- قد عرفت أن الطلاق ينقسم باعتبار صيغته إلى صريح وكناية والصريح ينقسم إلى رجعي . وبائن وفي كل ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : الصريح نوعان : صريح رجعي وصريح بائن . فأما الصريح الرجعي فهو ما اجتمعت فيه خمسة قيود : .
القيد الأول : أن تكون صيغته مشتملة على حروف الطلاق . كأن يقول لها : طلقتك . وأنت طالق . ومطلقة - بالتشديد - أما مطلقة - بالتخفيف - فإنها تحتمل الإطلاق من قيد الحبس في المنزل والإذن لها بالخروج فيكون كناية وسيأتي حكمها . ومن الصريح قوله لزوجته : كوني طالقة أو تكوني طالقة فإن لفظ - تكوني - وإن كانت للاستقبال ولكن جرى العرف باستعمالها في الحال حتى لو قال لها : أطلقك وكان استعماله غالبا في الحال فإنها تطلق منه ومن الصريح أيضا كوني طالقة واطلقي ومنه أن يقول لها : خذي طلاقك فتقول : أخذته فإنه يكون صريحا وقيل : لا بد فيه من نية ومن الصريح أيضا كلمة نعم أو بلى في جواب هل طلقت امرأتك ؟ فقال : نعم أو بلى فإنها تطلق وذلك بدون نية وكذا لو قال له شخص : ألست طلقت امرأتك ؟ فقال : نعم . أو بلى فإنه قد طلق وذلك لأن العرف لا يفرق بين الجواب بكلمة نعم أو بكلمة بلى بخلاف اللغة فإن كلمة نعم لا تصلح جوابا للنفي بخلاف كلمة بلى فإنها جواب للنفي وهذا خلافا للحنابلة كما يأتي : .
ويلحق بذلك الألفاظ المصحفة وهي خمسة ألفاظ : .
( 1 ) إبدال القاف غينا بأن يقول : طلغتك .
( 2 ) إبدال الطاء تاء والقاف غينا بأن يقول : تلغتك .
( 3 ) إبدال القاف كافا بأن يقول : طلكتك وهي كثيرة .
( 4 ) إبدال الطاء تاء والقاف كافا بأن يقول : تلكتك .
( 5 ) إبدال الطاء تاء بأن يقول : تلقتك وزاد بعضهم سادسا وهو إبدال القاف لاما بأن يقول : أنت طالل .
فهذه الألفاظ صريحة في الطلاق عند الحنفية فإذا جرت على لسان شخص بدون قصد . كأن قال لامرأته : يا طالل وهو يريد أن يناديها يا هانم فإنه يقع قضاء لا ديانة أما إن قصد لفظ طالق ولم يقصد إيقاعه بأن كان هازلا فإنه يقع قضاء وديانة .
وبهذا تعلم أن الطلاق بالحروف المصحفة يقع ولو لم يكن المطلق أعوج اللسان وأما ذكر الطلاق بحروف الهجاء مقطعة كأن يقول لها : ط ا ل ق أو يقول لها : طاء ألف لام قاف فالتحقيق أنها كناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية .
القيد الثاني : أن يكون بعد الدخول حقيقة فإذا طلقها قبل الدخول طلاقا صريحا يكون بائنا لا رجعيا والمراد بالدخول الحقيقي الوطء بالكيفية المتقدمة في مباحث المهر أما الخلوة بها وهي دخول حكما فلا تعتبر هنا فإذا خلا بها ثم طلقها قبل الوطء طلاقا صريحا كان بائنا .
القيد الثالث : أن لا يكون لفظ الطلاق مقرونا بعوض كأن يقول لها : طلقتك على مؤخر الصداق ونحوه فإنه يكون طلاقا بائنا لا رجعيا .
