- إذا قال لها : أنت طالق طلقة شديدة أو عريضة أو قال لها : أنت طالق كالجبل ونحو ذلك . فإن فيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : هذا المبحث يشتمل على أمور : .
أحدها : أن يصف الطلاق بصفة كما ذكر في الأمثلة المذكورة وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة وذلك لأن الصفة تشعر بالزيادة على أصل المعنى وتجب البينونة ويشترط أن يقول : أنت طالق طلقة شديدة أو تطليقة شديدة فإن لم يذكر التطليقة بأن قال : أنت طالق شديدة أو قال : أنت طالق عريضة أو قوية أو طويلة فإنه يلزمه بذلك طلقة رجعية لا بائنة لأن الصفة في هذه الحالة ليست للطلاق بل للمرأة ويقع واحدة بائنة أيضا بقوله : أنت طالق طلقة طول الجبل أو عرض الأرض ونحو ذلك .
ثانيها : أن يصف الطلاق بأفعل التفضيل كأن يقول : أنت طالق أفحش الطلاق أو أشر الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أكبره أو أعرضه أو أطوله أو أغلظه أو أعظمه وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة كالصورة الأولى وذلك لأن أفعل يدل على التفاوت فالطلاق الذي يوصف به يكون أقوى من غيره وهذا معنى البائن .
ثالثا : أن يشبه الطلاق بشيء عظيم كأن يقول لها : أنت طالق طلقة كالجبل وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة كالذي قبله وذلك لأن التشبيه يقتضي الزيادة وهي معنى البينونة وبعضهم يقول : إنه لا يقع به بائن إلا إذا صرح بلفظ العظم بأن يقول : أنت طالق طلقة كعظم الجبل وهو أبو يوسف .
رابعها : أن يشبه الطلاق بشيء حقير ولم يذكر العظم كأن يقول لها : أنت طالق طلاقا كرأس الإبرة وفي هذا خلاف والمعتمد أنه يقع به البائن وهو رأي الإمام فإذا ذكر لفظ العظم بأن قال لها : أنت طالق طلاقا كعظم رأس الإبرة فقال بعضهم : إنه يكفي في البينونة وقال بعضهم : لا يكفي .
والحاصل أنه إذا قال لها : أنت طالق طلاقا كعظم الجبل وقع بائنا باتفاق فإذا قال : كالجبل ولم يقل : كعظم الجبل يقع بائنا عند أبي حنيفة وزفر ويقع رجعيا عند أبي يوسف لأن الشرط عنده ذكر لفظ - العظم - وإذا قال : أنت طالق كرأس الإبرة وقع بائنا عند أبي حنيفة فقط وإذا قال : كعظم رأس الإبرة وقع بائنا عند أبي يوسف وأبي حنيفة لأن أبا يوسف يكتفي بذكر العظم ولو كان المشبه به حقيرا أما زفر فإنه يشترط أن يكون المشبه به عظيما في ذاته ولو لم يذكر لفظ العظم فلا يقع به البائن عنده .
وإذا قال لها : أنت طالق كألف فإن أراد التشبيه في العدد لزمه الثلاث وإن أراد التشبيه في العظم لزمه طلاق واحد بائن .
هذا وإذا نوى بأي لفظ من الألفاظ المتقدمة الثلاث فإنه يلزمه ما نواه لما علمت أن نية الثلاث تصح بخلاف نية الاثنتين .
وإذا قال لها : أنت طالق طلاق البدعة ولا نية له فإنه يقع به واحدة بائنة وقيل لا تقع بائنة إلا إذا نوى واحدة بائنة وإن نوى الثلاث فثلاث أما إذا لم ينو فإنه يقع بها واحدة رجعية إن كانت المرأة حائضا أو نفساء أو في طهر جامعها فيه فإن لم تكن كذلك فلا تطلق حتى تحيض أو يجامعها في الطهر لأن طلاق البدعة هو أن تكون حائضا أو نفساء أو في طهر جامعها فيه كما تقدم .
