- إذا قال : طالق فقط ناويا به طلاق امرأته ولم يقل : أنت طالق أو زينب طالق أو قال : علي الطلاق ولم يقل : من امرأتي أو من فلانة أو قال : يد امرأتي أو رجلها أو شعرها طالق فهل يقع الطلاق عليه بذلك أو لا ؟ في الجواب تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : اختلفت أنظار الباحثين في إضافة الطلاق إلى المرأة فقال بعضهم : لا يقع الطلاق إلا إذا أسنده إلى شيء يعبر به عن المرأة بأن يذكرها باسمها فيقول : زوجتي زينب طالق ويسمى هذا إضافة لفظية أو يذكرها بالضمير كأنت طالق . أو طالقتك أو باسم الإشارة كهذه طالق أو باسم الجنس كأمرأتي طالق ويسمى هذا إضافة معنوية فإذا لم يضف الطلاق إلى المرأة بأن يذكر اسمها صريحا لفظا أو يذكر لفظا يدل عليها فإنه لا يقع عليه الطلاق ولو نوى به الطلاق فإذا قال لها : لا تخرجي من غير إذني لأنني حلفت بالطلاق ونوى بذلك طلاقها فخرجت فإنه لا يقع عليه شيء وذلك لأنه لم يضف الطلاق إلى المرأة أما لو قال لها حلفت بطلاقك فإنه يقع وكذا لو قال شخص لآخر : اذهب معي لزيارة فلان فقال : إني حلفت بالطلاق أن لا أزوره وهو كاذب في ادعاء الحلف ثم ذهب لم يقع عليه الطلاق لعدم إضافته إلى المرأة وإذا قال علي الطلاق لا أفعل كذا ولم يقل من امرأتي أو من هذه أو من زينب مثلا أو منك وفعل فإنه لا يلزمه طلاق ولو نوى الطلاق .
وقال بعضهم : إذا نوى طلاقها لزمه الطلاق وذلك لأن نية الطلاق تجعل الإضافة إلى المرأة موجودة فكأنه قال : حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك ولكن بعض المحققين من شيوخنا رجح الرأي الأول وجعله مدار الفتوى مستدلا بأن المذهب اشترط إضافة الطلاق إلى المرأة بذكر اسمها أو ما يدل عليها من ضمير أو اسم إشارة أو لفظ عام أما نية الإضافة فإنها لا تكفي وعلى هذا لا تعتبر صيغة الطلاق إلا إذا ذكر فيها ما يدل على المطلقة ولا يرد أن العرف قد استعمل كلمة علي الطلاق وعلي الحرام في تطليق الزوجة والعرف يعمل به عند الحنفية فينبغي أن يقع به الطلاق بدون إضافة والجواب أن العرف لا يعول عليه إذا ناقض نصا صريحا أو خالف شرطا من الشروط . وقد عرفت أنهم قد اشترطوا أن يضاف الطلاق إلى المرأة لفظا لا نية بأن يذكر ما يدل عليها من اسم صريح أو ضمير أو نحو ذلك ومتى ثبت ذلك فلا معنى للعمل بالعرف الذي يناقض هذا الشرط وهذا الرأي حسن وينبغي أن يعمل به في زماننا خصوصا بعد أن أصبح معمول به في القضاء والافتاء أن تعليق الطلاق يبطله فلو فرضنا ونظرنا إلى العرف فإنه الآن قد أصبح متعارفا بين الناس أن - علي الطلاق - لا يقع به الطلاق حتى لو أضافه إلى المرأة كما أنه أصبح متعارفا بين الناس أن الطلاق الثلاث لا يقع به إلا واحدة فالنظر إلى العرف يقضي أن تكون الفتوى الآن على أن الطلاق المعلق المضاف لا يقع به شيء عند الحنفية وأن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لا يقع به إلا واحدة عندهم .
ويتفرع على اشتراط إضافة الطلاق إلى المرأة أن الرجل إذا أضاف الطلاق إليه دونها فإنه يلغو ولا يعمل به مثلا إذا قال لها : أنا منك طالق أو أنا منك بريء لا يقع به شيء ولو نوى به طلاقها لأنه أضاف الطلاق إلى نفسه والرجل ليس محلا للطلاق بخلاف ما إذا قال لها : أنا منك بائن أو منك حرام أو أنا عليك حرام وذلك لأن معنى الإبانة الانفصال وإزالة ما بينهما من وصلة ومعنى التحريم إزالة حل الاستمتاع الحاصل بينهما ولا يخفى أن المعنيين مشتركان بين الرجل والمرأة فيصح نسبتهما إلى كل واحد منهما فلو قال أنا بائن ولم يقل منك أو قال أنا حرام ولم يقل عليك فإنه لا يقع به شيء ولو نوى الطلاق لأنه لم يضفه إلى المرأة بل أضافه إلى نفسه فقط . والشرط أن يضيفه إليها فإذا قال لها : أنت بائن ولم يقل مني أو قال : أنت حرام ولم يقل علي فإنه يلزمه بالنية لأنك قد عرفت أن هذه الألفاظ من باب الكنايات على أنه إذا جعل الزوج أمر طلاق المرأة بيدها وقالت له : أنت بائن مني ولم تقل وأنا منك بائنة فإنها لا تطلق وذلك لأنها وإن حلت محل الزوج في إيقاع الطلاق ولكنها لم تضف الطلاق إلى نفسها فلا يقع .