القيد الرابع : أن لا يكون مقترنا بعدد الثلاث لا نصا ولا إشارة ولا موصوفا بصفة تشعر بالبينونة أو تدل على البينونة من غير حرف العطف مثال الأول ظاهر وهو أن يقول لها : أنت طالق ثلاثا ومثال الثاني أن يقول لها : أنت طالق ويشير لها بثلاثة أصابع فإنه يقع ثلاثا في الحالتين ومثال الثالث أن يقول لها : أنت طالق طلاقا شديدا . أو طلاقا أشد من الجبل فإن وصفه بالوصف الشديد يجعله بائنا فيقع بذلك طلقة واحدة بائنة كما سيأتي ومثل ما يدل على البينونة صريحا أن يقول لها : أنت طالق بائن فوصفه بالبينونة يجعله طلاقا واحدا بائنا وقولنا : من غير حرف العطف خرج به ما إذا قال لها : أنت طالق وبائن فإن الأول يكون رجعيا والثاني يلحق به ويكون بائنا .
القيد الخامس : أن لا يكون مشبها بعدد أو صفة تدل على البينونة كقوله : طلقتك طلقة كثلاث فإنه ان نوى بها واحدة وقعت واحدة بائنة وإلا وقعت ثلاثا ومثلها ما إذا قال لها : أنت طالق طلقة كالشمس أو كالقمر . فإنه يقع بها واحدة بائنة . فالطلاق الصريح الرجعي هو أن يطلق امرأته بعد الدخول بها بلفظ مشتمل على حروف الطلاق من غير أن يقترن طلاقه بعوض ولا بعدد الثلاث لا نصا ولا إشارة ولا يكون موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل على البينونة من غير حرف العطف ولا مشبه بعدد أو صفة تدل على البينونة والطلاق البائن بخلاف ذلك . وهو أن يطلقها قبل الدخول ولو بلفظ الطلاق أو يطلقها بعد الدخول طلاقا مقرونا بعد الثلاث . أو بلفظ ليس فيه حروف الطلاق . أو بلفظ فيه حروف الطلاق ولكنه مقترن بوصف ينبئ عن الإبانة أو يدل عليها . أو مشبها بعدد أو صفة تدل على الإبانة .
وبهذا تعلم حد الطلاق الصريح الرجعي والبائن ثم إن البائن إن كان ثلاثا فإنه يعتبر ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن كان واحدا أو اثنين فإن كان رجعيا فإنه لا يحتاج لعقد وإن كان بائنا فإنه يحتاج لعقد جديد . هذا وحكم الطلاق الصريح الرجعي أن تقع به طلقة رجعية وإن نوى أكثر من واحدة أو نوى الإبانة فلو قال لها : أنت طالق ونوى بها الثلاث لا تقع إلا واحدة ولو نوي بها غير الفراق كأن نوى بها الطلاق عن وثاق لم يصدق قضاء ولكن لا يلزمه الطلاق ديانة فيحل له أن يأتي زوجته ولكن لا يحل للمرأة أن تمكنه من نفسها إن سمعت منه ذلك أو شهد به شاهد عدل عندها فلو صرح بالقيد بأن قال لها : أنت طالق عن وثاق لم يقع قضاء كما لم يقع ديانة .
ولو قال لها : عليك الطلاق فإنه يقع إذا نوى به الطلاق ولو قال لها : طلاقي عليك واجب وقع بدون نية ومثل ذلك ما إذا قال لها : الطلاق عليك واجب أو لازم أو فرض . أو ثابت فبه خلاف فبعضهم يقول : إنه يقع به واحدة رجعية نوى أو لم ينو وبعضهم يقول : لا يقع به شيء ومنهم من يقول : يقع في قوله : واجب بدون نية وفي قوله : لازم لا يقع وصحح بعضهم الوقوع في الكل .
المالكية - قالوا : الطلاق الصريح تنحصر ألفاظه في أربعة أحدها : طلقت . ثانيها : أنا طالق منك . ثالثها : أنت طالق أو مطلقة مني - بتشديد اللام - رابعها : الطلاق لي لازم . أو علي لازم . أو مني . أو لك . أو عليك لازم أو نحو ذلك فهذه الأربعة هي الصريح ويلزم بكل لفظة من هذه الألفاظ الأربعة طلقة واحدة إن لم ينو شيئا وأما إذا نوى بها اثنتين أو ثلاثا فإنه يلزمه ما نواه خلافا للحنفية الذين يقولون إن الصريح لا نية فيه فلو نوى به أكثر من واحدة فلا يلزمه إلا واحدة . ثم إن الصريح الذي وقعت به واحدة إن كان قبل الدخول أو كان في نظير عوض - وهو الخلع - فإنه يكون بائنا وإلا فإنه يكون رجعيا فالبائن عند المالكية الخلع والطلاق قبل الدخول والطلاق البات سواء كان ثلاثا كما إذا كان بلفظ ثلاث . أو كان بالكنايات الظاهرة التي سيأتي بيانها أو حكم به حاكم كما سيأتي في شروط الرجعة والرجعي بخلافه .
