- وقد عرفت أن للظهار حكمين : أخروي وهو الاثم المستوجب لعقوبة الله فتجب منه التوبة والعزم على عدم العود والله يقبل التائب ويغفر له ذنبه ودنيوي وهي الكفارة .
وفي وقت وجوب الكفارة على المظاهر تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : تجب عليه كفارة الظهار عند عزمه على استباحة وطئها عزما مستمرا لا رجوع فيه وذلك لأنه حرم وطأها عليه بالظهار منها ولا تجب عليه الكفارة إلا بالعود إلى استباحة الوطء كما قال تعالى : { ثم يعودون لما قالوا } أي يعودون لتحليل ما قالوا أي ما حرموه بقولهم أو يعودون لنقض ما قالوا ومعنى يعودون على هذا يصيرون لأن العود معناه الصيرورة ومنه قوله تعالى : { حتى عاد كالعرجون القديم } أي صار ويصح أن يكون المراد يرجعون عما قالوا فتكون اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عن قولهم الأول وعلى كل حال فرجوعهم عن قولهم أو عودتهم لتحليل ما ترتب عليه من تحريم زوجاتهم أو عودتهم إلى نقضه فإنما يكون بالعزم على استباحة الوطء عزما مستمرا بحيث لو عزم ثم بدا له أن لا يطأ لا تجب عليه الكفارة .
فإن قلت : إذا ظاهر منها ثم تركها ولم يعزم على استباحة وطئها ولم يكفر حتى مضت مدة أربعة شهور فهل تبين منه بذلك كما لو آلى أن لا يقربها أربعة شهور . أو لا ؟ .
والجواب : تبين لأن الإيلاء لا يتحقق إلا باليمين أو بالتعليق على أمر شاق على النفس والظهار ليس بيمين لأنه منكر من القول وزور . ولا تعليق فيه وقد يقال : إن الزوج قد يظاهر من امرأة لكراهته إياها ثم يتركها كالمعلقة فلا يطؤها ولا يكفر فيكون ضرر الظهار أشد من ضرر عدم الوطء والجواب : أن الحنفية لهم رأيان في مثل هذه الحالة فمنهم من يقول : إن قواعد المذاهب وإن كانت تقضي بعدم إجباره على الوطء إلا في العمر مرة واحدة فلا يمكن إجبار المظاهر على التكفير ليرفع الضرر على امرأته بالوطء ولكن من حيث أن الظهار معصية حرمها الله تعالى وجعل لرفع هذه المعصية حدا في الدنيا فإنه يجب على القاضي إلزامه بالتكفير بالحبس أولا فإن لم يفعل يضربه إلى أن يكفر أو يطلق ومنهم من يقول : إن الرجل مكلف بإعفاف المرأة ودرء الفساد عنها فإذا هجرها حتى طالبته بالوطء كان معنى ذلك توقانها فليس من الدين أن يقال لها : متى جاءك مرة فقد سقط حقك لأن في هذا تعريضا لها للفساد بل الواجب في هذه الحالة إرغامه على إتيانها أو تطليقها وهذا الرأي هو المعقول المناسب وربما يكون القول مبنيا على ما إذا لم يتعمد قصد الضرر والإيذاء بأن عرض عليه مرض يمنعه من الوطء أو كان الوطء يضر صحته فإنه في هذه الحالة لا يرغم على شيء ويقال لها : متى أتاك مرة واحدة فقد سقط حقك إذ لا يليق في هذه الحالة أن تخرج المرأة على زوجها وتطالبه وهو عاجز فإذا استمر عجزه ورآها تواقة للرجال حرم عليه إمساكها كما بيناه في مبحث الطلاق السني والبدعي .
وإذا كان الظهار مؤقتا بوقت فإنه يسقط بمضي الوقت وإذا علق الظهار بمشيئة الله بطل أما إذا علقه بمشيئتها أو مشيئة زيد فإنها إذا شاءته أو شاء فلان في مجلس كان ظهارا وإلا فلا يحرم عليه أن يطأها أو يستمتع بها بقبلة أو مباشرة قبل إخراج الكفارة وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يخرج الكفارة فإن وطئ قبل إخراج الكفارة فقد أثم ولا تلزمه أخرى بالوطء وعليه أن يتوب ويستغفر من فعل هذه المعصية .