وبهذا تعلم أن الطلاق الصريح إذا أضافه إليه لا يقع حتى ولو أضافه إليها أيضا وأن الكناية التي يكون معناها مشتركا بينهما إذا أضافها إليه وإليها ونوى بها الطلاق وقع كأنا منك بائن وإذا أضافها إليها وحدها دونه فإنه يصح ويقع كما إذا قال لها : أنت بائن أنت حرام وإذا أضافها إليه وحده كأنا بائن فإنه لا يقع بها شيء وإذا جعل أمرها بيدها فإنه لا يقع إلا إذا أضافته إلى نفسها وأضافته إليه فيقول : أنا منك بائنة أنت مني بائن أنا حرام عليك أنت حرام علي .
والحاصل أن الحنفية قالوا : يشترط لإيقاع الطلاق أن يضاف إلى المرأة بأن يأتي باسمها أو يأتي بالضمير الدال عليها سواء كان ضمر خطاب كأنت طالق أو ضمير غيبة كهي إذا أعاد الضمير عل امرأته أو اسم إشارة عائد إليها كهذه طالق فهذه الألفاظ تدل على المرأة وضعا ويقوم مقام ذلك ذكرها بجزئها بشرط أن يكون ذلك الجزء شائعا في بدنها كالنصف والثلث والربع أو يعبر به عن المرأة بمعنى أنه يشتهر التعبير بذلك الجزء عن جميع الذات وذلك كالرقبة والعنق والبدن والجسد والفرج والوجه والرأس فإن هذه الألفاظ قد اشتهر استعمالها في ذات الإنسان فأما الفرج فقد ورد " لعن الله الفروج على السروج " وأما غيره من الألفاظ فاستعمالها في الذات ظاهر فلا يقع بالإضافة إلى المرأة إلا إذا وجد أحد الأمرين : الإضافة إلى الجزء الشائع من نصف وثلث الخ لأن الطلاق لا يتجزأ أو الإضافة إلى جزء اشتهر استعماله في الكل حتى أصبح حقيقة عرفية . أما إذا لم يكن جزءا شائعا أو لم يكن جزءا يستعمل في الكل عرفا فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى به المجاز بأن ينطق بالجزء وينوي به الكل لعلاقة الجزئية فإذا قال : يدك طالق ولم تكن اليد مشتهرة في التعبير بها عن الكل عند الناس لا تطلق إلا إذا أراد باليد جميع المرأة ومثل اليد الرجل والفخذ والشعر والأنف والسن والريق والعرق والثدي والدبر . أما الاست فقد قالوا : إنه يقع به لأنه وإن كان مرادفا للدبر ولكن اشتهر استعماله في جميع المرأة ومثله البضع فإنه وإن كان مرادفا للفرج ولكن لا يقع به لأنه لم يشتهر استعماله في الجميع . وكذلك الظهر والبطن فإنهما لم يشتهر استعمالهما في الكل فلا يقع بهما فإذا اشتهر استعمالهما في الكل عند قوم وقع بهما بدون نية المجاز . فالمدار على شهرة استعمالها في الكل بحيث لو اشتهر استعمال اليد في الكل وقع بها بدون نية المجاز وهكذا .
وبالجملة فأجزاء الجسم منها ما يقع به الطلاق بدون نية المجاز وهي الأجزاء الشائعة والأجزاء التي اشتهر استعمالها في الكل بدون قرينة كالرقبة الخ ومنها ما يقع به الطلاق إذا نوى به استعماله في جميع البدن كاليد ونحوها . ومنها ما لا يقع به شيء حتى ولو نوى به جميع البدن كالريق والسن والشعر والظفر والعرق لأن هذه لم يعهد التعبير بها عن الإنسان . ومثلها الأجزاء الباطنية التي لا يستمتع بها كالقلب والكبد والطحال فإنه إذا أضاف الطلاق إليها لا يقع ولو نوى بها جميع بدنها .
هذا وإذا قال لها : روحك طالق أو نفسك طالق فإنها تطلق لأنهما يعبر بهما عن الكل كما لا يخفى .