هذا وإذا قال لها : أنت منطلقة أو مطلقة - بفتح اللام مخففة - فإن نوى بها الطلاق وقع كما في الكنايات الخفية الآتي ذكرها وإن لم ينو فلا يقع بها شيء لأن العرف لم يعتبرها طلاقا .
الشافعية - قالوا : ينقسم الطلاق إلى قسمين : صريح بنفسه وصريح بغيره فأما الأول - وهو الصريح بنفسه - فما كان مأخوذا من مادة الطلاق أو مأخوذا من مادة السراح كقوله : سرحتك . أو مأخوذا من مادة الفراق كقوله : فارقتك . فما كان مأخوذا من مادة الطلاق فهو كقوله : أنت طالق وطلقتك ومطلقة - بتشديد اللام - فإن خفف اللام كان كناية وهذا بخلاف لفظ الطلاق نفسه فإنه تارة يقع مبتدأ كأن يقول لها علي الطلاق لأفعلن فالطلاق مبتدأ وعلي خبره وهو صريح وقال جماعة : إنه كناية لا يقع به طلاق إلا بالنية والأول أرجح ومثله ما إذا قال لها : طلاقك واجب علي . أو لازم لا أفعل كذا فإنه يكون صريحا أما إذا قال لها : طلاقك فرض علي فإنه يكون كناية على الأرجح وذلك لأن الفرض قد اشتهر استعماله في العبادة فيحتمل أنه أراد ذلك خطأ لأن الطلاق ليس عبادة بخلاف الواجب فإنه يستعمل بمعنى الثابت اللازم وتارة يقع مفعولا كأن يقول لها : أوقعت عليك الطلاق أو يقع فاعلا كقوله : يلزمني الطلاق وهو صريح في الحالتين وما عدا ذلك يكون كناية كما لو أقسم به كأن يقول : والطلاق لا أفعل فإنه يكون كناية باتفاق وإذا ذكر الطلاق بحروف مصحفة كأن قال لها : أنت تالق فلا يخلو إما أن يكون النطق بمثل هذا لغة له أو لا فإن كان لغته فإنه يكون صريحا وإن لم يكن لغته بأن كان ينطق بطالق وجرت على لسانه تالق أو تعمد النطق بها فإنه يكون كناية وهذا هو المعتمد عندهم .
والحاصل أن الصريح بنفسه عندهم ما اجتمع فيه أمران : الأول أن يرد ذكره في القرآن مكررا وذلك ظاهر في لفظ الطلاق وما اشتق منه وأما السراح فقد قال تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } وقال : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ( سورة البقرة ) وأما الفراق فقد قال تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } ( سورة الطلاق ) والفراق لم يتكرر لفظه في القرآن ولكن تكرر معناه فألحق بالمتكرر . ثانيهما : أن يشتهر استعماله في الطلاق وظاهر أن السراح والفراق اشتهر استعمالهما في الطلاق فهما من الصريح .
هذا هو الصريح بنفسه أما الصريح بغيره فهو ما اشتق من لفظ الخلع أو لفظ المفاداة بشرط أن يضاف إلى المال لفظا . أو نية كأن يقول لها : خالعتك أو فاديتك أو افتديت منك على كذا فاللفظ المشتق من الخلع أو المفاداة ليس صريحا في نفسه بل بإضافته إلى المال فإذا لم يضف كان كناية كما سيأتي في بابه . ثم إن الصريح بغيره يشترط فيه أحد الشرطين السابقين في الصريح بنفسه فهو إما أن يرد ذكره في القرآن وإن لم يتكرر ومثله ما إذا ورد معناه . أو يشتهر استعماله في الطلاق فالمفاداة ورد ذكرها في القرآن قال تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وهو معنى الخلع وقد اشتهر استعمال الخلع والمفاداة في الطلاق .
