مبحث حكم الغناء .
اختلف العلماء في حكم الغناء واستماعه .
الحنفية - قالوا : الغناء إما أن يكون من امرأة أو رجل فإن كان من امرأة وكان بصوت غير مرتفع بحيث لا يسمعه الناس فلا مانع منه أما إذا كان الغناء بصوت مرتفع يسمعه الأجانب فهو حرام وخصوصا إذا كان مشتملا على كلام مهيج للشهوة ومثير للفتنة كتحسين الخمور وأوصاف النساء أو دعوة إلى الحب والغرام إلى غير ذلك .
أما الرجل فإن كان غناؤه لدفع الوحشة عن نفسه أو كان لحماس الجند أو الحث على العمل والجهاد فهو جائز أما إذا كان الغناء مشتملا على ذكر الحب والغرام ويخشى أن تفتتن به امرأة أجنبية تسمعخ فيكون في هذه الحالة حراما كما هو حاصل في الإذاعة والسينمات ودور الملاهي والتمثيل . وكذلك غناؤه في حادث سرور مباح إذا كان بغير آلة ولم تكن فيه عبارات مهيجة ولم تحصل منه فتنة وكان الاجتماع غير محذور لا تختلط فيه النساء مع الرجال وكان الغناء على غير آلة لهو ولم يكن سببا لمحرم أما إذا لم يستوف هذه الشروط فغناؤه حرام كما هو الحال في الأغاني التي يذيعها المطربون والمغنون .
المالكية - قالوا : الغناء حرام على النساء وسماعه حرام . إلا إذا كانت الأغاني من الرجال بعبارات حماسية يف لاحرب أو تسلية للإبل على السير في الصحراء ولم تصحبه آلة لهو وطرب .
وقد سئل الإمام مالك - Bه - عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إن ما يفعله عندنا الفساق فقد روي عن ابن مسعود Bه أنه قال : قال رسول الله A : ( الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ) . وعن يزيد بن الوليد أنه قال : يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن لاخمر ويفعل ما يفعله السكر .
الشافعية - قالوا : إن الغناء الماجن مع آلات الطرب واللهو حرام على النساء والرجال وسماعه حرام فقد نقل عن الإمام الشافعي Bه أنه قال : الغناء لهو مكروه يشبه الباطل من استكثر منه فهو سفيه وترد شهادته .
الحنابلة - قالوا : الغناء حرام سواء أكان من النساء أم من الرجال إذا كان القول يثير الشهوة لمن استمع إليه أو أدى إلى اختلاط الرجال بالنساء أو خروج عن حشمة ووقار .
والاستماع يأخذ حكمه فإن الشخص إذا سمع وصف الخمر والصدر والخد والشدي وذكر وتحتد وباعث الشر وتستيقظ دوافع الفتنة وتنبه الآعضاء إلى لذة الفاحشة وذلك نصر لحزب الشيطان وتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب الرحمن فهو يؤدي إلى حرام وما أدى إلى حرام فخو حرام كالنظر إلى الأجنبية بشهوة أو لمسها أو الخلوة بها .
الزنا معطل للنسل الصالح .
إن الإسلام بتشريعه حد الزنا وعنايته التامة بإقامته واهتمامه الزائد بتنفيذ أمام طائفة من عباد الله المؤمنين ونزول الآبات الكثيرة بشأنه والنهي عن اقتراف مقدماته وأسبابه والاقتراب منه وتحريم الأشياء المقربة منه كالاختلاط والغناء والرقص وخلافه واعتباره من أعظم الفواحش ومن أكبر الذنوب ومقارنته بالشرك بالله تعالى وقتل الأنفس ووصفه في القرآن الكريم بأنه يكون سببا في مضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود في نار جهنم وأنه يسبب المقت والمهانة ويجلب على صاحبه العار والفضحية ويجرفه إلى أسوأ السبيل وقول النبي A ( بأنه يخلع الإيمان من قلب الزاني والزانية كما يخلع الرجل قميصه من عنقه ) وتشريع ضرب الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت هو أشنع عقاب وأشد عذاب في التشريع .
فالإسلام يقصد من وراء ذلك كله إلى صيانة الأعراض أيما وحفظها من التلوث والدخالة لأن الأعراض الطاهرة تستوجب الطمأنينة السعيدة في الأسرة وتنبت ذرية قوية صالحة وأفرادا شرفاء فضلاء وأشبالا أشداء أقوياء ترفع الإنسانية وتسمو بها وتعلي من قدرها وما من شك في أن الأسرة المتهدمة والعائلة المتفرقة لا تكون أمة نبيلة ولا شعبا كريما لأن بناء المجتمع الصالح إنما يكون من لبنات متينة قوية متماسكة . والشعوب التي يفشو فيها الزنا وتظهر فيها الفاحشة وتنتشر بينها المفاسد يسارع إليها الخراب المادي والأدبي وينتشر فيها الفساد الخلقي انتشار النار في الهشيم وينخر فيها المنكر كنخر السوس في الخشب ويستحيل أهلها إلى شراذم متهدمة لا تناصر بينهم ولا تعارف ولا محبة ولا تآلف لعدم وجود عاطفة القرابة ورابطة الأخوة والدم فتتنافر وتتشاحن وتتفرق وتذهب قوتها وهيبتها وتضيع كرامتها .
وقد أشار ذلك الرسول صلوات الله وسلامه عليه حيث قال : ( لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) .
فالزنا من الأسباب التي تقوض دعائم الأمم وتهدم مجدها وتجلب لها الذل والاستعمار لأنه معطل للنسل القوي الصالح المتناصر وقاتل للنخوة والشهامة ومميت للجرأة والشجاعة وقاطع للرحم التي تربط بين الناس والتي على نظامها وتقديرها تبنى كافة الروابط الإنسانية من الأبوة والنبوة والآخوة وسائر القرابات .
ولهذا كان النبي A يفتخر بحسبه ونسبه وأن الله حفظ أصله وآباءه من هذا الوباء فقال A : ( ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح ) وولد الزنا لا يغار على وطن ولا إلى أهل وكان من قول الخنساء Bها وهي تنصح أولادها الأربعة في حرب القادسية وتحرضهم على الثبات والجلد والقتال : ( أي بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حشبكم ولا غيرت نسبكم ) فهي تشير إلى أمر مهم في القتال وهو أنهم قد ولدوا من بطن طاهر ومن أصل طاهر ومن حسب نقي ومن أبوين عفيفين غير ملوثين )