هذا وقد تقدم في صحيفة 159 أن المالكية يقولون : إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازا يناسب مثلها لمثل زوجها وعلى هذا إذا قبضت المرأة صداقها بالشروط المفصلة هناك فإنها ملزمة بأثاث المنزل وحاجاته وللزوج الحق في الانتفاع بهذه الأشياء من فرش وغطاء ولباس وآنية فيستعمل من ذلك ما يجوز له أن يستعمله وإذا امتنعت قضي له بذلك وليس لها بيع جهازها إلا بعد مضي أربع سنين وهو بين زوجها يستمتع به فإذا خلق الجهاز فإن الزوج لا يلزمه ببدله إلا الغطاء والفرش فإنه يلزمه لأنه ضروري فإذا جدد شيئا من جهازها وطلقها فإنها لا يقضى لها بأخذه .
هذا إذا قبضت الصداق أما إذا لم تقبضه وتجهزت من مالها فله الانتفاع به حتى يبلى ولكن ليس له منعها من بيعه نعم له الحجر عليها في التبرع بما زاد على الثلث .
الشافعية - قالوا : يفرض على الزوج المعسر لزوجته في فجر كل يوم مد من الطعام والمد عند الشافعية بالوزن مائة وأحد وسبعون درهما وثلاثة أسباع درهم أما منزلة المد من القدح المصري فهو نصف قدح إلا عشرة دراهم وخمسة أسداس درهم لأن القدح المصري مدان إلا ثمن فالمد نصف قدح إلا قليلا ومن أراد الاحتياط فليقل : نصف قدح . . والقدح ثمن كيلة مصرية .
فزوجة المصري لها نصف قدح من غالب قوت أهل بلدها وحد العسر هو من لا مال له أصلا أو له مال ولكن لا يكفيه لو وزع على عمره الذي يعيش إليه غالبا فإن وصل إلى السن الذي يعيش فيه أمثاله غالبا فإنه يكون معسرا إذا لم يكفه سنة مثلا يوزع ما يملكه عليه هو ومن تلزمه نفقاته كل يوم فإن زاد عنده مد ونصف لم يكن معسرا بل متوسطا فيقضى لها بمد ونصف وكذا إذا زاد عنده بعد التكاليف مدان فإنه يكون موسرا .
والحاصل أن المعسر عندهم من لا يقدر إلا على مد واحد بعد توزيع ماله عليه وعلى من تجب عليه نفقته العمر الغالب إن كان عنده مال فإن لم يكن عنده مال فكذلك فالمد أقل نفقة تجب على الزوج المعسر فإن زاد الفاضل عنده على مد ولكنه لم يبلغ مدين فإنه يكون متوسطا فيقضى عليه بمد ونصف فإن بلغت الزيادة مدين فإنه يكون موسرا ويقضى عليه بمدين أي قدح مصري إلا ثمن تقريبا .
الشافعية - يعتبرون تقدير النفقة بهذا الاعتبار ولا يعتبرونها بكفاية الزوجة لأن الزوجة قد تكون مريضة أو لا تستطيع أن تأكل لأمر ما فلها هذا القدر وهي تتصرف فيه كما تحب إلا إذا اتفقت على أن تأكل معه فإن نفقتها تسقط في هذه الحالة ولا بد أن يدفع لها الحب فلا يجزءه أن يدفع الدقيق أو القيمة أو الخبز ولا بد أن يكون الحب سليما من السوس ونحوه فإذا بذل غير الحب فإنها لا تلزم بقبوله فإذا تجمد لها نفقة ماضية فإن لها أن تأخذ من الزوج ومن غيره ممن ينيبه عنه عوضا نقودا وثيابا ونحو ذلك أما النفقة المستقبلة فليس لها أن تأخذ عوضا نقودا لا من الزوج ولا من غيره أما النفقة الحاضرة وهي نفقة اليوم فإنه يجوز لها أن تأخذ عوضها نقودا إلا من الزوج خاصة بحيث لو فعله فيها غيره فإنه لا يصح إلا إذا كان العوض ربا فإنه لا يجوز على أي حال كخبز عن بر أو دقيق عن حب .
ويجب عليه الطحن والعجن والخبز ولو اعتادته بنفسها فإنه لا يلزمها ثم يفرض عليه بعد ذلك اللحم المناسب لحاله والأدم المعتاد من خضر وخبز وسمن وعسل ونحوها ثم إن كان اللحم يكفي فذاك وإلا وجب عليه أن يكمل لها الأدم وتجب الفاكهة لمن اعتادتها زيادة على الأدم ومثل الفاكهة ما اعتيد فعله في أيام الموسم من كعك ونقل وسمك وحلوى في عاشوراء ونحو ذلك وكذا يجب عليه ثمن القهوة والدخان إن اعتادتهما الزوجة وكذا ما يلزمها وهي وحمى كما إذا وحمت على ملوحة ونحوه ويجب أن يملكها إياه بحيث لو فاتها ترجع عليه به ويجب عليه الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه أما الاغتسال بسبب غيره كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه وتجب عليه الآلات اللازمة للطبخ والشرب بحسب ما يناسب حال كل زمان وكذا يجب عليه آلة تنظيف كمشط ودهن وصابون ونحو ذلك وعليه أجرة الحمام المعتاد لأمثالها في كل شهر أو في كل جمعة حسب العادة أما الخضاب والزينة " التولت " فإنها لا تجب عليه لأن ذلك تابع له فما يراه زينة لها فإنها تلزم به ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك .
