- للرجعة أركان ثلاثة : صيغة ومحل ومرتجع ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط مفصلة في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها وأما المحل والمرتجع فهما خارجان عن الماهية ثم الصيغة عندهم قسمان : قول وفعل والقول إما صريح أو كناية فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية ونحو : راجعتك وراجعتك وراجعتك إذا كان مخاطبا لها فإن لم يكن مخاطبا لها سواء كانت حاضرة أو غائبة قال : رجعت زوجتي أو امرأتي الخ ومن الصريح رددتك ومسكتك وأمسكتك . وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله : رددتك أن يقول : إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحا في الرجعة . بل يكون كناية يتوقف على النية وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها . ويحتمل رجعتها إليه فإذا صرح بكلمة إليه أو إلى عصمته فقد رفع الاحتمال ومن الصريح أن يقول لها : نكحتك أو تزوجتك وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها : أنت عندي كما كنت أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا أو نحو هذا فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس أو تقبيل أو نظر إلى داخل الفرج ويشترط في ذلك الشهوة فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئا من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة على أن المرأة إذا قبلته أو نظرت إلى فرجه أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول : إنها هي فعلت بشهوة ولا بد أن يصدقها أما إذا قال : إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها أما إذا قبلته فانتشر أو عانقها وقبل فاها أو أمسك ثديها . أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعا لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا ؟ فبعضهم يقول : إنه ليس برجعة ولكن الصحيح أنه رجعة لأن فيه المس بشهوة كما لا يخفى . وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مسا لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا . فإن الغرض المس بشهوة مطلقا وقد تحققت ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقا رجعيا سواء نوى بهما الرجعة أو لا . ولكن الأولى أن يراجعها بالقول وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروها تنزيها . كما عرفت . وإنما حل وطء المطلقة رجعيا والتلذذ بها لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة كما بيناه . فإن قلت : إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه فما بالكم قلتم : إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقا رجعيا قبل مراجعتها ؟ قلت : إن ذلك ثبت بالنص وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقا من منزلها قال تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن } والنهى عن الإخراج مطلقا شمل الإخراج من أجل السفر .
ويشترط للرجعة شرط واحد وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا بحيث لا يكون ثلاثا في الحرة ولا ثنتين في الأمة . أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة . كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن أو واحدة قبل الدخول .
والحاصل أن الطلاق البائن هو الطلاق الثلاث والطلاق الواحد بعوض مالي والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام والطلاق قبل الدخول أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل مثلا إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا وهو سليم ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل أو نحو ذلك وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة وتصح أيضا مع الهزل واللعب والخطأ بأن أراد أن يقول لأخته : اسقني الماء فجرى لسانه يقول : راجعت زوجتي نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط كأن يقول : إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول : إذا جاء الغد فقد راجعتك فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة فإذا قال لها : راجعتك على أني بالخيار فإن الرجعة لا تصح وعلى هذا يمكن أن يقال : إن شروط الرجعة أربعة : أحدها : أن يكون الطلاق رجعيا فلا رجعة من الطلاق البائن . ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار . ثالثها : أن لا يضيفها إلى زمن . رابعها : أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط وهي : .
- 1 - وأن لا يكون ثلاثا .
- 2 - وأن لا يكون واحدة بعوض سواء كان بلفظ الخلع ونحوه أو بلفظ الطلاق .
- 3 - وأن لا يكون واحدة قبل الدخول .
- 4 - وأن لا يكون واحدة موصوفة أو مشبهة بما يفيد البينونة .
- 5 - وأن لا يكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بالنية أو بقرينة الحال .