وإذا قال لها : أنت طالق طلاق الشيطان طلقت منه بائنة وإذا قال لها : أنت طالق ملء البيت فإن كان عرضه الكثرة في العدد طلقت ثلاثا وإن كان عرضه طلقة عظيمة كالشيء العظيم الذي يملأ البيت بعظمه لزمته واحدة بائنة وإذا قال لها : أنت طالق بائن أو البتة يقع به واحدة بائنة أيضا وإذا نوى بقوله : طالق واحدة وبقوله : بائن طلقة أخرى لزمه ثنتان وذلك لأنه وإن وقع بلفظ طالق واحدة رجعية ولكن وصفها بالبائن بعد ذلك جعلها بائنة إذ لا يمكن رجعتها في هذه الحالة وإذا عطف بالواو أو ثم قال : أنت طالق وبائن أو ثم بائن ولم ينو شيئا لزمه واحدة رجعية وإن نوى أكثر لزمه ما نوى أما إذا عطف بالفاء قال : أنت طالق فبائن فإنه يلزمه طلقتان وإن لم ينو والفرق أن الفاء للتعقيب بلا مهلة والبينونة التي تعقب الطلاق بلا مهلة تجعله بائنا فكأنه قال لها : أنت طالق بائن بخلاف العطف بثم فإنه للتراخي والبينونة التي يوصف بها الطلاق متراخيا تلغى أما العطف بالواو فإنه يحتمل الأمرين : التعقيب والتراخي فيحمل على التراخي وإذا قال لها : أنت طالق طلقة تملك بها نفسك لزمه طلاق بائن لأنها لا تملك نفسها إلا بالبائن وإذا قال لها : أنت طالق أكثر الطلاق وكثيره فإنه يلزمه الثلاث ولو قال : إنه أراد اثنتين لا يسمع منه لا قضاء ولا ديانة لأن أكثر الطلاق وكثيره ثلاث على الراجح مثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق بالثمانين أو ألف طلقة أو ألوفا أو مرارا فإنه يلزمه بذلك الثلاث وإذا قال لها : أنت طالق لا قليل ولا كثير لزمه ثلاث وذلك لأن قوله : لا قليل معناه الكثير فتقع الثلاث وقوله بعد ذلك ولا كثير لا قيمة له وقيل يلزمه ثنتان لأن كثير الطلاق ثنتان والقولان مرجحان فلو عكس وقال لها : أنت طالق لا كثير ولا قليل يلزمه واحدة لأن نفي الكثير يصدق بالقليل وهو الواحدة فقوله بعد ذلك ولا قليل ملغى لأنه لا يملك نفي الواقع وقيل يقع ثنتان لأنه نفى الكثير والقليل فلزمه ما بينهما وهو الاثنتان لأنهما وسط فلا يقال لهما كثير ولا يقال لهما قليل .
وإذا شبه بالعدد فيما لا عدد له تلزمه واحدة رجعية فإذا قال لها : أنت طالق عدد التراب . أو عدد الشمس أو عدد شعر بطن كفي أو عدد ما في هذا الحوض من السمك ولا سمك فيه فإنه يلزمه واحدة رجعية بكل ذلك أما إذا شبه بما له عدد كشعر يده أو ساقه فإنه يلزمه الثلاث ما لم يكن المشبه به أقل وإذا قال لها : أنت طالق عدد الرمل يلزمه ثلاث والفرق بين الرمل والتراب أن التراب اسم جنس إفرادي يصدق على الكثير والقليل كالماء والعسل أما الرمل فإنه اسم جنس جمعي لا يصدق على أقل من ثلاثة ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء كتمر وتمرة ورمل ورملة ومثل ذلك ما إذا أضافه إلى عدد مجهول كقوله : أنت طالق كشعر إبليس فإنه يلزمه به واحدة .
خاتمة : إذا قال لها : لست لك بزوج أو لست لي بامرأة فقيل : إنه كناية يقع به الطلاق بالنية وقيل : لا يقع به شيء لأنه ليس من ألفاظ الكنايات على أن القائل بوقوع الطلاق بها يقول : إنه رجعي لا بائن .