وبهذا تعلم أنه لا فرق في عودة بين أن يكون من ظهار مطلق أو مؤقت بوقت أو من مطلقة رجعية لأنه متى عزم على وطئها بدون رجوع عن عزمه فقد وجبت عليه الكفارة فإذا طلقها طلاقا بائنا قبل إخراج الكفارة ثم تزوجها وعزم على وطئها وجبت عليه الكفارة وكذا إذا طلقها ثلاثا وتزوجت بغيره ثم رجعت له فإن الكفارة لا تسقط وتجب عليه بمجرد عزمه على وطئها عزما أكيدا .
المالكية - قالوا : تجب الكفارة بالعود ومعنى وجوب الكفارة صحة فعلها ومعنى العود العزم على الوطء فإذا عزم على وطئها صح إخراج الكفارة فلو أخرجها قبل العزم فلا تصح وليس المراد بوجوبها عند العزم افتراضها عليه بحيث لا تسقط عنه أبدا لأنه إذا طلقها وفارقته سقطت الكفارة عنه فإذا وطئها ولو ناسيا تحتمت عليه الكفارة تحتما لا يقبل السقوط بحيث لو طلقها أو ماتت كان عليه أن يكفر لأنها بالوطء تصير حقا لله تعالى .
وهل يشترط في العود أن ينوي إمساكها مدة ولو أقل من سنة أو يكفي مجرد العزم ؟ في ذلك قولان مشهوران ويترتب على القول الأخير عدم سقوط الكفارة بطلاقها لأنه عزم على الوطء وعلى إمساكها مدة فإذا طلقها قبل المدة لزمته كفارة ظهار لأنه لا يشترط بقاء العصمة مع نية الإمساك مدة أما على القول الأول فإنه إذا عزم على وطئها ثم طلقها سقطت الكفارة لأن الشرط في وجوبها بقاء العصمة وإنما تسقط بالطلاق البائن لا الطلاق الرجعي فإذا أبانها سقطت الكفارة ما لم يتزوجها ثانيا فإن تزوجها عاد الظهار فلا يحل له أن يقربها حتى يخرج الكفارة وتسقط بموتها أو موته فلا يخرجها عنه وراثه .
ويحرم عليه أن يطأها أو يستمتع منها بغير الوطء قبل أن يخرج الكفارة ويجب عليها أن لا تمكنه من نفسها وإن خافت أن يرغمها فلترفع أمره للحاكم ليحول بينه وبينها فإن أمنت منه جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها وأن يمكث معها في بيت واحد .
الشافعية - قالوا : تجب الكفارة عند العود على الوطء على التراخي ثم إن العود له ثلاث حالات : .
الحالة الأولى : أن يعود من ظهار مؤقت بامرأة غير مطلقة رجعيا وفي هذه الحالة يتحقق العود بإمساكها بعد الظهار من غير تطليق فإذا ظاهر من امرأة ثم أمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيها بدون مانع شرعي فإن الكفارة تجب عليه فإذا ظاهر منها وهي حائض ثم أمسكها ولم يطلقها فإنه لا يكون عائدا عن الظهار بذلك لأن الحيض مانع من الطلاق شرعا فإذا انقطع حيضها ومضى وقت بعد الانقطاع يمكنه أن يطلق فيه ولم يطلق كان عائدا ووجبت عليه الكفارة وهل سبب وجوب الكفارة العود أو سببها الظهار نفسه ولكن العود شرط لتحقق الوجوب أو وجبت بهما معا ؟ خلاف والصحيح أنها وجبت بالظهار والعود معا ككفارة اليمين فإنها تجب باليمين والحنث وعلى هذا إذا ظاهر ثم أخرج الكفارة قبل العود فإنه يصح لأن الظهار سبب أما إذا أخرج الكفارة قبل أن يظاهر فإنها لا تجزئ لأنه أخرجها قبل سبب الوجوب أما على القول بأنها وجبت بالظهار والعود سبب فإنه إذا أخرج الكفارة قبل العود فإنها لا تجزئه لأنه يكون قد أخرجها قبل السبب أما على القول بأنها وجبت بالعود فقط فالأمر ظاهر إذ لا يصح إخراجها قبله ولا قبل الظهار كما لا يخفى وإذا ظاهر منها ثم طلقها عقب ظهاره مباشرة بأن قال : أنت علي كظهر أمي أنت طالق ووصل أنت طالق بصيغة الظهار فإن العود يبطل بذلك بشرط أن يكون الطلاق بائنا .
