- لا بد للخلع من صيغة فلا يصح الخلع بالمعاطاة كأن تعطيه مالا وتخرج من داره بدون أن يقول لها : اختلعي على كذا فتقول له : اختلعت أو تقول له : اخلعني على كذا فيقول لها : خلعتك على ذلك فالإيجاب والقبول بالقول لا بد منه أما الفعل المذكور فلا يقع به الخلع وإن نوي به الطلاق أو كان الطلاق به متعارفا ( 1 ) وفي صيغة الخلع وشروطها تفصيل المذاهب ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : إذا عمل عملا يدل على الطلاق عرفا فإنه يقع به الطلاق فإذا فرض وأعطت الزوجة لزوجها مالا وكان بيدهما حبل فقطعه الزوج وكان ذلك في عرف القوم طلاقا فإنها تطلق بذلك طلاقا بائنا في مقابلة العوض فإذا لم تعطه مالا وكان ذلك في عرفهم أن يطلقوا بقطع الحبل فإنه يكون طلاقا رجعيا فإذا لم يكن العرف جاريا بذلك وفعل ذلك ناويا به الطلاق فإن قامت قرينة تدل على الطلاق لزم به الطلاق مثلا إذا تنازع الزوج مع أهل الزوجة فقالوا : نرد لك ما أخذنا وترد لنا بنتنا ففعلوا كان طلاقا بائنا وإن لم ينطق بالطلاق ولم يجر به العرف .
والحاصل أن الطلاق بالفعل يصح بتحقق أحد أمرين : أحدهما : أن يكون الطلاق في عرف القوم بالفعل كما مثلنا ومنه ما إذا أغضب الرجل امرأته فخلعت أسورتها وأعطتها إياه فقبلها وخرجت من منزله فلم يمنعها وكان ذلك طلاقا في عرفهم فإنه يصح ويكون خلعا وإن لم ينطق بصيغة الطلاق . ثانيهما : أن تقوم قرينة تدل على الطلاق بالفعل فإنه يقع كما ذكرنا ) .
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : قد ذكرنا لك في تعريف الخلع أن ألفاظ الخلع سبعة وفصلنا لك ما يتعلق بكل لفظ منها . وبقي من الأحكام التي تتعلق بالصيغة أنه يشترط في صحة القبول من الزوجة أن تكون عالمة بمعنى الخلع فإذا كانت أعجمية ولقنها زوجها بالعربية كلمات - اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة - فقالت هذه الكلمات وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج فإنها تطلق منه بائنا ولا شيء له قبلها ثم إن الخلع بالنسبة للرجل يمين فلو ابتدأ الخلع بقوله : خالعتك على مائة مثلا فإنه لا يملك الرجوع عنه وكذا لا يملك فسخه ولا نهي المرأة عن قبوله . وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت . فإذا قال لها : إذا قدم زيد خالعتك على ألف وقبلت عند مجيء زيد صح الخلع . أما إذا قبلت قبل مجيء زيد فإنه لا يصح ومثل ذلك ما إذا قال لها : إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار وقالت : قبلت الخلع عند دخول الدار فإنه يصح فيقع الطلاق بائنا وتلزم بالعوض . أما إذا قالت : قبلت الدخول فإنه لا يصح وكذا إذا أضافه إلى وقت . كما إذا قال لها : خالعتك على ألف غدا أو في آخر الشهر فإنه يصح إذا قالت : قبلت عند مجيء الغد . أو آخر الشهر أما إذا قالت : قبلت قبل ذلك فإنه لا يصح .
أما الخلع بالنسبة إلى المرأة فإنه معاوضة المال لأنها تعطي الرجل مالا ملكا له في نظير الطلاق وذلك معنى المعاوضة بين اثنين أحدهما يعطي مالا لغيره على سبيل الملك وثانيهما يعطي بدلا في نظير تمليك ذلك المال . وإذا كان كذلك فإنها يصح لها أن ترجع قبل القبول فلو بدأت الخلع هي فقالت : اختلعت نفسي منك بألف . أو خالعني على صداقي ونفقة عدتي فلها أن ترجع قبل أن يقول الزوج : خالعتك على ذلك ويبطل بقيامها عن المجلس قبل القبول كما يبطل بقيامه هو عن المجلس أيضا ولو كان الزوج غائبا وبلغه وقبل لم يصح ولا يصح لها أن تعلقه بشرط ولا تضيفه إلى وقت .