المالكية - قالوا : إذا وصف الطلاق بصفة لا تشعر بالشدة كما إذا قال لها : أنت طالق أجمل الطلاق أو أحسنه أو خيره . أو نحو ذلك لزمته واحدة إلا أن ينو أكثر فإنه يلزمه ما نواه أما إذا وصفه بصفة أفعل كقوله : أنت طالق شر الطلاق أو أسمجه أو أشده أو أقذره أو أنتنه أو أكثره فإنه يلزمه ثلاث طلقات منجزة سواء دخل بها أو لم يدخل وإذا قال لها : أنت طالق ثلاثا للسنة لزمه الثلاث في المدخول بها باتفاق وفي غير المدخول بها قيل : تلزمه واحدة وقيل : بل الثلاث وهو الراجح .
وإذا قال لها : أنت طالق ثلاثا للبدعة أو بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها أما إذا قال لها : أنت طالق واحدة للبدعة أو واحدة للسنة أو قال : واحدة لا للبدعة ولا للسنة فإنه يلزمه واحدة ومثل ذلك ما إذا قال : أنت طالق للسنة أو للبدعة ولم يقيد بواحدة فإنه يلزمه واحدة ما لم ينو أكثر في كل هذا فإنه يعمل بما نواه .
وإذا شبه الطلاق بشيء كبير أو عظيم كما إذا قال : أنت طالق واحدة كالجبل أو الجمل أو القصر ولم ينو بها أكثر فإنه يلزمه واحدة . الشافعية - قالوا : إذا وصف الطلاق بصفة سواء كانت على وزان أفعل أو لا إلا ما نتق به أو نواه . فلو قال : أنت طالق طلقة واحدة . أو طلقة كبيرة أو عظيمة أو أعظم الطلاق أو أكبره أو أطوله أو أعرضه أو أشده أو ملء الجبل أو ملء السماء والأرض فإنه يقع به واحدة ما لم ينو أكثر فيلزمه ما نواه .
وإذا قال لها : أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من واحدة لزمه ثنتان . أما إذا قال لها : أنت طالق لا كثير ولا قليل لزمه واحدة أما إذا قال لها : أنت طالق لا أقل الطلاق ولا أكثره فإنه يلزمه الثلاث لأن قوله لا أقل الطلاق معناه أكثره وهو الثلاث فقوله بعد ذلك ولا أكثره لغو لأنه لا يملك رفعه بعد وقوعه وإذا نوى بقوله : لا أقل الطلاق ثنتان لزمه ثنتان وإذا قال لها : أنت طالق طلاق السنة أو طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله أو أنت طالق طلاق البدعة أو طلقة قبيحة أو أقبح الطلاق أو أفحشه فإن أراد طلاق السنة بالأوصاف الحسنة والطلاق البدعة بالوصاف القبيحة ينظر إن كانت المرأة في طهر لا وطء فيه طلقت بالأوصاف الحسنة حالا لأنها متصفة بحالة السنة وإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه تطلق بالأوصاف القبيحة حالا وإلا طلقت عند تحقق الوصف فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه وقال لها : أنت طالق للبدعة لا تطلق حتى تحيض وإلا طلقت حالا ومثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق للسنة وكانت حائضا فإنها لا تطلق حتى تطهر ولم يجامعها في ذلك الطهر .
أما إذا نوى وصف الطلاق بالحسن لأن امرأته قبيحة لا يصح معاشرتها فطلاقها حسن جميل ولكنها كانت حائضا وقع الطلاق في الحال وكذا إذا نوى وصفه بالقبح لأن امرأته حسنة الخلق وطلاقها قبيح فإنه يقع في الحال ولو كانت في طهر لم يجامعها فيه فلا تنتظر الحيض حتى يكون طلاقها قبيحا . هذا كله إذا كانت المرأة ممن يتف طلاقها بالسنة أو البدعة فإن كانت غير مدخول بها لا يتصف طلاقها بسني ولا بدعي كما تقدم فإن طلاقها الموصوف بهذه الصفات يقع في الحال .