الشافعية - قالوا : إذا قال لزوجته : طالق ولم يقل أنت فإنه لا يقع به الطلاق ولو نوى تقدير أنت إلا إذا قال : - طالق - في جواب سؤال المرأة طلاقها فإذا قالت له : هل تطلقني ؟ فقال لها : طالق لزمه الطلاق حينئذ ومثل ذلك ما إذا قال لها : حرام علي ولم يقل : أنت فإنه لا يقع به الطلاق ولو نوى تقدير أنت وهذا بخلاف علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو علي الحرام أو الحرام يلازمني لا أفعل كذا فإنه يقع به الطلاق وإن لم يضفه إلى المرأة فلا يشترط في إيقاعه عندهم أن : علي الطلاق من فلانة أو منك أو من امرأتي بل لو قال : علي الطلاق وسكت فإنه يكون بمنزلة أنت طالق على الصحيح وبعضهم يقول : إنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية فهو من باب الكناية لا من باب الصريح فلو قال لزوجته : أنا منك طالق وأضاف الطلاق إلى نفسه لا إليها ونوى به الطلاق فإنه يقع وقد عرفت أن الرجل وإن كان ليس محلا للطلاق ولكن لما كان مقيدا بالنسبة لزوجته من بعض الوجوه بحيث لا يجوز له أن يتزوج أختها أو يتزوج خامسة عليها إن كان متزوجا لأربع فإنه يصح أن ينسب إليه الطلاق فيقال : إنه طالق من هذا القيد فإذا نوى به الطلاق لزمه وكذا إذا قال لها : أنا منك بائن ونوى به الطلاق فإنه يلزمه الطلاق .
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزئها المتصل بها كيد وشعر وظفر ودم وسن فخرج بقوله : جزئها إضافة الطلاق وإلى فضلتها كريقها ومنيها ولبنها وعرقها فإنه لا يقع به شيء وبقوله : المتصل بهذا الجزء المنفصل كما إذا قال لمقطوعة اليمين : يمينك طالق فإنه لا يقع به شيء .
المالكية - قالوا : كل لفظ ينوي به الطلاق يقع به الطلاق فلو قال : طالق بدون إضافة إلى المرأة أو إلى جزئها ونوى طلاقها واحدة أو أكثر لزمه ما نواه حتى لو قال لها : اسقيني ونوى طلاقها ثلاثا لزمه الثلاث على أنهم قالوا : إن الصريح يقع به الطلاق وإن لم ينو . وقد عرفت أن ألفاظ الصريح منحصرة في أربعة : منها أن يقول لها أنا طالق منك فهو صريح يقع به الطلاق وإن لم ينو مع كونه أضاف الطلاق إلى نفسه لا إلى المرأة خلافا للحنفية والحنابلة فإنهم يقولون : إنه لا يقع به الطلاق ولو نواه وخلافا للشافعية الذين يقولون : إنه يقع به الطلاق إذا نواه .
فإذا صرح بإضافة الطلاق إلى جزء المرأة فإن كان الجزء متصلا وكان من المحاسن التي يتلذذ بها الرجل كالشعر والريق - فإن الريق يتلذذ به - والعقل والكلام لأنهما من الأمور التي توجب إعجاب الرجل والتذاذه قطعا خصوصا الكلام إذا كان رقيقا فإن اللذة به محسة فإنه يقع به الطلاق أما إذا كان الجزء منفصلا ونوى الإضافة إليه كما إذا قال لها : شعرك طالق وأراد شعرها الذي حلقته فإنها لا تطلق وإذا لم ينو المتصل ولا المنفصل تطلق ولو أضاف الطلاق إلى جزء لا يتلذذ به : كالسعال والمخاط ودمع العين فإنها لا تطلق .
هذا وقد صرح المالكية بأن الرجل الذي يقول هذا يكون آثما فيحرم عليه أن يطلق بعض تطليقة أو يطلق المرأة وإذا فعل يؤدب عليه .
الحنابلة - قالوا : الإضافة إلى المرأة لا تشترط في الطلاق الصريح إنما يشترط أن لا يضيف الرجل الطلاق إليه فلو قال : علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو يلزمني الطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يذكر المرأة أو لم ينم به الطلاق يلزمه وإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه فلو نوى بقوله : علي الطلاق أو أنت طالق طلاق امرأته ثلاثا لزمه الثلاث أما إذا قال : أنا طالق منك ونوى به الطلاق فإنه لا يقع به شيء لأن الرجل قد أضاف الطلاق إلى نفسه وهو غير محل للطلاق .
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزء متصل بها فلو قال لها نصفك طالق أو جزء منك طالق طلقت وكذا إذا قال لها : يدك طالق وكانت لها يد أو قال لها : أصبعك طالق فإنها تطلق أما إضافة الطلاق إلى الأجزاء البعيدة كالشعر والظفر والسن فإنها لا تطلق بها ومثلها الإضافة إلى الفضلات كالريق والمني والبصاق ونحو ذلك . وكذا الإضافة إلى الصفة كالبياض والسواد وإذا قال لها : روحك طالق لا تطلق لأن الروح لا يستمتع بها وليست جزءا بل هي أمر معنوي أما إذا قال : حياتك طالقة فإنها تطلق لأنها لا بقاء لها إلا بالحياة )