وهل يصح شرط الخيار للزوجة أو لا يصح ؟ خلاف بين الإمام . وصاحبيه . مثلا إذا قال الزوج لها : خالعتك بمهرك ونفقة عدتك على أن يكون لك ثلاثة أيام . أو أكثر فإن الإمام يقول : إن ذلك صحيح فلها أن تقبل في مدة الخيار ويقع الطلاق البائن وتلزم بالعوض ولها أن ترد فلا يلزم طلاق ولا عوض أما صاحباه فيقولان : إن الخيار باطل والطلاق واقع في الحال والمال لازم إن قبلت .
ويصح الخيار للرجل في بدل الخلع إذا وجد به عيبا فاحشا يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومن الوساطة إلى الرداءة أما العيب اليسير فلا خيار له فيه فلو اختلعت منه نفسها على عشرين إردبا من القمح الجيد فوجدها متوسطة كان له ردها . وإذا كانت متوسطة فوجدها رديئة كان له ردها أما إذا وجد بها غلتا يسيرا فإنه لا يضر . ويشترط مطابقة الإيجاب للقبول فإذا قال لها : أنت طالق أربعا بثلاثمائة فقالت : قبلت ثلاثا لم تطلق لأنه علق الخلع على قبولها الأربع فإذا قبلت ثلاثا لم يتحقق المعلق عليه . وهو قبولها الأربع .
وإذا قال : طلقتك على ألف فقالت : قبلت ثم قال لها : طلقتك على ألف فقالت : قبلت ثم قال لها : طلقتك على ألف فقالت : قبلت فإنه يقع ثلاث تطليقات بثلاثة آلاف وهذا بخلاف ما إذا قال لها : خالعتك ولم يذكر بدلا فقالت : قبلت ثم أعاد لها اللفظ فقالت : قبلت فإن الثاني لا يقع لأن الأول وقع بائنا فلا يلحقه الثاني والفرق بين العبارتين أو الأول مذكور فيه العوض فلا يقع إلا إذا قبلته ولما كرره لها بالعوض قبلت فيقع الثلاث جملة واحدة بالعوض المكرر أما الثاني فلم يذكر فيه العوض فلا يتوقف وقوع الطلاق على قبولها متى نواه أو كان بلفظ خالعتك فإنه لا يحتاج إلى نية على قول كما تقدم وإنما الذي يتوقف على قبولها سقوط حقها وحينئذ يقع الطلاق باللفظ بدون قبولها وهو بائن فإذا كرره فإن الثاني لا يلحقه .
هذا إذا بدأ الزوج بالعوض أما إذا بدأت الزوجة بأن قالت : خلعت نفسي منك بألف وكررتها ثلاثا فقال : قبلت فإنه لا يقع إلا واحدة بألف على الصحيح والفرق بين الحالتين أنك قد عرفت أن الخلع يمين من جانب الرجل فيصير معلقا على قبوله بل يكون معاوضة لها الرجوع عنه قبل أن يتم فإذا كررته يكون قبولا للعقد الأخير . ويلغو الأول بالثاني والثاني بالثالث .
