزاني مثل ذكره فإذا قطع لا يعتاض بغيره ولا يجد عضوا يسد مسده . وأيضا لأن قطع الذكر فيه إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله . فضرره على المجتمع أخطر وقوله تعلى { فاقطعوا } القطع معناه الإبانة والإزالة ولا يجب القطع إلا بوجود أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق وفي الموضع المسروق منه وفي صفته . فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف : .
البلوغ - فلا يقطع الصبي إذا سرق لنه غير مكلف في نظر الشريعة .
العقل - فلا يقطع المجنون لأن القلم مرفوع عنه حتى يفيق .
أن يكون غير مالك للمسروق منه فلا يقطع الأب إذا سرق من مال ولده ولا الولد إن سرق من مال أبيه .
وأن لا يكون له عليه ولاية فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده وكذلك السيد إن أخذ من مال عبده لا قطع بحال لأن العبد وماله لسيده ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه آخذ لماله .
وأن لا يكون محاربا في دار الحرب - وأن يكون مختارا غير مكره كالمجاهد إن سرق من مال الغنيمة وقد روي أن عبدا من مال الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي A فلم يقطعه وقال : ( مال الله سرق بعضه بعضا ) ولا تقام الحدود في ميدان الجهاد .
وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف : .
- 1 - وهي النصاب . على اختلاف بين العلماء في مقداره فلا يقطع من سرق أقل من النصاب .
- 2 - وان يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه فلا يقطع من سرق الخمر والخنرير وآلات اللهو والطرب .
- 3 - وان لا يكون للسارق ملك كمن سرق ما رهنه أو ما استأجره ولاشبهة ملك . كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال لأن له فيها نصيبا وروي عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه أتي برجل سرق مغفرا من الخمس فلم ير عليه قطعا وقال : له فيها نصيب .
أن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه لا يقطع فيه .
وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منهن فوصف واحد . وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق وجملة القول فيهن أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزهن فالدور والمنازل والحوانيت حرز لما فيها غاب عنها أهلها أو حضروا وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين والسارق لا يستحق فيه شيئا وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية الا ترى أن الإمام قد يجوز ان يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قوما دون قوم ففي التقدير أن هذا السارق مما لا حق له فيه فيقطع إذا سرق منه . وظهور الدواب حرز لما حملت وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت كان معه أهله ام لا سرقت بليل أو نهار . وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة والدواب على مرابطها محرزة كان معها أصحابها أم لا فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ومن ربطها بفنائها أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها .
والسفينة حرز لما فيها من المتاع والمال سواء كانت سائبة أم مربوطة فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه فربطها حرر وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة كالدابة التي بباب المسجد ومعها حافظ لها . إلا أن ينزلوا بالسفينة منزلا في سفرهم فيربطوها فهو حرز لها كان معها صاحبها ام لا . والساكنون معا في دار واحدةن كالفنادق التي يسكن كل رجل بيته على حدة أو عمارة الطلاب التي يسكن فيها كل طالب منهم في حجرة مستقلة يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا ضبط وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار . أما من سرق منهم من قاعة الدر شيئا قيمته نصاب فلا يقطع فيه وإن أدخله بيته أو أخرجه من باب الدار لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء إلا أن تكون دابة في مربطها أو دراجة مربوطة أو ما يشبهها من المتاعن فإنه يقطع فيها في هذه الحال .
تعريف السرقة وأركانها .
واركان السرقة ثلاثة لا بد منها سارق ومسروق وسرق ولكل منهم شروط كما سبق . والسرقة : أخذ العاقل البالغ نصابا محرزا أو ما قيمته نصاب ملكا للغير لا ملك له فيه ولا شبهة ملك على وجه الخفية مستترا من غير أن يؤتمن عليهن وكان السارق مختارا غير مكره سواء أكان مسلما أم ذميا أو مرتدا ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا . إذا وجدت هذه الشروط وجب إقامة الحد وهو قطع يد السارق اليمنى إن كانت سليمة فاما إن كانت مقطوعة' أو مشلولة فإنه تقطع اليد اليسرى وذلك فإجماع آراء علماء الأمة من غير خلاف منهم وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس تميل إليه الطباع البشريةن خصوصا عند الضرورة والحاجة ومن الناس من لا يردعهم عقل ولا يمنعهم الحياء ولا تذجرهم الديانة ولا تردهم المروءة والأمانة فلولا الزواجر الشرعيةن من القطع والصلب ونحوهما لبادروا إلى اخذ الأموال مكابرة من أصحابها على وجه المجاهرة أو خفية على وجه الاستمرار وفيه من الفساد ما لا يخفى فناسب شرع هذه الزواجر في حق المستمر والمكابر في سرقتي الصغرى والكبرى حسما لباب الفساد وأصلاحا لأحوال العباد . والعبد والحر في القطع سواء لإطلاق النصوص ولأن القطع لا يتنصف فيكمل في العبد صيانة لموال الناس .
مقدار النصاب .
الحنفية - قالوا : نصاب حد السرقة دينار أو عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة أو قيمة احداهما وقيل : إن غير الدراهم تعتبر قيمته بالدراهم وإن كان ذهبا ويشترط ان تكون رائجة واستدلوا على ذلك بما نقل عن أبن عباس وأبن أم أيمن Bهما قالا : كانت قيمة الممجن الذي قطع فيه على عهد رسول الله A عشرة دراهم - وما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أه قال : قال رسول الله A : ( لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن ) وكان ثمن المجن عشرة دراهم قالوا : فهذا أبن عباس وعبد الله بن عمرون قد خالفا أبن عمر في ثمن الممجن فالاحتياط الأخذ بالأكثر لأن الحدود تدرأ بالشبها وفي الأقل شبهة عدم الجنايةن وعلى هذا فالأخذ بالأكثر أولى وهة أدخل في باب التجاوز والصفح عن يسير المال وشرف العضو .
المالكية - قالوا : نصاب حد السرقة ثلاثة دراهم مضروبة خالصة فمتى سرقها أو مما يبلغ ثمنها فما فوق من العروض والحيوان وجب إقامة الحد عليه وقطع يده واحتجوا على ذلك بما روي عن نافع عن أبن عمر رضي الله تعالى عنهم ان رسول الله A قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم كما اخرجه الصحيحان البخاري ومسلم - قال الإمام مالك C : وقطع عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في أترجة قومت بثلاثة دراهم وهو أحب ما سمعت في ذلك وهذا الأثر عن سيدنا عثمان Bه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن ابيه عن عروة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق في زمن سيدنا عثمان أترجة فأمر بها عثمان ان تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثن عشر درهما بدينار فقطع عمان يده قال المالكية : ومثل هذا الصنع يشتهر ولم يكر فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي قالوا وفيه دليل على جواز القطع في الثمار وعلى اعقبار ثلاثة دراهم في نصاب حد السرقة فإن لم يساوها ولو ساوى ربع دينار لا يقطع .
( يتبع . . . )