بقي من الصريح شيء آخر وهو كلمة - نعم - إذا وقعت في جواب سؤال عن طلاق صريح فلو قال شخص لآخر : هل طلقت امرأتك ؟ فقال : نعم كانت صريحا فينحصر الطلاق الصريح في خمسة عبارات : .
( 1 ) الطلاق وما اشتق منه على الوجه المتقدم .
( 2 ) ما اشتق من السراح .
( 3 ) ما اشتق من الفراق .
( 4 ) الخلع والمفاداة إذا أضيف كل منهما إلى المال لفظا أو نية .
( 5 ) كلمة نعم في جواب السؤال عن طلاق صريح .
وحكم الطلاق الصريح بنفسه أن يقع به طلقة واحدة رجعية إذا لم يكن قد طلقها قبلها اثنتين أو لم يكن قد دخل بها وحكم الطلاق الصريح بغيره أنه يقع به طلقة بائنة سواء نوى فيهما الطلاق أو لم ينو حتى ولو نوى عدم الطلاق أما إذا نوى به أكثر من واحدة فإنه يقع ما نواه وذلك لأن الشارع جعل عدد الطلقات ثلاثا فكأن المنوي دخل في لفظ الطلاق لاحتماله شرعا فلو قال لها : أنت طالق واحدة - بنصب واحدة - على أنها صفة لصدر محذوف أي أنت طالق طلقة واحدة ونوى أكثر ففيه خلاف فبعضهم قال : إنه يقع به واحدة ولا عبرة بنية الأكثر وذلك لأن الوصف بواحدة جعل اللفظ غير محتمل للاثنتين والنية لا تعتبر إذا كان اللفظ لا يحتمل المنوي وقال بعضهم : بل يقع المنوي لأن النية جعلت معنى الواحدة الانفراد عن الزواج لا صفة الطلاق . فكأنه قال لها : أنت طالق حال كونك واحدة .
الحنابلة - قالوا : حد الطلاق الصريح هو ما لا يحتمل غيره بحسب الوضع في العرف فلفظ الطلاق صريح في حل عقدة الزواج لا يحتمل غيره في العرف وإن قبل التأويل بحسب ذلك المعنى الأصلي كالطلاق من القيد وينصر ذلك في لفظ الطلاق وما تصرف منه عرفا كالطالق ومطلقة وطلقتك بخلاف نحو طلقى وأطلقك ومطلقة - بكسر اللام - اسم فاعل فإن هذه الألفاظ لم تستعمل عرفا في حل العصمة وبهذا تعلم أن ألفاظ السراح . والفراق . والخلع . والمفاداة ليست من الطلاق الصريح وفاقا للحنفية . والمالكية وخلافا للشافعية وذلك لأن هذه الألفاظ تستعمل في غير الطلاق كثيرا فلا يمكن عدها من الصريح ومن الصريح لفظ - نعم جوابا عن السؤال عن طلاق صريح فلو قال له شخص : هل طلقت زوجته ؟ فقال له : نعم طلقت ولو كان كاذبا ومثل ذلك ما إذا قال له شخص : ألم تطلق امرأتك ؟ فقال : بلى فإنها تطلق وذلك لأن كلمة بلى جواب عن النفي فإذا قال شخص لآخر : ألم تضرب زيدا ؟ فقال له : بلى كان معناه ضربته وإن قال : ألم تطلق امرأتك فقال : نعم فإنها لا تطلق إذا كان قائلها يعرف العربية لأن كلمة - نعم - ليست جوابا للنفي فإذا قال شخص لآخر : ألم تأكل معنا فقال : نعم كان معناه لم آكل إما إذ كان لا يفرق في الجواب فإنها تقع . وحكم الطلاق الصريح أنه يقع به طلقة واحدة سواء نوى أو لم ينو عدم الطلاق )