- في النفقة على الآباء والأقارب تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : نفقة الآباء واجبة على أبنائهم وإن علوا . فعلى الولد الإنفاق على أبيه وجده لأبيه وجده لأمه أيضا بشرط الإعسار ولا يلزم الأب بالتكسب كما يلزم الابن ومثل الأب الأم . فإذا كان يقدر على إحضار قوت أحدهما قدمت الأم على الأب فإذا ادعى الابن أن أباه موسر كان عليه أن يثبت بالبينة فإن لم تكن له بينة فالقول للأب فإذا كان للأب ابن وبنت موسرين قسمت نفقته بينهما بالسوية على المعتمد وكذا إذا كان له ابنان فإنها تقسم بالسوية بينهما ولو كان أحدهما أكثر غنى من الآخر نعم إذا كان التفاوت بينهما كثيرا فإنه ينبغي أن يخص الغني بقسط أوفر من الإنفاق على والده وعلى الابن الموسر نفقة زوجة أبيه وعليه تزويجه ولو له زوجات وعليه نفقة واحدة فقط يسلمها لأبيه .
أما نفقة الأقارب فإنه لا ينظر فيها إلى الإرث وإنما ينظر فيها إلى القرب والجزئية فمن كان جزءا بسبب الولادة كالبنوة والأبوة كان مستحقا للنفقة إذا كان معسرا عليه النفقة إذا كان موسرا ويقدم بعد الجزئية الأقرب فالأقرب مثلا إذا كان له ولدان ذكر وأنثى لزمتها نفقته بالسوية لأنهما جزء منه وأقرب الناس إليه وإن اختلف نصيبها في الإرث . وإذا كان له ابن وابن ابن قدم الابن على ابنه لكونه أقرب إليه من ابن الابن . وإذا كان له بنت وابن ابن كانت نفقته على البنت لقربها وإذا كان له بنت وأخت شقيقة كانت نفقته على البنت فقط لقربها وجزئيتها وإذا كان له ابن نصراني وأخت فنفقته على ابنه وإن لم يرث وكذا إذا كان له ابن بنت وأخ شقيق كانت نفقته على ابن البنت . مع كون ابن البنت لا يرث مع الأخ الشقيق . وإذا كان له أب وابن وهما مستويان في القرابة والجزئية رجح الابن بحديث " أنت ومالك لأبيك " ومثلهما أم وابن وإذا كان له جد وابن قسمت النفقة بينهما أسداسا فعلى الجد السدس وعلى ابن الابن الباقي وذلك لأن نسبتهما إليه في القرابة واحدة فكلاهما يدلي إليه بواسطة لأن بينه وبين جده أباه وبينه وبين ابن ابنه ابنه ولا مرجح يرجح بينهما فتقسم النفقة بحسب ما يخص كل واحد منهما من الميراث فإذا كان له ابن وابن ابن كانت النفقة على ابنه لكونه أقرب إليه من ابن ابنه .
والحاصل أنه يقدم الأقرب فالأقرب من الأصول والفروع ثم بعد ذلك ينظر إلى الحواشي فيقدم الوارث : على أنك قد عرفت أن الموسر يلزم بالإنفاق مع وجود الأقرب المعسر .
والحاصل أنه ينظر أولا إلى الأصول والفروع ويعبر الفقهاء عنها بعمود النسب أو سلسلة النسب فيقدم الأقرب فالأقرب على الوجه الذي بيناه فإن استووا في درجة القرابة كجد وابن ابن ولا مرجح وزعت النفقة عليهما بقدر ما يستحقان من ميراث وإن وجدا مرجح قدم الأرجح كما إذا اجتمع للمعسر أب وابن فإن درجة القرابة واحدة ولكن يرجح الابن على الأب بحديث " أنت ومالك لأبيك " فإن كان الأقرب معسرا انتقلت النفقة إلى من يليه وقد عرفت مما مضى أن الزوجة إذا كان زوجها معسران وكان لها أخ أو عم أو كان لزوجها ابن من غيرها أو أخ فإن لها أن تأخذ نفقتها من واحد منهما على أن يرجع الزوج بما أخذته متى أيسر وكذا إذا كان لها أطفال ولهم أخ من غيرها أو لهم عم - أخ أب - فإن لها أن تأخذ من أيهما بدون ترتيب ذلك لأن النفقة في هذه الحالة على الزوج على المعتمد وهؤلاء كمقرضين فللزوجة أن تقترض ممن تراه موافقا لها بخلاف ما هنا فإن الكلام فيمن تفرض عليه النفقة ولا تفرض النفقة للأقارب إلا بشرط أن يكون المنفق موسرا أما الزوجة والأولاد فتفرض لهم النفقة ولو كان الأب أو الزوج معسرا فلا يشترط اليسار في هذه الحالة . وقد اختلفت آراء أئمة الحنفية في حد اليسار الذي تجب به النفقة على الوالدين والأقربين فقدره بعضهم بأن يكون الولد مالكا لنصاب الزكاة .