والحاصل أنه متى مضى زمن عقب ظهار أن يقول لها فيه : أنت طالق ولم يقل فإنه يكون عائدا وتجب عليه الكفارة إن كانت حائضا كما ذكرنا فإذا قال لها : أنت طالق عقب الظهار مباشرة بطل العود وسقطت الكفارة .
الحالة الثانية : أن يعود من ظهار مؤقت كما إذا قال لها : أنت علي كظهر أمي شهر رمضان فإنها تحرم عليه في هذا الشهر وتحل له بدون كفارة بعد انقضائه فإذا أراد أن يأتيها في ذلك الشهر فإن عودته الموجبة للكفارة هي تغييب حشفته أو قدرها ممن ليست له حشفة في فرجها فإذا فعل ذلك وجبت عليه الكفارة كما تقدم ولكن لا يحل له أن يستمر في وطئها بل عليه أن يولج الحشفة فقط كي يجب عليه الكفارة ثم يخرج فورا فإن استمر الوطء كان آثما .
الحالة الثالثة : أن يعود من ظهار مطلقة طلاقا رجعيا فإذا قال لمطلقته طلاقا رجعيا أنت علي كظهر أمي فإنه يكون مظاهرا منها فإذا أراد أن يعود عن ظهاره وجب عليه أن يراجعها باللفظ على الوجه المتقدم في المراجعة ومتى راجعها فقد عاد من ظهاره ووجبت عليه الكفارة .
هذا ويحرم عليه أن يطأها قبل إخراج الكفارة كما يحرم عليه أن يستمتع منها بما بين السرة والركبة فقط أما ما عدا ذلك فيجوز لأن الظهار لا يحل بملك الزوجية كالحيض فيحرم ما حرمه الحيض فلو اضطر للوطء دفعا للزنا بحيث لا يقدر على منع الزنا إلا إذا وطئ المظاهر منها فإنه يحل له أن يطأها بالقدر الذي يدفع عن نفسه الزنا كما يحل له ذلك في حالة الحيض وهذه رخصة لا بأس بها .
الحنابلة - قالوا : إن الكفارة لا تجب إلا بالوطء ولكن يحرم الوطء قبل إخراجها فهي تؤدى قبل وجوبها لأن إخراجها شرط في حل سبب الوجوب وهو الوطء فيؤمر بها من أراد الوطء ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد الوطء فمعنى العود في الآية الوطء في الفرج خاصة فهو السبب في وجوب الكفارة ولكنه يحرم قبل إخراجها ومعلوم أن إخراج الكفارة قبل وجوبها صحيح كإخراج كفارة اليمين قبل الحنث فإذا مات أحدهما سقطت الكفارة لأنها لم تجب وكذا إذا طلقها طلاقا بائنا ولكن إذا عادت إليه ثانيا رجعت الكفارة بحيث لا يحل له وطؤها قبل إخراج الكفارة حتى ولو تزوجت غيره ثم رجعت إليه لا يحل له وطؤها والاستمتاع بأي جزء من أجزاء بدنها قبل إخراج الكفارة فإذا وطئها استقرت عليه الكفارة فلا تسقط بالموت ولا بالطلاق وتجزئه كفارة واحدة )