- الخلع نوع من الطلاق لأن الطلاق تارة يكون بدون عوض وتارة يكون بعوض والثاني هو الخلع وقد عرفت أن الطلاق يوصف بالجواز عند الحاجة التي تقضي الفرقة بين الزوجين وقد يوصف بالوجوب عند عجز الرجل عن الإنفاق والاتيان وقد يوصف بالتحريم إذا ترتب عليه ظلم المرأة والأولاد وقد يوصف بغير ذلك من الأحكام المتقدم ذكرها هناك على أن الأصل فيه المنع وهو الكراهة عند بعضهم والحرمة عند بعضهم ما لم تفض الضرورة إلى الفراق .
فهذا الأحكام يوصف بها الخلع كما يوصف بها الطلاق ( 1 ) إلا أنه يجوز الخلع في الوقت الذي لا يجوز فيه الطلاق ( 2 ) فيصح الخلع وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه بخلاف الطلاق .
أما الدليل على ذلك من الكتاب الكريم فقوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وحدود الله تعالى هي ما حده الله تعالى وفرضه على واحد من الزوجين من الحقوق وأمر كلا منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته فمن الحقوق التي أمر بها الزوجة طاعة زوجها طاعة تامة فيما يريده من استمتاع إلا إن ترتب عليه ضرر ومنها إخلاص المودة له إخلاصا تاما فلا يحل أن يكون جسمها معه وقلبها مع غيره فإن وجدت عندها حالة قهرية وجب عليها أن تحارب نفسها وأن تمنعها منعا تاما عن كل هوى يحملها على خيانته في عرضه أو عمل ما لا يرضى عنه من التكلم مع أجنبي لا يرضى عنه أو السماح له بدخول منزله بدون إذنه أو غير ذلك ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة فلا يحل لها أن ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة كما لا يحل لها أن تهمل في تربية أبنائها وبناتها أو تكون أسوة سيئة لهم .
ومنها : عدم خيانته بالمحافظة على ماله إلى غير ذلك ومن الحقوق التي أمر بها الزوج الإنفاق عليها بما يناسب حاله والمحافظة على عرضها بإعفافها وعدم خيانتها ونحو ذلك من الحقوق التي بيناها في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق .
فإذا حدث بين الزوجين شقاق فمن السنة أن يتوسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الاصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود الله تعالى فإنه في هذه الحالة يصح المفارقة بعوض أو بغير عوض وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } الآية والمراد بالحكم الرجل الصالح للحكم وإنما كان بعث الحكمين من الأهل لأن الأهل لهم تأثير على النفوس أكثر من الأجانب لاطلاعهم على بواطن الأمور ومعرفتهم بالأساليب التي تصلح النفوس على أن أسباب الشقاق قد تكون باطنية فلا يستطع الزوجان إفشاءها أمام الأجانب فحكمة اختيار الحكمين من الأهل ظاهرة وهل للحكمين الحق في التطليق إذا اقتضت المصلحة ؟ الجواب : نعم ( 3 ) وهل يصح للرجل أن يعامل زوجته بالقسوة حتى تكره معاشرته وتفتدي منه بالمال وإذا افتدت منه بالمال فرارا من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل ؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب ( 4 ) .
_________ .
( 1 ) ( الشافعية - قالوا : قالوا : الأصل في الخلع الكراهة ويكون مستحبا إذا أساءت المرأة المعاشرة ولا يوصف بغير ذلك فلا يكون حراما . ولا يكون واجبا ) .
( 2 ) ( المالكية - قالوا : لا يصح الخلع في الزمن المنهي عنه كالطلاق كما تقدم في مبحث الطلاق البدعي ) .
( 3 ) ( الحنفية والشافعية - قالوا : ليس للحكمين حق تطليق الزوجة لأن الولاية على الطلاق مختصة بالأزواج أو من ينوب عنهم . والمال من حق الزوجة في الخلع فإذا أناب الزوج الحكمين في الطلاق كان لهما ذلك على الوجه السابق في مبحث الإنابة في الطلاق ) .