وإذا شبه الطلاق بعدد وقع بقدر هذا العدد فلو قال لها أنت طالق كألف طلقة لزمه الثلاث وكذا إذا قال لها : أنت طالق عدد الرمل بخلاف أنت طالق عدد التراب فإنه يقع به واحدة كما يقول الحنفية وإذا قال لها : أنت كمائة طالق لزمه واحدة لأنه شبهها بمائة امرأة طالق ولم يشبه طلاقها بمائة طلقة بخلاف ما إذا قال لها : أنت مائة طالق فإنه يلزمه الثلاث كما يلزمه بقوله : أنت طالق مائة مرة أو بالثمانين وإذا قال لها : أنت طالق بعدد شعر إبليس لزمه طلاق واحد لأن شعر إبليس غير معلوم فيلغى العدد وإذا قال لها : أنت طالق عدد ما لاح بارق أو عدد ما مشى الكلب حافيا أو عدد ما حرك الكلب ذنبه لزمه الثلاث .
خاتمة إذا قال لها : أنت طالق كما حللت حرمت لزمه طلقة واحدة وإذا قال لها : علي الطلاق الثلاث إن رحت دار أبيك فأنت طالق فقيل : يقع واحدة وقيل يقع به ثلاث والأول أظهر لأن أول الصيغة ليس بيمين فلا يقع به شيء .
الحنابلة - قالوا : إذا وصف الطلاق بصفة حسنة كقوله : أنت طالق طلقة فاضلة أو عادلة أو كاملة أو جميلة أو قال لها : أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أقربه أو أعدله أو أكمله أو أفضله أو أتمه فإنه يحمل كل ذلك على الطلاق السني بمعنى أنها إن كانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليه الطلاق في الحال لأنه هو الطلاق الحسن الجميل وإلا بأن كانت حائضا أو نفساء أو في طهر جامعها فيه فإنها لا تطلق إلا إذا حاضت وطهرت طهرا لم يجمعها فيه إلا إذا نوى أن يقول لها : إن أحسن أحوالك هي أن تكوني مطلقة فإنه يقع في الحال وإذا ادعى أنه أراد وصف طلاقها بالحسن لقبيح معاشرتها بمعنى إن كانت قبيحة المعاشرة كان طلاقها حسنا جميلا لم يقبل قوله إلا بقرينة لأنه خلاف الظاهر .
وعلى عكس ذلك إذا وصف طلاقها بصفة قبيحة كما إذا قال لها : أنت طالق أسمج الطلاق أو أردأه أو أنتنه ونحو ذلك طلقت للبدعة بمعنى أنها إن كانت حائضا أو نفساء أو كانت في طهر جامعها فيه فإنها تطلق حالا وإلا طلقت عند الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه وأما إذا نوى أن يصف حالها بالقبح بمعنى أن أقبح أحوالها هي الحالة التي تطلق فيها فإنها تطلق في الحال أما إذا نوى أن يصف طلاقها بالقبح لحسن معاشرتها فكأنه يقول لها : إن طلاقك قبيح لحسن معاشرتك فإنه لا يصدق إلا بالقرينة كما ذكر أولا .
هذا كله إذا كانت مدخولا بها غير حامل وإلا طلقت في الحال وإذا قال لزوجته : أنت طالق واحدة بائنة أو واحدة بتة وقعت واحدة رجعية لأنه وصف الواحدة بغير وصفها فألغي الوصف .
وإذا قال لها : أنت طالق كل الطلاق أو أكثر بالثاء أو أنت طالق جميعه أو منتهاه أو غايته لزمه الثلاث وإن نوى واحدة وكذا إذا قال لها : أنت مائة طالق أو يا مائة طالق فإنه يلزمه الثلاث ومثل ذلك ما إذا شبه الطلاق بشيء يتعدد كعدد الحصى أو التراب أو الرمل أو القطر أو الريح أو الماء أو النجوم أو الجبال أو السفن أو البلاد فإنها تطلق في كل ذلك ثلاثا وكذا إذا قال لها : أنت طالق كألف أو كمائة فإن نوى التشبيه في الشدة لا في العدد يسمع منه قضاء .
وإذا قال : أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه أو أكبره أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا أو ملء البيت أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل فإنه يقع بكل هذا واحدة رجعية ما لم ينو أكثر )