فالطلاق الرجعي هو ما توفرت فيه الشروط فإذا ضمت الشروط للشروط المتقدمة كانت شروط الرجعة تسعة ولا حاجة إلى عد شروط المرتجع من كونه عاقلا بالغا الخ لأن الرجعة لا تتحقق إلا بعد تحقق الطلاق من نكاح صحيح فالصبي والمجنون لا يتحقق منهما طلاق فلا رجعة والنكاح الفاسد لا طلاق منه فلا رجعة فتحصل أن ركن الرجعة شيء واحد وهو قول مخصوص أو فعل مخصوص والأول ينقسم إلى قسمين : صريح وكناية والثاني ينقسم إلى قسمين : وطء وعمل يوجب حرمة المصاهرة ويصح التعبير عنه بمقدمات الوطء وكلاهما يحل للزوج فعله مع مطلقته الرجعية كما يحل لها مع كراهة التنزيه فالرجعة السنية التي لا كراهة فيها هي أن يراجعها بالقول ويشهد على قوله عدلين ثم إن راجعها في غيبتها يعلمها ولا يدخل عليها إلا بإذنها كي تستعد للقائه ولهذا قسموا الرجعة إلى قسمين : سنية وبدعية أما شروطها فقد عرفت ما فيها . المالكية - قالوا : يشترط في المرتجع شرطان أحدهما : أن يكون بالغا فلا تصح الرجعة من الصبي ولا من وليه وذلك لأن طلاق الصبي غير لازم وطلاق وليه عنه إما أن يكون بعوض وهو بائن لا رجعة فيه حتما وإما أن يكون بغير عوض وهو بائن أيضا لأنه بمنزلة الطلاق قبل الدخول لأن وطء الصبي لا يعتبر فكأنه عدم محض وهذا بخلاف نكاح الصبي فإنه صحيح ولكنه يتوقف على إجازة الولي . ثانيهما : أن يكون عاقلا فلا تصح الرجعة من المجنون ومثله السكران فإن رجعته لا تصح ولو كان سكره بحلال .
ولا يشترط أن يكون حرا فإن العبد يصح نكاحه بإذن سيده وإذن السيد بالنكاح إذن بتوابع النكاح فلا تتوقف رجعته على إذن سيده ومثل العبد المحجور عليه لسفه أو لفلس فإن لهما الحق في الرجعة بدون إذن الولي في المحجور عليه لسفه أو إذن الغريم إذا كان محجورا عليه لفلس وكذا لا يشترط أن يكون المرتجع سليما من المرض فيصح للمريض أن يراجع زوجته وليس في رجعته إدخال وارث جديد وهو لا يجوز لأن المطلقة رجعيا ترث وهي في العدة على كل حال وإن لم يراجعها .
وكذا لا يشترط أن يكون الزوجان غير محرمين إحرام النسك فيصح للمحرم أن يراجع زوجته حال الإحرام سواء كانت محرمة هي أو لا ؟ فهؤلاء الخمسة تصح رجعتهم وإن كان لا يصح نكاحهم ابتداء وهم : العبد والسفيه والمفلس والمريض والمحرم أما الصبي فإنه وإن كان يجوز نكاحه لا يقع موقوفا على إذن وليه ولكنه لا يصح طلاقه أيضا وطلاق وليه عنه بائن لا رجعي وأما المجنون والسكران فنكاحهما لم يصح أصلا كما أن طلاقهما لم يصح فلم تصح رجعتهما بحال من الأحوال . وأما المرتجعة وهي الزوجة فيشترط فيها ثلاثة أمور : أحدها : أن تكون مطلقة طلاقا غير بائن والطلاق البائن هو ما كان بالثلاث أو كان واحدة في نظير عوض أو كان واحدة ونوى به طلاقا بائنا أو حكم به حاكم على الزوج بسبب عيب أو نشوز أو إضرار أو فقد الزوج أو إسلام أو كمال عتق الزوجة . إلا إذا حكم به الحاكم بسبب الإيلاء فإنه يكون رجعيا وكذا إذا حكم به عليه لعسر في النفقة فإنه يكون رجعيا له مراجعتها في العدة ومثل ذلك ما إذا كان موسرا ولكنه غائب عنها في مكان بعيد لا تصل إليه وليس له مال في بلدها فإنه إذا طلق عليه القاضي وحضر وهي في العدة كان له مراجعتها فمتى كانت مطلقة طلاقا غير بائن فإن له مراجعتها بدون رضاها . ثانيها : أن تكون في عدة نكاح صحيح أما إذا كانت في عدة نكاح فاسد كما إذا تزوج خامسة ودخل بها فإن نكاحه فاسد يفسخ بعد الدخول وعليها العدة ولا تصح رجعتها وهي معتدة وكذا إذا جمع أختا مع أختها ولو ماتت الأولى