( 4 ) ( الحنفية - قالوا : إذا قسى الزوج على زوجته في المعاملة وضاررها لتفتدي منه حرم عليه أخذ شيء من المال سواء كان من الصداق أو من غيره وإلى هذا يشير قوله تعالى : { فلا تأخذوا منه شيئا } فإنه نهي للزوج عن أن يأخذ شيئا من الصداق ولو كان كثيرا أما إذا أساءت الزوجة معاشرة زوجها ولم تؤد له حقوقه أو خانته في عرضه فله أن يأخذ عوضا في مقابلة تطليقها بدون كراهة وإلى ذلك يشير قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فالآية الأولى نهي للأزواج عن أن يأخذوا شيئا من الصداق في حالتين : حالة ما إذا كان الشقاق من الزوج وحالة ما إذا لم يخافا الوقوف عند حدود الله والآية الثانية تبيح للأزواج أخذ العوض على الطلاق في حالة ما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله ومن ذلك إساءة معاشرة الزوجة ومضاررتها فلكل آية معنى لا يعارض المعنى الآخر فمن قال : إن الآية الثانية نسخت لا وجه له وعلى كل حال فمتى قبلت المرأة الخلع على مال فقد لزمها المال ووقع الخلع وأصبح البدل ملكا للرجل ولكن إن كان قبولها لدفع البدل مبنيا على مضاررته وإساءته معاشرتها فقد ملكه ملكا خبيثا وإن كان مبنيا على نشوز الزوجة وكراهتها للرجل فإنه يملكه ملكا حلالا أما إذا أكرهها الزوج على قبول الخلع إذا كان هو المبتدي بقوله : خالعتك فقبلت مكرهة وقع الطلاق بائنا إن كان بلفظ الخلع ولا حق في المال لأن الرضا شرط في وجوب المال عليها وإن قال لها : طلقتك على مائة وأكرهها على القبول وقع الطلاق رجعيا ولا حق له في المال . وحاصله أن الإكراه على القبول إن كان بلفظ الخلع يقع به البائن ويسقط العوض وإن كان بلفظ الطلاق على مال يقع به الرجعي ويسقط العوض .
بقي شيء وهو هل للزوج أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها ولو كانت ناشزة ؟ التحقيق الذي ذكروه في الجواب هو أن الأولى له أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها إن كان النشوز من قبلها أما إن كان من قبله فقد عرفت أنه لا يحل له أن يأخذ شيئا أبدا ولكن ظاهر الآية يفيد الإباحة لأنه تعالى قال : { فلا جناح عليهما } في حالة ما إذا كان النشوز منهما معا فإذا كان منها وحدها كان عدم الجناح أولى اللهم إلا أن يقال : نفي الجناح نفي الإثم فلا ينافي أن الأولى له أن يأخذ ما أعطاها بدون زيادة .
المالكية - قالوا : إذا أساء الرجل معاشرة زوجته وضاررها لتفتدي منه فإن كان ذلك من أجل تركها للصلاة أو للغسل من الجنابة فإنه يجوز له ذلك فإن له أن يمسكها ويؤدبها حتى تؤدي ما فرض عليها وإن شاء خالعها على مال ويتم له ما أخذه أما إذا أساء عشرتها وضاررها بضرب أو شتم بغير حق أو أخذ مال أو إيثار ضرة عليها في مبيت أما إيثار ضرة عليها في حب قلبي فليس بضرر فإذا فعل معها ذلك وافتدت منه بمال وقع الطلاق بائنا ورد لها المال الذي أخذه منها فإن كان الخلع في نظير رضاع أو نفقة حمل أو إسقاط حضانة سقط عنها ما التزمته من ذلك وعاد لها حقها . ويثبت ضررها بشهادة واحد رأى بنفسه الضرر أو سمعه من غيره . ولا يشترط كونه من الثقات بل تكفي شهادة أحد الجيران بشرط أن تحلف الزوجة على ما تدعيه من ضرر وهل يشترط تحليف الشاهد أو لا ؟ خلاف وبعضهم يقول : الصواب تحليفه أيضا فإن شهدت امرأتان فإن شهادتهما مع يمين الزوجة تكفي في إثبات الضرر بشرط أن تكون شهادة قطع لا شهادة سماع بأن تشهدا بأنه ضاررها أمامهما وقيل : تكفي شهادتهما بالسماع على أن شهادة الواحد مع يمين الزوجة وشهادة المرأتين مع يمينها تسقط العوض المالي أما ما لا يؤول إلى المال فإنه لا يسقط كخلعها بإسقاط حضانتها .
وإذا ضاررها جاز لها التطليق به ولكنها وهي في عصمته لم تستطع الخلاص منه إلا بالاعتراف بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا حق لها في إحضار بينة تشهد على الضرر فخالعها على مال أخذه وسجل عليها اعترافها المذكور فإنه لا يعمل بهذا الاعتراف لأنه ناشئ عن إكراه أما طريق إثبات الاعتراف فهي البينة فإن كانت قد أحضرت بينة وقالت لها قبل الخلع : أنها ستعترف لزوجها بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا في الإشهاد عليه مكرهة على ذلك لتتخلص من شره وشهدت البينة بذلك فإن للزوجة الرجوع عن إقرارها باتفاق ومثل ذلك إذا قامت لها بينة لم تكن تعلم بها وشهدت بأنها اعترفت مكرهة للتخلص من شره ويقال للبينة الأولى : بينة استرعاء أي بينة استشهاد قبل الخلع بأنها لم تشترط على نفسها ذلك إلا للضرر .