وبعضهم قال : الشرط أن يكون مالكا لما يحرم عليه به أن يأخذ الزكاة زائدا على حاجته الأصلية فلا يضر النقص عن نصاب الزكاة . وفصل بعضهم فقال : إن كان الولد مزارعا أو تاجرا يمكنه أن يدخر مالا فإن يساره يعتبر بأن يكون مالكا لنفقة شهر على نفسه وعلى عياله وما زاد يعطى لأهله وإن كان من أهل الحرف الذين يكسبون يوما فيوما فإن يساره يعتبر بأن يكون لديه نفقة يومه وعياله زائدا عليها ما يعطيه لأقاربه مثلا إذا كان يعمل بعشرة ويكفيه هو وعياله يوميا سبعة وجب عليه أن يعطي الثلاثة لأبويه وقد رجح المحققون هذا الرأي في الكسوب الذي يحصل على قوته يوما فيوما فإن كان الولد فقيرا وعنده عيال وله أب قادر على الكسب فإنه لا يحكم على الولد بنفقة أما إذا كان الأب عاجزا فإنه يحكم عليه بضمه إلى عياله ليأكل معهم فإنه لا يرهقه في هذه الحالة والأم حكمها دائما حكم الأب العاجز عن الكسب .
وكما تجب النفقة للأصول والفروع والأقارب العصب كذلك تجب لذوي الأرحام بشرطين : .
أحدهما : أن يكون طالب النفقة صغيرا فقيرا إذا كان ذكرا وفقيرا إذا كان أنثى ولو كبيرة فإذا كان ذكرا كبيرا قادرا على الكسب فلا تجب له نفقة نعم إذا كان عاجزا عجزا يمنعه عن الكسب أو كان طالب علم مستقيم فإن له النفقة وإذا كانت أنثى غنية أو لها صناعة تتكسب منها كأن تكون معلمة أو قابلة أو نحو ذلك فلا نفقة لها وكذا إذا كان لا يحسن الكسب أصلا لعدم معرفته حرفة أو عنده عته قيل : وكذا إذا كان من أسرة شريفة فلا يستطيع أن يخدم أو يحترف بحرفة دنيئة وقد رد هذا بعض الفقهاء بأن المرء مكلف بتحصيل قوته بصرف النظر عن كل اعتبار وقد رأينا كبار الصحابة ينزلون الأسواق ويبيعون الزبد واللبن ليحصلوا على قوتهم ولا معنى أن يقال : إن هذا لم يكن عيبا في وقتهم فإن الواقع أن هذا هو الشرف لا البقاء عالة على الناس فالصحيح أنه لا يصح الحكم للقوي القادر على الكسب على رحمه بل يؤمر بالعمل في الحياة كي يحصل على قوته وربما ظفر بثروة بسبب جده واجتهاده . وحد الفقير المعسر الذي تجب له النفقة أن يكون ممن تحل له الصدقة . ثانيهما : أن يكون المنفق موسرا فلا تجب نفقة ذوي الأرحام إلا على القادر الموسر وقد عرفت أن اليسار شرط لوجوب نفقة الأقارب جميعهم إلا الأولاد الصغار والزوجة ويجبر المنفق على دفع النفقة لأقاربه ويحبس من أجلها على المعتمد .
