وإذا علقه على فعل ماض واجب فإنه لا يحنث سواء كان واجبا عقلا أو شرعا أو عادة فمثال الأول أن يقول : عليه الطلاق لو جاءه أمس لم يجمع بين وجوده وعدمه ومثال الثاني أن يقول : لو كنت غير نائم أمس لصليت الظهر ومثال الثالث أن يقول : لو رأيت أسدا أمس لفررت منه فإن الفرار من الأسد واجب عادة . وإذا علق على فعل مستقبل ممتنع عقلا أو عادة أو شرعا فإنه لا يحنث مثال الأول أن يقول لها : أنت طالق إن جمعت بين الضدين ومثال الثاني أن يقول لها أنت طالق إن لمست السماء ومثال الثالث أن يقول لها : إن زنيت فأنت طالق لأنه علق الطلاق على الزنا في المستقبل وهو ممتنع شرعا وهذا بخلاف ما إذا قال لها إن لم أجمع بين الضدين فأنت طالق أو إن لم ألمس السماء فأنت طالق أو إن لم تزن فأنت طالق فإن الطلاق يقع منجزا في الحال ويقع للصيغة الأولى : صيغة بر وللثانية صيغة حنث .
هذا وقد تقدم ما يوضح ذلك في كتاب الإيمان . أول الجزء الثاني .
الشافعية - قالوا : إذا أضاف الطلاق إلى الزمان المستقبل فإنه يقع عند أول جزء من ذلك الزمان . فإذا كان في شهر شعبان مثلا . وقال : أنت طالق في شهر رمضان طلقت منه في أول جزء من ليلة أول يوم في رمضان . فإذا كان أول رمضان يوم الخميس تطلق بغروب شمس يوم الأربعاء الذي قبله . ولو رأى الهلال قبل غروب الشمس ومثل ما إذا قال لها : أنت طالق في غرته أو أوله أو رأسه . أما إذا قال لها : أنت طالق في نهار شهر شعبان أو في أول يوم منه فإنه تطلق في فجر أول يوم منه وإذا قال لها : أنت طالق في آخره تطلق في آخر جزء من أيامه .
هذا إذا كان في شهر شعبان فإن قال لها : أنت طالق في رمضان بعد أن مضى خمسة أيام من رمضان مثلا فإنها تطلق في أول جزء من رمضان في السنة الآتية وبعضهم يقول : بل تطلق منه في الحال وهذا بخلاف ما إذا قال لها : أنت طالق شهر رمضان أو شعبان فإنه يقع حالا سواء كان في الشهر الذي عينه أو لا وإذا قال لها وهو في الليل : أنت طالق إذا مضى يوم تطلق بغروب شمس الغد وإذا قال لها ذلك وهو في النهار تطلق بغروب شمس اليوم التالي أما إذا قال لها : إذا مضى اليوم فأنت طالق وكان في أول اليوم نهارا فإنها تطلق بغروب شمس ذلك اليوم أما إذا قال لها : أنت طالق بمضي ذلك اليوم وهو في الليل فإنه يكون لغوا ولا يقع به شيء لأنه لم يكن في اليوم بل كان في الليل فلا معنى لقوله : أنت طالق اليوم وهذا بخلاف ما لو قال لها : أنت طالق اليوم فإنه يقع حالا سواء كان في الليل أو في النهار . وذلك لأنه أوقع الطلاق في الوقت الذي هو فيه وتسميته نهارا وهو في الليل لا تؤثر في ذلك .
وإذا قال لها : أنت طالق بمضي شهر أو سنة تطلق إذا مضى شهر كامل وسنة كاملة غير الشهر الذي هو فيه وغير السنة التي هو فيها أما إذا قال لها : أنت طالق إذا مضى الشهر أو السنة فإنه يقع في أول الشهر الذي يليه وفي أول السنة التي تلي السنة التي هو فيها فيقع في أول يوم من المحرم .
أما إذا أضاف الطلاق إلى الزمن الماضي كما إذا قال لها : أنت طالق أمس أو الشهر الماضي فإنه يقع حالا سواء قصد إيقاعه حالا أو قصد إيقاعه أمس أو لم يقصد شيئا .
هذا وقد عرفت مما تقدم في مباحث الإيمان - في الجزء الثاني - أن المحلوف عليه إن كان واجبا عقلا أو عادة كقوله : عليه الطلاق ليموتن أو لا يصعد إلى السماء فإنه لا ينعقد ويكون لغوا وإن كان ممكنا عقلا وعادة فإنه ينعقد كما إذا قال : عليه الطلاق ليدخلن هذه الدار أو لا يدخلها فإن دخولها وعدم دخولها ممكن عقلا وعادة وكذا ينعقد إذا كان مستحيلا عادة كقوله : عليه الطلاق ليصعدن إلى السماء أو ليحملن الجبل ويقع الطلاق في الحال زجرا لصاحبه الخ ما هو مفصل هناك . فارجع إليه .
