أما غير المتزوج فقد قدرت له مائة جلدة لما عرفت من أنه لم يعرف معنى الغيرة على الزوجة فكان له حق في التخفيف ( 1 ) .
جلد غير المحصن .
( 1 ) اتفق الفقاء على ان البكرين الحرين العاقلين البالغين المسلمين إذا زنيا فعلى كل واحد منهما الجلد مائة جلدة وذلك ثابت في كتاب الله تعالى حيث قال الله D ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من الؤمنين ) .
قال المفسرون خصصت هذه الآية بلأحاديث الواردة في رجم المحصن وبقيت في حكم غير المحصن .
كيفية قانون حد الجلد .
قال الفقهاء : ضرب التعزير أشد من ضرب الزنا وضرب الزنا أشد من ضرب شارب الخمر وفي حالة الجلد لا يضرب بسوط جديد حتى لا يزيد الألم ولا بسوط قديم بال حتى لا يؤلمه الضرب وإنما يضرب بسوط وسط مصنوع من الجلد قالوا : ولا يمد المضروب ولا يشد ولا يبالغ الجلاد في الضرب ولا يجرد من جميع ثيابه فيترك عليه قميص يستر عورته ويرفع عنه الفرو وثياب الجلد ويفرق الضرب إلى جميع الأعضاء حتى يعطى كل عضو حظه من الضرب لأنه قد ذاق اللذة في كل عضو ولأن جمع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف والإتلاف غير مستحق فيرق الضرب على الأعضاء كي لا يؤدي إلى الإتلاف المنهي عنه بقول النبي A ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان وارتداد بعد إسلام ومقتل نفس بغير نفس ) رواه الترمذي عن سيدنا عثان بن عفان Bه .
ويتقي في الضرب المقاتل كثغرة النحر والفرج والوجه لأنه يجمع بين المحاسن ولقول النبي A ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) وما روي عن سيدنا عمر Bه أنه قال للجلاد دق الرأس فإنه فيه شيطانا ويضرب الرجل قائما .
أما المرأة فتضرب جالسة مستورة ولا تجرد من ثيابها لأنه عورة مستورة وكشف العورة حرام إلا أنه ينزع عنه الحشو والفرو والجلد ليخلص الألم إلى جسدها حتى يحصل المطلوب من إقامة الحد وهو الشعور بالألم لتتزجر وتقلع عن الذنب وإنما تضرب وهي قاعدة . لقول سيدنا عمر بن الخطاب Bه : يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة ولأن مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور حتى يعتبر به غيره ومبنى حال المرأة على الستر والخفاء .
جلد المريض .
إذا كان المطلوب جلده نحيفا أو هزيلا شديد الهزال أو مريضا خبيثا لا يرجى برؤه كالمسلول والمجذوم والمصاب بالسرطان وغير ذلك من الأمراض الفتاكة الخطيرة يجلد بمكتال النخل أي ( عرجون عليه غصن ) وبه مائة غصن أو خمسون ففي المائة يضرب به مرة واحدة وفي الخمسين يضرب به مرتين مع ملاحظة مس الاغصان لجميع جسمه أو يضرب بطرف ثوب مفتول او يضرب بالنعال كما حدث أيام الرسول الله A فقد روي البخاري C وأبو داود أن أبا هريرة Bه قال : أتي النبي A برجل قد شرب الخمر فقال : اضربوه منا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله فقال E : ( ولا تقولواهكذا لاتعينوا عليه الشيطان ) .
فيفهم من الحديث جواز الضرب في حالة الحد بكل شئ يؤلم فيستعمل هذا في حالة المرض الشديد تيسيرا من الله على المرضى .
أما في حالة الصحة فلا يجوز استعمال هذه الآلات . حيث انه لا يؤدي الخرض المطلوب من إقامة الحد وهو التألم والانزجار عن الوقوع في الجلد فيتعين الضرب بسوط الجلد حتى يحصل المقصود .
واتفق الفقهاء على انه لا يجوز جلد الزاني في حالة الحر الشدي ولا في حالة البرد الشديد بل يجب تأخيره الى اعتدال الجو .
واتفق الأئمة على ان الزاني غير المجصن اذا كان مريضا بمرض يرجى برؤه لا يقام عليه الحد بل يؤخرويسجن حتى يبرأ منه كي لا يهلك اجتماع الضرب مع المرض .
حد النفساء والحامل .