فإذا كان للفقير أقارب متعددة من أرحامه توزع عليهم نفقته بحسب ميراثهم مثلا إذا كان له أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم كان عليه نفقتهن حسب ميراثهن منه بعد موته وهو أن الأخت الشقيقة لها النصف والأخت لأب لها السدس والأخت لأم لها السدس فالمسألة من ستة لأن فيها السدس : لأخته الشقيقة ثلاثة ولأخته لأمه سهم ولأخته لأبيه سهم وبقي سهم يرد عليهن فعلى هذا تلزم أخته الشقيقة بثلاثة أخماس والأخت لأم بخمس والأخت لأب بخمس فإذا كان له أخ شقيق وأخ لأم وأخ أب فعلى الأخ لأم السدس والباقي على الأخ الشقيق ولا شيء على الأخ لأب لأنه لا يرث فهو محجوب بالأخ الشقيق فإذا كان مع إخوته أو أخواته ابن معسر فإنه لا يعتبر مانعا لهم من الإرث بل يعتبر كالميت إلا إذا كان قادرا على الكسب فإنه يؤمر بالتكسب لينفق على نفسه وعلى أبيه على ما تقدم فإذا عجز الولد عن الكسب كانت نفقته على عمته الشقيقة أو عمه الشقيق وذلك لأن الأب المعسر كالميت فيعتبر الوارث له عمه أو عمته ولو كان مع إخوته أو إخوانه بنت كانت النفقة على الأشقاء فقط وذلك لأن البنت ترث من عمتها الشقيقة ومع عمها الشقيق ويسقط بها غير الشقيق وإنما لم تعتبر البنت كالميت لأن الذي يعتبر كالميت هو الذي يأخذ كل الميراث كالابن أما البنت فلا تأخذ الكل فتعتبر وارثة مع غيرها . وإذا كان لمستحق النفقة أم موسرة وأخت شقيقة موسرة وأخت لأب معسرة وأخت لأم معسرة كان ميراثهن كالآتي : للأخت الشقيقة النصف وللأم السدس وللأخت لأب السدس وللأخت لأم السدس فنصيب الأم والشقيقة أربعة فتقسم النفقة بينهما أرباعا : ربعها على الأم وثلاثة أرباعها على الأخت الشقيقة وعلى هذا القياس .
واعلم أن الذي تجب عليه النفقة من ذوي الأرحام يشترط أن يكون رحما قريبا محرما فابن العم لا تجب عليه لأنه وإن كان رحما لكنه غير محرم وأرحام الرضاع ليسوا بأقرباء فلا تجب عليهم ولا لهم نفقة .
هذا ولا تجب نفقة الأقارب مع الاختلاف في الدين فلا تجب النفقة على المخالف في الدين إلا لزوجته وأصوله وفروعه فلو تزوج ذمية وجبت عليه نفقتها وكذا إذا كان له والد مسلم وهو ذمي وبالعكس فإن نفقة كل منهما تجب للآخر .
المالكية - قالوا : تجب نفقة الوالدين على أولادهم بشروط : الشرط الأول : أن يكون الولد حرا فلا تجب على الرقيق . الثاني : أن يكونا معسرين أي لا يقدرا على كفاية أنفسهما فإن قدرا على بعضها وجب عليه أن يكمل لهما . الثالث : أن لا يكونا عاجزين عن الكسب أما إذا كانا قادرين على الكسب فإن نفقتها لا تجب على الولد وأجبرا على الكسب . الرابع : أن يكون الولد موسرا بالفعل فإن كان موسرا بالقوة أي قادرا على التكسب فإنه لا يجبر على التكسب لينفق على والديه كما لا يجبر الوالد على التكسب لينفق على ولده . الخامس : أن يثبت فقرهما بشهادة عدلين فلا يكفي عدل واحد ويمين كما لا يكفي عدل وامرأتان وإذا ادعى الولد الفقر فهل عليه إثباته بالبينة أو عليهما هما إثباته ؟ تردد فبعضهم قال : إن على الولد الإثبات وبعضهم قال : إن الإثبات عليهما . السادس : أن يفضل من قوته وقوت زوجاته وأولاده ودابته وخادمه المحتاج إليهما فإن لم يفضل منه شيء فلا تجب عليه نفقتهما ولا يشترط الإسلام فتجب نفقة الأب الكافر على ابنه المسلم وبالعكس .
هذا ويجب على الولد الموسر نفقة خادم والديه وإن لم يحتاجا إليه بخلاف خادم الولد فلا تجب على الوالد نفقته وكذا يجب عليه نفقة خادم زوجة أبيه إن كانت أهلا للخادم وكذا يجب على الولد إعفاف أبيه بزوجة أو أكثر إن لم تعفه الواحدة والقول في ذلك للأب ويجب عليه الإنفاق على من يعفه من الزوجات ولو تعددت أما إذا كانت تعفه واحدة وتزوج بأكثر فإن الولد لا تجب عليه إلا نفقة واحدة فقط والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن إن لم تكن إحداهما أمة أما إن كانت أمة فإنها تتعين ولو كانت غنية ولا تجب النفقة بالقرابة سوى للوالدين ولا يجب على الولد نفقة جده ولا جدته لا من جهة الأب ولا من جهة الأم كما لا تجب على الجد نفقة ابن الابن ولا بنت الابن وهلم جرا وإذا تزوجت الأم من فقير فإن نفقتها لا تسقط عن الولد وإذا تعدد الأولاد الموسرون وزعت النفقة عليهم بحسب حال كل منهم في اليسر .