هذا كله إذا ضاررها هو . أما إذا كانت هي الناشزة وأساءت معاشرته بشتم ونحوه فإنه يتم له ما أخذه بلا كراهة .
بقي شيء آخر وهو ما إذا علم بأنها زانية فهل له أن يضاررها حتى تفتدي منه ؟ وإذا افتدت منه بمال الضرر هل يتم له أخذه ؟ والجواب : ليس له ذلك لأنه إذا علم بزناها ورضي بالبقاء معها من أجل العوض المالي كان في حكم الذي رضي بالديوثة فليس له إلا أن يطلقها بدون مال أو يمسكها كما تقدم في مباحث الطلاق فإن ضاررها وافتدت منه بمال وثبت ذلك رجعت عليه به وبانت منه بدون مال .
الحنابلة - قالوا : إذا أساء الرجل معاشرة زوجته فضاررها بالضرب والشتم وبالتضييق عليها وإيثار ضرتها عليها في قسم أو منعها حقها في النفقة أو نقصها شيئا من حقوقها لتفتدي نفسها منه ففعلت كان الخلع باطلا وإن أخذ منها شيئا وجب أن يرده لها وبقيت زوجة له على عصمته كما كانت قبل الخلع وذلك لأنها أكرهت على العوض فلا يستحق الزوج أخذه وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } والنهي يقتضي الفساد عند الحنابلة نعم إذا كان الخلع بلفظ الطلاق أو بلفظ الخلع ونحوه ولكن نوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق رجعيا فإذا ضاررها الزوج لا بقصد أن تفتدي منه ولكن فعله لسوء خلقه فافتدت منه فإن الخلع يصح وله أخذ العوض ولكنه يأثم بمضاررة زوجته وإيذائها فالواجب أن يعمل الأزواج بقوله تعالى : { عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } .
هذا إذا كان الضرر من جهة الزوج أما إذا كان من جهة الزوجة فإن كانت تاركة لفرض من فروض الله أو كانت فاسدة الأخلاق زانية فإن له أن يضاررها لتفتدي منه وإذا افتدت حل له أخذ العوض وصح الخلع لأن الله تعالى قال : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فإنها إذا فعلت فاحشة كان للزوج عضلها وتأديبها حتى تكف عن الفاحشة أو تفتدي منه ومثل ذلك ما إذا كان النشوز من جهتهما معا وهو المذكور في آية { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } .
الشافعية - قالوا : الأصل في الخلع الكراهة فيكره للرجل أن يخالع زوجته لغير حاجة كما يكره للمرأة أن تبذل مالها للرجل ليخالعها بدون ضرورة ولكن يستثنى من الكراهة صورتان : الصورة الأولى : أن يحدث بينهما شقاق يخشى منه أن يفرط كل من الزوجين في الحقوق التي فرضها الله عليه للآخر كما إذا خرجت الزوجة عن طاعة الزوج وأساءت معاشرته أو أساء هو معاشرتها بالشتم أو الضرب بلا سبب ولم يزجرهما الحاكم ولم يتمكن أهلهما من الصلح بينهما فإنه في هذه الحالة يستحب الخلع ومتى قبلت المرأة لزمها المال وليس لها أن تطلب رده بدعوى أنه ضاررها نعم لا يحل للرجل أن يضار امرأته لتفتدي منه ولكن إن وقع بشرائطه الآتية تم عليهما فليس لواحد منهما الرجوع .
الصورة الثانية : أن يخلف بالطلاق الثلاث على أن لا يدخل هذه الدار أو على أن لا يدخل هذه الدار هذه السنة فإن له في هذه الحالة أن يخلعها بدون كراهة فتبين منه ويدخل الدار وهي ليست زوجته فلا يقع عليه يمين الثلاث ثم تبين منه بطلقة واحدة على الصحيح من أن الخلع طلاق لا فسخ . ومن قال : أنه فسخ يقول : أنها تبين منه ولا ينقص عدد الطلقات بشرط أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ المفاداة وأن لا ينوي به الطلاق ومثل ذلك إذا حلف ليفعلن كذا كما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها فإن له أن يخلعها ولا يقع عليه الثلاث بعدم التزوج عليها أما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها في هذا الشهر ففيه خلاف . والمعتمد أنه إذا خالعها وقد بقي من الشهر زمن يمكنه أن يتزوج فيه فإن الخلع يخلصه من الطلاق الثلاث وإلا فلا )