- معنى هذا الحديث ظاهر وهو أن امرأة من علية القوم اسمها فاطمة غلبت عليها رزيلة خلقية مرة واحدة في حياتها وهي سرقة شيء يستوجب إقامة الحد عليها بقطع يدها فعز على قريش أمرها لما لها من علو المنزلة ولكنهم كانوا يعلمون شدة استمساك الرسول صلوات الله عليه بإقامة حدود الله وتنفيذها على العظيم والضعيف والغني والفقير بنسبة واحدة . فوقفوا بإذاء ذلك حائرين ولكنهم ظنوا أن أسامة بن زيد يستطيع أن يشفع لها عند رسول الله A لأنه كان محبوبا عند الرسول كما كان أبوه زيد من قبل ولذا كان يلقب بالحب بن الحب . فأجابهم أسامة إلى طلبهم ومضى إلى رسول الله A وسأله العفو عن السارقة . فأنكر عليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه هذه الشفاعة وقال له : ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى أي ما كان يليق بك أن تجرؤ على هذا العمل ) .
ويظهر من هذا أن أسامة بن زيد كان يعلم أنه لا يصح الشفاعة في حدود الله تعالى بعد أن يصل أمر الجريمة إلى ولي الأمر ولهذا أنكر عليه النبي A ولو كان يجهل الحكم لعلمه إياه . ولعل اعتقاد أسامة في فاطمة المخزومية من كون هذه الخلة ليست عادة لها وأنها زلة قد لا تعود إليها هو الذي دفعه إلى الشفاعة فيها .
والواقع أن فطمة المخزومية هذه قد أصبحت بعد تنفيذ الحد عليها من الصالحات التائبات القانتات فلو تؤثر عنها أية رزيلة خلقية بعد ذلك .
على أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لم يقتصر على الإنكار على أسامة بن زيد بل جمع الناس وخطب فيهم مبينا لهم أن الإستهانة بمعاقبة الجناة إذا كانوا من العظماء والتشدد في معاقبة الضعفاء لا نتيجة له إلا هلاك الأمة وفنائها وقد هلك بسببه بعض الأمم الذين خلوا من قبل .
وأقسم رسول الله A أنه لا يتأخر عن تنفيذ حدود الله تعالى على بنته نفسها .
وذلك حق لا ريب فيه إذ لا معنى لهذا إلا إبطال القانون السماوي والقضاء على العدل والنظام فلو لم ينفذ القانون على القوي والضعيف بنسبة واحدة لكان ذلك تحريضا للقوي على انتهاك حرمات الضعيف والعدوان عليه وهو . أمن من العقاب . فإذا فرض و قوي الضغيف كان من حقه أن ينتقم لنفسه ومن أمن من وقوع العقاب عليه ويعتدي على غيره وهو آمن أيضا وهلم جرا . وذها هو عين الفوضى المقوضى لدعائم العمران الموجبة لهلاك الأمم وفنائها