الشافعية - قالوا : يجب للوالدين على ولدهم النفقة بشروط : الأول أن يكونا معسرين بحيث لم يملكا قوتا وأدما ومسكنا يليق بهما ولا تجب المبالغة في الإشباع . الثاني : أن يكون الولد موسرا ولو بكسب يليق به ذكرا كان أو أنثى . الثالث : أن يكون لدى الولد ما يفضل عن مؤنته ومؤنة زوجته وأولاده يوما وليلة وإلا فلا تجبن ولا يشترط أن يكون الوالدان عاجزين عن الكسب كما لا يشترط الإسلام فلو كانا كافرين والولد مسلم أو العكس فإن النفقة تلزمه ويجب على الولد إعفاف أبيه بتزويجه والإنفاق على زوجته ولا يجب على الوالد تزويج ابنه بشرط أن يكون الولد موسرا حرا وأن يكون الوالد حرا عاجزا عن إعفاف نفسه وإن تكون له حاجة إلى الزواج والقول قول الأب في الحاجة بلا يمين ولكن لا يحل له أن يطلب التزويج إلا إذا كانت له رغبة صادقة في التزوج بحيث يضر به تركه فإذا كان حاله يدل على ضعفه كأن كان به شلل أو به استرخاء فإنه لا يجاب إلى طلبه أو يحلف بأنه في حاجة إلى النساء ويصح للابن أن يعطيه أمة أو يعطيه ثمنها أو يعطيه مهر حرة فإن كان له أولاد متعددون يوزع عليهم إعفافه والإنفاق عليه حسب إرثهم منه على المعتمد فإذا كانوا ذكورا وإناثا كان على الذكر ضعف ما على الأنثى من مؤنته وإعفافه فإذا استووا في الإرث كانت نفقته عليهم بالسوية سواء تفاوتوا في اليسار أو لا ولو كان أحدهما موسرا بمال والآخر موسرا بكسب . فإذا غاب أحدهم أخذا ما عليه من ماله فإن لم يكن له مال اقترض من نصيبه من غيره إن أمكن فإن لم يمكن اقتراضه أمر الحاكم أحد الحاضرين بالإنفاق بقصد الرجوع على الغائب أو على ماله إن وجد وتجب النفقة على أصله وإن علا كجده وجد جده كما تجب النفقة على ابنه وإن سفل .
الحنابلة - قالوا : تجب النفقة على الولد لوالديه وإن علو كما تجب على الوالد نفقة ولده وإن سفل بحسب ما يليق بهم عرفا بثلاثة شروط : .
الأول : أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم وكسب يستغنون به عن الإنفاق فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم فإن كان لديهم ما يكفيهم بعض حاجتهم وجب عليه تكملة ما يكفيهم . الثاني : أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم منه بشرط أن يكون زائدا عن نفقة نفسه وزوجته إما من ماله أو من كسبه فمن لا يفضل عنده شيء لا تجب عليه نفقة .
الثالث : أن يكون المنفق وارثا للمنفق بفرض أو بعصب إن كان من غير عمود النسب أما عمود النسب فإنها تحجب ولو لم يرث فعلى الولد أن ينفق على أبيه المعسر وعلى زوجة أبيه وعلى إخوته الصغار وإن تعدد المنفق كانت النفقة عليهم بقدر إرثهم فإذا كانت له أم وجد لأب كانت النفقة على الأم الثلث والباقي على الجد لأن الأم في هذه الحالة ترث الثلث والباقي لجده لأبيه وإذا كانت له جدة وأخ شقيق أو لأب كانت نفقته على الجدة السدس والباقي على الأخ وإذا كانت له أم وبنت قسمت النفقة عليهما أرباعا على الأم الربع وعلى البنت الباقي وذلك لأن البنت لها النصف فرضا وللأم السدس فرضا ثم يرد عليهما الباقي فيكمل للأم منه الربع وتأخذ البنت الباقي وعلى هذا القياس إلا الأب فإنه ينفرد بالنفقة وحده ولا نفقة لذوي الأرحام كما لا نفقة عليهم )