وإذا قالت له : طلقني أربعا فطلقها ثلاثا . فإنها تطلق ثلاثا بالألف ولا تضر المخالفة هنا وإذا قالت له : طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة بانت منه واحدة بثلث الألف بشرط أن يطلقها في المجلس . فلو قام وطلقها لم يجب شيء . لأنه معاوضة من جانبها فيشترط في قبوله المجلس . فإذا طلقها اثنتين كانت له كل الألف . كما إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد أو متفرقة . بشرط المجلس فإذا قالت : طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا . فإن قال : أنت طالق ثلاثا بألف . وقالت : قبلت . وقعت الثلاث بالألف . وإن لم تقبل لا يقع شيء . فإن قال : أنت طالق ثلاثا ولم يقل : بألف فقيل : تطلق ثلاث بلا شيء . وقيل : تطلق واحدة بالألف والثنتان مجانا وهذا بخلاف ما إذا قالت له : طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فإنها تطلق رجعيا ولا شيء عليها للفرق بين - على - وبين باء الجر - فإن - على - للشرط والمشروط وهو الألف لا يوزع على أجزاء الشرط وهي الثلاث فلو طلقها ثلاثا متفرقة في مجلس واحد لزمها الألف . لأن الأولى والثانية تقع رجعية فوقعت الثالثة وهي في عصمته فله الألف . أما إن طلقها ثلاثا في ثلاثة مجالس . فلا شيء له وعندها ثلث الألف . أما الباء فإنها مصاحبة للعوض والعوض ينقسم على المعوض . هذا إذا بدأت الزوجة فإذا بدأ الزوج فقال لها : طلقي نفسك ثلاثا بألف . أو على ألف فطلقت نفسها واحدة فإنه لا يقع شيء وذلك لأنك قد عرفت أن الخلع يمين معلق على قبول المرأة إذا بدأ به الرجل وظاهر أن المعلق على القبول هو طلاقها ثلاثا فإذا طلقت نفسها واحدة فإنها لم تقبل اليمين المعلق فلا يقع شيء بخلاف ما إذا كانت هي البادئة فإنه من جهتها معاوضة فإذا عرضت عليه ثلاثا بألف وطلقها واحدة فإنها تبين منه بثلث الألف .
وإذا قالت له : طلقني واحدة بألف فقال لها : أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة طلقت ثلاثا الأولى بألف وثنتان مجانا .
وإذا خالعها على أن يكون صداقها لولده أو لأجنبي أو خالعها على أن يمسك الولد عنده فإن الخلع يصح ويبطل الشرط .
المالكية - قالوا : يشترط في الصيغة ثلاثة شروط : .
الشرط الأول : أن تكون لفظا بأن ينطق بكلمة دالة على الطلاق سواء كان صريحا أو كناية فإذا عمل عملا يدل على الطلاق بدون نطق فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا جرى به العرف . أو قامت قرينة كما تقدم .
الشرط الثاني : أن يكون القبول في المجلس إلا إذا علقه الزوج بالأداء أو الإقباض فإنه لا يشترط أن يكون القبول في المجلس فإذا قال لها : إن أقبضتني عشرين جنيها أو أديت إلي كذا فأنت طالق فإن لها أن تقبضه بعد المجلس ومتى فعلت بانت منه إلا إذا طال الزمن بعد الانصراف عن المجلس بحيث تمكث مدة يظهر فيها أن الزوج لا يريد أن يمد لها على أنه إذا قامت قرينة على أن الزوج يريد أن تقبضه في المجلس فإنه يعمل بها بحيث لو قامت من المجلس بطل الخلع فلا تملك طلاق نفسها بالبدل .
الشرط الثالث : أن يكون بين الإيجاب والقبول توافق في المال فإذا قال لها : طلقتك ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يلزمه طلاق فإن له أن يقول : إنني لم أرض بطلاقها إلا بألف وهذا بخلاف ما إذا قالت له : طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة بألف فإن الطلاق ينفذ والعوض يلزم وذلك لأنها تملك نفسها بهذا وتبين به فما زاد عليه لم يتعلق به غرض الشارع ولا فائدة لها منه وكذا إذا قالت له : طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا فإنه يصح لحصول غرضها وزيادة .
الشافعية - قالوا : صيغة الخلع هي كل لفظ من ألفاظ الطلاق صريحة وكناية ومن كنايته لفظ بيع وفسخ فإذا قال لها : بعتك نفسك بألف ناويا بذلك الطلاق فقالت : قبلت كان خلعا صحيحا تبين به ويلزمها العوض ومثل ذلك ما إذا قال : فسخت نكاحك بألف وفي هذه الحالة يكون لفظ الفسخ طلاقا ينقص عدد الطلقات ومثال صريح الطلاق في الخلع أن تقوله له : طلقني على عشرين فقال : طلقتك على ذلك فإنه يكون طلاقا صريحا بائنا يقع بدون نية فإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه أما إذا قالت له : أبني على عشرين فقال لها : أبنتك فإنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية وهكذا في كل ألفاظ الكنايات التي تقدمت .
