- إذا طلق الزوج امرأته طلاقا بدعيا فإنه تسن له رجعتها ( 1 ) إن كان لها رجعة ثم يمسكها إلى أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه ثم تحيض ثانيا وتطهر بدون أن يقربها ثم يطلقها في الطهر الثاني الذي لم يقربها فيه ولا في الحيض الذي قبله ويحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحدا أو أكثر باتفاق الأئمة الأربعة وخالفهم بعض الشواذ الذين لا يعول على آرائهم .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : يفترض عليه أن يرتجعها لأنه قد فعل معصية فيجب عليه الإقلاع عنها فإن امتنع هدده الحاكم بالسجن إن لم يفعل فإن أصر بعد ذلك سجنه فإن أصر بعد السجن هدده بالضرب فإن امتنع بعد التهديد ضربه بالسوط بحسب ما يراه مفيدا وقيل : يضربه بدون تهديد إذا ظن أن التهديد لا ينفع وكل ذلك يفعله معه في مجلس واحد بمعنى أن يستحضره ثم يأمره بالرجعة إلى زوجته فإن امتنع قال له : إن لم تفعل أسجنك فإن أبى أمر بإدخاله السجن . فإن لم يفعل يستحضره ويقول له : إن لم ترجع أضربك فإن أبى ضربه بالسوط بحسب ما يراه فإن امتنع بعد ذلك كله ارتجعها الحاكم بأن يقول : ارتجعت له زوجته أو ألزمته بها أو حكمت عليه بها وبذلك تصبح زوجة له ترثه إذا مات ويرثها إذا ماتت وإذا عاشا يحل له وطؤها ويكون لها عليه حقوق الزوجية .
ثم إذا ارتجعها باختياره أو ارتجعها له الحاكم حال الحيض الذي طلقها فيه فإنه يمسكها حتى تطهر ويندب له بعد ذلك أن يمسكها في الطهر من الحيضة التي طلقها فيها ويجب عليه أن يطأها لأن تركها في هذه الحالة ظلم لها يأثم به فإذا حاضت مرة ثانية ابتعد عنها حتى تطهر فإذا طهرت طلقها قبل أن يمسها وكل ذلك مندوب فإذا طلقها ثانيا في الطهر الأول فإنه لا يجبر على رجعتها ثانيا لأنه يكون بذلك قد خالف المندوب فقط .
هذا وتفترض عليه الرجعة ما دامت في العدة على المشهور فإذا غفل عن هذا الحكم حتى طهرت ثم حاضت ثم طهرت وبعد ذلك تنبه له وهي في الحيضة الأخيرة التي يليها الطهر الذي تنقضي به عدتها فإنه يفترض عليه أن يرتجعها وهذا هو المشهور وبعضهم يرى أنها تستمر إلى نهاية الحيضة الثانية فإن طهرت منها فإنه لا يفترض عليه ارتجاعها .
الحنفية - قالوا : في حكم الرجعة من الطلاق البدعي رأيان : .
أحدهما : أنه مستحب وهو ضعيف .
ثانيهما : أنه فرض كما يقول المالكية وقد استدل قائل الأول بأن الرجل إذا طلق طلاقا بدعيا فقد وقع في المعصية بالفعل ومتى يتعذر ارتفاعها فلا يقال : إن الرجعة واجبة لرفع المعصية والجواب : أن الرجعة واجبة لإزالة أثر المعصية وهو تطويل العدة على المرأة وقد يقال : إذا رضيت المرأة بتطويل العدة فلا يكون للرجعة في هذه الحالة معنى إلا الإضرار بالمرأة خصوصا إذا كانت بينهما نفرة فإنها تعتبر الرجعة شرا وأيضا إذا كان لا بد من طلاقها فإن في إمساكها تعذيبا لها قد تفضل معه تطليقها في هذا الوقت ألف مرة على أنه لا معنى لإباحة الخلع في الحيض لأنه برضاها وفي نظير عوض ومنع غيره وهذا وجيه فالذي أعتقده في الجواب أن العلة في وجوب الرجعة ليست تطويل العدة فقط بل العلة هي لفت نظر المسلمين إلى التؤدة في أمر الطلاق فلا يجعلونه وسيلة لإطفاء غضبهم . أو سلاحا يؤذون به المرأة متى أرادوا لأنهم قد يندمون في كثير من الأحيان حيث لا ينفعهم الندم فإن سورة الغضب قد تستولي على الرجل فيطلق المرأة ثم يندم فإذا طلقها طلاقا بدعيا فرضت عليه الرجعة رغم أنفه وأنفها ليكون لهما من الوقت متسع حتى إذا ذهب غيظهما أمكنهما أن يتفاهما ويصطلحا بل ربما أثرت فيهما المعاشرة تأثيرا يقضي إلى عدم العودة إلى مثل هذا فإذا ضم إليه تطويل العدة في بعض الصور يكون ذلك في غاية الحسن .
أما إباحة الخلع فإن المرأة التي ترضى بأن تفارق زوجها على مال . والرجل الذي يرضى بأخذ هذا المال ليفارقها فإن الزوجية بينهما لا معنى لها فقد باعته وباعها علانية فلم يكن هناك أمل في تحسن الحالة .
هذا والحنفية لا يقولون بصحة رجعة الحاكم كما يقول المالكية وإنما يقولون : إن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة يجب فيها التعزير بما يراه الحاكم زاجرا عن العودة وحيث إن الشارع اعتبر الرجعة في رفع أثر المعصية كانت الرجعة بمنزلة التوبة فإذا رجع فقد ارتفع عنه التعزير وإلا فالحاكم يعزره بما يراه زاجرا له عن العودة إلى المعصية .
ثم إذا ارتجعها في الحيض الذي طلقها فيه فإنه يجب عليه أن يمسكها إذا طهرت من ذلك الحيض حتى تحيض ثانيا وتطهر من ذلك الحيض فإذا كان مصرا على طلاقها فلا يقربها في حيضها الثاني ولا بعد أن تطهر منه ثم يطلقها إذا شاء وهذا هو الصحيح من المذهب وبعضهم يقول : إن له أن يطلقها بعد أن تطهر من الحيض الذي طلقها وارتجعها فيه كما تقدم وهل تجب الرجعة ما دامت في العدة كما يقول المالكية أو لا ؟ والجواب : أن الرجعة لا تجب إلا في الحيض الذي طلقها فيه فلو لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية ولا تنفع الرجعة وهذا هو الصحيح وبعضهم يرى أن الرجعة تستمر إلى أن يأتي الطهر الثاني . بذلك تعلم أن الشافعية والحنابلة اتفقوا على أن الرجعة سنة والمالكية والحنفية اتفقوا على أن الرجعة فرض ولكن المالكية والحنفية اختلفوا في تفاصيل المسألة على الوجه الذي ذكرناه )