الحنابلة - قالوا : إذا أضاف الطلاق إلى الزمن الماضي فقال لها أنت طالق أمس أو أنت طالق قبل أن أتزوجك فإنه إذا نوى به الطلاق في الحال وقع الطلاق في الحال فإن لم ينو وقوعه في الحال بأن أطلق ولم ينو شيئا . أو نوى إيقاعه في الماضي لم يقع الطلاق وذلك لأن الطلاق رفع لحل الاستمتاع وهو لا يملك رفع الحل في الزمن الماضي لأنه وجد بالفعل وانقضى فلا معنى لرفعه وإن كانت متزوجة بزوج قبله وطلقها فقال : إنه أراد الإخبار عن طلاق زوجها الأول فكأنه قال : أنت طالق من زوجك الأول فإنه يقبل قوله ومثل ذلك ما إذا كان قد تزوجها هو ثم طلقها ثم تزوجها ثانيا وقال : إنه أراد الإخبار عن الطلاق الأول فإنه يقبل منه إلا إذا وجدت قرينة تمنع إرادة ذلك كما إذا كانا في حالة غضب أو سألته الطلاق فإنه في هذه الحالة لا يصدق في قوله .
وإذا قال لها : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم زيد قبل انقضاء الشهر فإنها لا تطلق بل لا بد في طلاقها من انقضاء الشهر قبل قدومه حتى لو قدم مع بقاء آخر جزء من الشهر لا تطلق ومن حلف على زوجته بمثل هذا اليمين فإنه يجب عليه أن لا يقربها بعد ذلك فإذا فعل حرم عليه إذا كان الطلاق بائنا وللزوجة النفقة حتى يتبين وقوع الطلاق فإن قدم بعد انقضاء شهر وجزء يسع وقوع الطلاق فإنه يقع الطلاق في ذلك الجزء ويتبين أيضا أن وطأه إياها في أثناء هذا الشهر حرام ويلزمه به مهر مثلها بما نال من فرجها إن كان الطلاق بائنا فإن كان رجعيا فلا يكون محرما وتحصل به رجعتها .
وإذا أضاف الطلاق إلى الزمن المستقبل وقال لها : أنت طالق غدا فإنها تطلق عند طلوع فجر الغد ومثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق يوم السبت أو أنت طالق في رجب فإنها تطلق في أول جزء منه وله في هذه الحالة أن يطأ زوجته قبل حلول وقت الطلاق وإذا قال أردت آخر لغد أو آخر رجب فإنه لا يسمع قوله لا ديانة ولا قضاء .
وإذا قال لها : أنت طالق اليوم طلقت في الحال ومثل ذلك ما إذا قال لها : أنت طالق في هذا الشهر الذي هو فيه فإنها تطلق حالا فإذا قال إنه أراد آخر الوقت فإنه يصدق ديانة وحكما .
وإذا قال : أنت طالق في أول رمضان أو رأسه طلقت في أول جزء منه ولا يصدق في قوله : إنه أراد وسطه أو آخره . أما إذا قال : في غرة رمضان إنه أراد اليوم الأول أو الثاني أو الثالث فإنه يصدق لأن الثلاثة الأول من الشهر تسمى غررا وإن قال : بانقضاء رمضان أو بآخره أو في انسلاخه طلقت في آخر جزء منه وإن قال : أنت طالق اليوم أو غدا طلقت في الحال وإن قال : أنت طالق غدا أو بعد غد طلقت في الغد لأنه هو السائل وإذا قال لها : أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد طلقت واحدة بأنت طالق اليوم لأن التي تطلق اليوم تطلق غدا وبعد غد بخلاف ما إذا قال : أنت طالق في اليوم وفي غد وبعد غد فإنها تطلق ثلاثا وذلك لأنه في الصورة الأولى لم يكرر لفظ - في - أما في الصورة الثانية فقد كررها وتكرارها دليل على أنه يريد تكرار الطلاق وإذا قال لها : أنت طالق كل يوم لزمه طلاق واحد بخلاف ما إذا قال : أنت طالق في كل يوم فإنه يلزمه ثلاث طلقات في ثلاثة أيام لتكرار في . وإذا قال لها : أنت طالق قبل موتي أو موتك بشهر فإنه إن مات أحدهما قبل مضي الشهر لم تطلق وإذا مات بعد الحلف بشهر وساعة يمكن فيها إيقاع الطلاق وقع الطلاق ولا ترث المرأة في هذه الحالة إن طلاقها بائنا لأنه لا يتصور في هذا اليمين الفرار من الميراث إلا أن يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يمنع التوارث ما دامت في العدة .
وإذا قال لها : أنت طالق قبل موتي أو موتك أو موت زيد ولم يقيد بزمن فإنها تطلق في الحال وإن قال : قبيل موتي يقع الطلاق في آخر وقت من حياته أي في الزمن الذي وقع بعده موته مباشرة وإذا قال : أنت طالق بعد موتي أو مع موتي لم تطلق لأنها لا تكون محلا للطلاق في هذه الحالة .
وإذا علق طلاقها على فعل مستحيل عقلا أو عادة . كقوله : إن جمعت بين الضدين فأنت طالق أو إن طرت إلى السماء فأنت طالق أو إن شربت ماء فأنت طالق لا يقع بذلك شيء بخلاف ما إذا علق الطلاق على عدم الفعل المستحيل كقوله : هي طالق إن لم أشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه فإنها تطلق في الحال أو إن لم أصعد إلى السماء أو إن لم أجمع بين الضدين وقد تقدم مزيد لذلك في الأيمان في الجزء الثاني فارجع إليه )