وهل ما اشتق من لفظ الخلع أو الافتداء صريح أو كناية ؟ خلاف والمعتمد أنه إذا ذكر معه العوض صريحا أو لم يذكر العوض ولكن نواه فإنه يكون صريحا وإلا كان كناية . مثلا إذا قال لها : خالعتك أو خلعتك أو اختلعي على عشرين جنيها فقبلت كان ذلك طلاقا بائنا صريحا لا يحتاج إلى نية ومثل ذلك ما إذا قال لها : افتدي نفسك بعشرين جنيها فقالت : افتديت فإنه يقع به البائن بدون نية فإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها مال وكذا إذا لم يذكر المال ولكن نواه بأن قال لها : خالعتك ونوى على عشرين جنيها مثلا فقالت : قبلت كان صريحا لأن نية العشرين تقوم مقام ذكرها فإذا لم ينو المال ولم يذكره فإن في ذلك صورا ثلاثا .
الصورة الأولى : أن ينوي الطلاق وينوي معه قبول التماسها أي ينتظر أن تجيبه على طلبه فإن قبلت وقع الطلاق بائنا بمهر المثل إن كانت رشيدة وإن لم تكن رشيدة وقع الطلاق رجعيا وإن لم تقبل لم يقع شيء .
الصورة الثانية : أن ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها وفي هذه الحالة يقع الطلاق رجعيا ولو لم تقبل لأنه نوى طلاقها ولم يعلقه على قبولها وإذا لم ينو التماس قبولها فإن لم ينو الطلاق فلا يقع به شيء مثلا إذا قال لزوجته : خالعتك ولم يذكر عوضا ولم ينو التماس قبولها وقع به شيء ولو قبلت فإذا قال لها : خالعتك وهو ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها وقع رجعيا قبلت أو لم تقبل فإذا نوى التماس قبولها مع نية الطلاق فإن قبلت بانت بمهر المثل إن كانت رشيدة وإن لم تقبل لم يقع به شيء فهذا مثال للصورتين .
الصورة الثالثة : أن لا ينوي الطلاق وفي هذه الحالة لا يقع شيء سواء نوى التماسها القبول أو لم ينو وسواء قبلت أو لم تقبل وذلك لأنه كناية لا يلزم به شيء إلا بالنية .
هذا وإذا بدأ الزوج بالطلاق على مال فذكر العوض كان الخلع عقد معاوضة مشوب بنوع تعليق فلا يقع به الطلاق إلا إذا قبلت فكأنه قال لها : إن قبلت دفع العوض فأنت طالق وعلى هذا يصح له الرجوع قبل قبولها نظرا لجهة العوض فإن قلت : إن البيع تتوقف صحته على القبول - كالطلاق - على مال وحيث قلتم : إنه يصح للمطلق على مال أن يرجح قبل قبول الزوجة لتوقف صحة الطلاق على القبول يلزمكم أن تقولوا : إنه يصح للبائع أن يرجع قبل قبول المشتري لتوقف صحة البيع على القبول والجواب : أن هناك فرقا بين الحالتين وهو أن البيع وإن توقف على القبول ولكن ليس للبائع أن يستقبل وحده بالبيع في أي حال إذ لا يتحقق البيع إلا بقبول المشتري أما المطلق فإنه يصح أن يستقل بطلاق المرأة بدون قبولها إذا جرده عن العوض فالذي يتوقف على القبول هو العوض فالرجل قد عدل عن استقلاله بالطلاق وعلقه على قبول الغير أما البائع فليس له استقلال في إيجاد البيع من الأصل حتى يقال : إنه عدل عن الاستقلال وعلقه بالغير وهذا بخلاف ما إذا بدأ بصيغة تعليق في حالة الإثبات . كما إذا قال : متى أعطيتني عشرين جنيها فأنت طالق فإنه ليس له الرجوع قبل إعطائه ومتى أعطته طلقت ولا يشترط فيه أن تقول : قبلت كما لا يشترط أن تعطيه فورا إلا إذا قال لها : إن أعطيتني أو إذا أعطيتني فأنت طالق فإنه يشترط أن تعطيه فورا لأن لفظ - إذا وإن - يقتضيان الفور في الإثبات بخلاف - متى - فإنه صريح في جواز التأخير فإذا قال : إن أو إذا ومضى زمن يمكنها الإعطاء فيه ولم تعط فلا تطلق .
( يتبع . . . )