أو طلقت لأن النكاح فاسد فلا تصح رجعتها . ثالثها : أن يدخل بها ويطأها وطأ حلالا فإذا تزوج امرأة ودخل بها وهي حائض ووطئها في حال الحيض أو وطئها وهي محرمة بالنسك فقط ولم يطأها قبل ذلك ولا بعده ثم طلقها طلقة رجعية فإنه لا يحل له رجعتها لأن وطأها محرم لا قيمة له في نظر الشرع والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا فكأنه طلقها قبل الدخول فتبين منه ولا رجعة له عليها ولا تصح الرجعة إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين وثبتت الخلوة أيضا ولو بامرأتين وتصادق الزوجان على الوطء فإذا لم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فإنه لا يمكن منها ولو تصادقا على الوطء قبل الدخول أو بعده من باب أولى فإن التصادق على الوطء لا ينفع على أي حال عند عدم العلم بالخلوة ومع كون تصادقهما على الوطء لا يعمل به في الرجعة فإنه يعمل في غير الرجعة فإذا أقر بأنه وطئها لزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة وإذا أقرت بأنه وطئها لزمها أن تعتد منه وأن لا تتزوج غيره حتى تنقضي عدتها على أنه إذا أقر هو بالوطء ولم تصدقه فلا يلزمها شيء وبالعكس وأما ما تتحقق به الرجعة فهو أمران : .
أحدهما : القول : وهما قسمان : الأول : صريح في الرجعة لا يحتمل غيرها كرجعت زوجتي إلى عصمتي وراجعتها ورددتها لنكاحي فإذا لم يقل : لنكاحي لا يكون صريحا إذ يحتمل عدم قبولها يقال : رد الأمر إذا لم يقبله .
والثاني : كناية يحتمل الرجعة وغيرها كقوله : أمسكت زوجتي أو مسكتها فإنه يحتمل أمسكتها حبستها لأعذبها وأمسكتها في عصمتي زوجة ومن ذلك ما إذا قال لها : أعدت الحل ورفعت التحريم فإنه يحتمل لي أو لغيري أو رفعت عني أو عن غيري فهو كناية فإن كانت بلفظ صريح لا تحتمل غيره فإن الرجعة تصح به بدون نية قضاء لا ديانة فلا بد من النية لتحل له بينه وبين الله أما المحتمل فإن الرجعة لا تصح به بدون نية مطلقا وهل إذا قال قولا صريحا هازلا ينوي به عدم الرجعة يكون رجعة أو لا ؟ والجواب : أنها تكون رجعة في الظاهر فيلزم بنفقتها وكسوتها وإذا مات ترثه بناء على هذا القول الهزلي أما بينه وبين الله فليست بزوجة له فلا يحل له وطؤها إلا إذا راجعها بلفظ جدي في العدة . أو عقد عليها إذا انقضت العدة كما إذا أتى بلفظ صريح بدون نية وبدون هزل . بقي هل تصح الرجعة بالكلام النفسي بينه وبين الله أو لا ؟ قولان مصححان ولكن المعول عليه أن الكلام النفسي لا يثبت به يمين ولا طلاق ولا رجعة لا في الظاهر ولا في الباطن على أنه لا خلاف في أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر فإن القاضي له الظاهر . الأمر الثاني : الفعل وهو أن يطأ الزوجة بنية مراجعتها فإن فعل ذلك فإنه يصح وتعود الزوجية بينهما وإن لم ينو حرم عليه ذلك الوطء ولكن هذا الوطء لا يوجب حدا ولا صداقا ويلحق به نسب الولد إذا حملت منه ويجب عليه أن يستبرئها بحيضة بعد هذا الوطء بحيث لا يحل له أن يراجعها بالوطء مع نية المراجعة قبل أن تحيض وتطهر بعد الوطء الأول ولكن يحل له أن يراجعها بالقول : إن كانت باقية في العدة فإذا انقضت عدتها بعد وطئها ولم يراجعها بالقول لقد بانت منه ولا يحل له ولا لغيره أن ينكحها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء فإذا عقد عليها قبل انقضاء مدة الاستبراء كان العقد فاسدا فيفسخ وإذا وطئها في زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها عليه .
( يتبع . . . )