هذا ما يتعلق بالطعام والشراب وما يتبع ذلك أما الكسوة فتقدر لها منها كفايتها في كل فصل من فصول السنة وهي تختلف باختلاف طولها وقصرها واختلاف حال الزوج من اعسار ويسر واختلاف عادة الناس واختلاف الحر والبرد وهكذا ويتبع الكسوة فرش المسكن بما هو معتاد من حصر وبساط وغطاء وكل ذلك يتبع القاضي في تقديره عادة المحل حتى ولو كانت ممن لا تفرش دارها لا يفرش لها وتعطى الكسوة كل ستة أشهر مرة فإن تلفت ولو بلا تقصير فلا حق لها في غيرها .
ويجب لها مسكن يليق بحالها لا بحاله هو ولو كان معدما سواء كان مملوكا أو مكترى ويجب عليه أن يأتيها بخادم ولو كان معسرا بشرط أن يكون مثلها ممن يخدم وإن لم يخدم بالفعل وأن تكون حرة وإلا فلا يجب عليه الخادم إلا إذا كانت مريضة أو هرمة فإنه يجب لها خادم وإن لم تكن ممن يخدم عادة ويشترط أن يكون الخادم ممن يحل نظره للزوجة من أمة أو صبي أو ممسوح وعليه إطعام الخادم مما يليق به فله مد وثلث على الموسر . ومد واحد على متوسط ومعسر .
الحنابلة - قالوا : أما الطعام والشراب وما يتعلق بهما فإنه يجب عليه أن يدفع لها الخبز والأدم الكافي لمثلها فلا تلزم بالحبوب ولا بالبدل فإذا تراضيا على شيء فإنه يصح ويجب عليه عند طلوع شمس كل يوم وإن اتفقا على تعجيله أو تأجيله مدة خاصة فإنه يصح وإذا أكلت الزوجة معه عادة سقطت نفقتها .
وإن رضيت بالحبوب لزمته أجرة طحنها وخبزها وعليه أدم الخبز المناسب لها وجرت عادة أمثاله بأكله من أرز ولبن وغيرهما وإن سئمت أدما خاصا عليه أن ينقلها إلى غيره وعليه أدوات الطبخ والوقود . ويفرض لها اللحم في كل أسبوع مرتين . في كل مرة رطل عراقي وهو 129 درهما تقريبا فهو أقل من الرطل المصري . لأن الرطل المصري 144 درهما وعليه تبييض النحاس عند الحاجة . ويجب عليه أن يجلب لها الماء اللازم لنظافتها وغسلها ووضوئها وشربها وما تحتاج إليه من إنارة ودهن أو سمن أو زيت للطبخ حسب عادة قومها . وإذا طلبت مكان الخبز حبا أو نقودا فإنه لا يلزمه ذلك وكذا إذا أعطاها بدله فلا يلزمها أخذه إلا إذا تراضيا على أخذه ومع هذا فلكل منهما الرجوع بعد التراضي .
وعليه مؤنة نظافتها من صابون ودهن لرأسها ومشط ولا تجب عليه أدوات الزينة كالحناء والخضاب وشراء الحلي " التواليت " ونحو ذلك وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ما تتزين به وكذا إذا كره منها شيئا كرائحة ونحوها فإنه يجب عليه أن يحضر لها الدواء الذي يزيلها .
وإن كانت الزوجة ممن لا يخدم مثلها نفسه فإنه يجب عليه أن يحضر لها خادما يخدمها بكراء أو شراء بشرط أن تكون حرة فلا خادم للأمة ولا يصح أن يكون الخادم ممن يحرم نظره إليها فلا يحل له أن يأتيها بخادم بالغ شاب بل ينبغي أن يكون الخادم صغيرا أو ممسوحا أو امرأة وإذا قال لها : أنا أخدمك بنفسي فإنها لا تلزم بقبوله وللزوج تبديل الخادم بغيره بدون اعتراض ولو كانت خادمة ألفتها الزوجة ويلزمه نفقة الخادم وكسوته بحسب ما يليق بالخادم .
وأما الكسوة فإنها تفرض لها بحسب حالها أيضا فإن كان مثلها يلبس حريرا فرض لها الحرير وإلا فالقز والقطن حسب حالها وتقدر حسبما اعتاده الناس ويلاحظ فصل الشتاء فيزداد فيه ما يقيها البرد وينبع الكسوة فرش المنزل من حصر وبساط ولحاف ومخدة ومرتبة ونحو ذلك فإنه يلزمه ويفرض عليه وينظر في كل ذلك لما جرت به عادة أمثالها ولا يلزمه أن يأتيها بالثياب التي تتزين بها عادة كبذلة العيد والفرح ونحو ذلك وعليه ما تغطي به رأسها أو تلبسه في رجلها أما الإزار التي تخرج به " الحبرة " أو " البالطو " فإنه لا يلزمه . وأما المسكن فإنه يفرض لها حسب حالها بحيث يكون مشتملا على الأدوات المطلوبة من آنية وفرش على الوجه المتقدم )