اتفق الفقهاء على ان الرأة لاتجلد في حالة الحمل بل تؤخر حتى تضع الجنين تزول ألم اولادة وتبرأ من النفاس حفظا للجنين والمرأة لئلا يهلكا باجتماع الجلد وألم الولادة ومرض النفاس لما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه خطب المسلمين فقال : أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله A زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بالنفاس فخشيت إن جلدتها قتلتها فذكرت ذلك للنبي A فقال : ( أحسنت ) .
وروى الخمسة غير البخاري عن عمران بن حصين Bه : أن امرأة من جهينة أتت رسول الله A وهي حبلى من الزنا . فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعى نبي الله A وليها فقال : ( أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها النبي الله A فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟ ) .
فيؤخذ من الحديث إقامة الحد على العبد والأمة من ككان محصن أو غير محصن كما يؤخذ من الحديث تأخير الحد عن النفساء حتى تصح ويتم نفسها وترضع طفلها حتى يستغنى عنها رحمة بالجنين وهذا من يسر الإسلام .
الجمع بين الجلد والرجم .
المالكية والشافعية والحنفية - قالوا : لا يجوز الجمع بين الجلد والرجم على المحصن لأن حد الرجم نسخ حد الجلد ورفعه ولأن الحد الأصغر ينطوي تحت الحد الأكبر ولا تحصل منه الفائدة المرجوة وهو الزجر والإقلاع عن الذنب حيث أن الجاني سيموت .
الحنبلة قالوا : إن المحصن يجلد في اليوم الأول ثم يحد بالرجم في اليوم الثاني لما روي عن النبي A أنه جلد رجلا يوم الخميس ورجمه يوم الجمعة .
ولكن الراجح هو قول الجمهور لأن النبي A رجم ماعزا ورجم امرأة من جهينة ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه جلد واحدا منهما قبل رجمه .
قال الإمام الشافعي C فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر ساقط عن الثيب . وكل الأئمة عندهم رجم بلا جلد .
الجمع بين الجلد والتغريب .
اختلف الفقهاء في ذلك .
المالكية - قالوا : يجب تغريب البكر الحر الزاني غير المحصن بعد اقامة الحد عليه بعيدا عن موطنه الذي يقيم فيه مسافة قصر ولمدة عام لتقبيح الزنا في عين الزاني ورحمة به لبعده عن المكان الذي حصل فيه الزنا لانه يحصل له اذى وخزي كلما رآه اهل بلده وجيرانه ويحتقرونه في المساجد والمجتمعات ويحصل لهم الاثم من تعييره فتغريبه أفضل له ولهم .
وأما المراة الزانية فلا تغريب عن بلدها خوفا من شيوع الفتنة وإنتشار الفساد ولإنها عورة وفي تغريبها تضييع لها وقد نهى الشارع أن تسافر المرأة بغير ذي رحم محرم معها والواجب عليها الجلوس في عقر بيتها والبعد عن المجتمع وهو الامساك في البيوت .
الحنفية - قالوا : لا يجوز الجمع بين الجلد والتغريب لان التغريب لم يذكر في آية النور فهو زيادة على النص التغريب ثابت بخبر واحد فلا يعمل به ولا يكون من تمام الحد وإنما يترك الرأي للإمام ويكون من باب التعزير فإن رأي الإمام فيه فائدة غربه وإن ير فيه فائدة فلا يبغده عن وطنه وقال الإمام أبو حنيفه في هذا المقام حكمته الشهورة : ( كفى بالنفي فتنه ) . وما فعله بعض الصحابة كان باجتهاده .
الشافعية والحنابلة - قالوا : إنه يجمع في حق الزانيين البكرين الحرين العاقلين بين الجلد والتغريب إلى حد قصر فيه الصلاة حتى يحصل لهما الوحشة بالبعد عن الاهل والوطن فيحصل فيه زجر عن الوقوع في الخطيئة . وبه حكم ابو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والإمام علي Bهم حتى قال بعضهم : وأرى فيه الإجماع لما ثبت ان عمر غرب الى الشام وعثمان غرب إلى مصر وعلي غرب الى البصره . وما روي أن النبي A قال : ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) وقوله A في حديث العسيف ( على ابنك جلد مائة وتغريب عام ) ويغرب الذكر والانثى على السواء مع ملاحظة ان يكون مع الزاني ذو رحم محرم على نفقتها في حالة غربتها يرافقها ويقيم معها