- قد عرفت أن الطلاق ينقسم إلى سني وبدعي فأما السني فهو ما كان في زمن معين وكان بعدد معين ( 1 ) والبدعي ما ليس كذلك مثلا إذا طلقها وهي حائض أو نفساء . أو طلقها ثلاثا كان ذلك طلاقا بدعيا على أن تعريف السني والبدعي وما يتعلق بهما تفصيل المذاهب .
_________ .
( 1 ) ( الشافعية - قالوا : لا دخل للعدد في الطلاق البدعي فله أن يطلقها ثلاثا ولا يقال بطلاقه : بدعي نعم هو خلاف الأولى كما سيأتي ) .
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : ينقسم الطلاق من حيث ما يعرض للمرأة من الأذى الخ إلى قسمين : سني وبدعي ثم إن السني ينقسم إلى قسمين : حسن وأحسن فأما الحسن فهو أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه وكذا لم يجامعها في حالة الحيض الذي قبله وإن أراد أن يطلقها ثانية فإنه ينتظر حتى تحيض الحيضة الأولى من عدتها وتطهر منها ثم يطلقها واحدة رجعية أخرى وإن أراد أن يطلقها ثالثة فإنه ينتظر حتى تحيض الثانية وتطهر منها ثم يطلقها طلقة ثالثة فالطلاق السني الحسن لا يتحقق إلا بأربعة شروط : .
الأول : أن يطلقها وهي طاهرة من الحيض والنفاس فإذا طلقها وهي حائض أو نفساء كان طلاقه بدعيا وهو معصية محرمة .
الثاني : أن لا يقربها بعد طهرها من الحيض فإذا جامعها ثم طلقها بعد الجماع كان طلاقه محرما أيضا ومثل ذلك ما إذا وطئها شخص غير زوجها بشبهة كأن ظنها امرأته وهي نائمة فإنه لا يحل طلاقها في الطهر الذي وطئها فيه لجواز أن تكون قد حملت أما إذا وطئها غيره بزنا فإن له أن يطلقها فورا بدون انتظار والفرق ظاهر لأن الزانية لا يستطيع زوجها أن يمسكها وأيضا فإن الزنا لا تترتب عليه أحكام النكاح .
هذا والخلوة كالوطء في هذا الحكم فإذا خلا بها فلا يحل له طلاقها في الطهر .
الثالث : أن يطلقها طلقة واحدة رجعية ثم يطلقها الثانية بعد الطهر من الحيضة الأولى ويطلقها الثالثة بعد الطهر من الحيضة الثانية من عدتها فإن طلقها ثنتين في الطهر الأول أو ثلاثا فإن طلاقه يكون بدعيا أما إذا طلقها طلقة واحدة بائنة فقيل : يكون بدعيا وقيل : لا والأول هو الأظهر .
الشرط الرابع : أن لا يطأها في الحيض الذي قبل الطهر فإن وطئها وهي حائض ثم طهرت فلا يحل له أن يطلقها بعد أن تطهر يل ينتظرها حتى تحيض ثم لا يقربها في الحيض ومتى طهرت طلقها بدون أن يقربها فإذا طلقها وهي حائض ثم راجعها وطلقها بعد أن تطهر فقيل : يكون طلاقه سنيا وقيل : لا بل لا بد من أن ينتظرها حتى تحيض مرة أخرى ثم تطهر ويطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الثانية بدون قربان في الحيض وفي الطهر أما إذا طلقها في الحيض طلاقا بائنا ثم تزوجها بعقد جديد ثم أراد أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيض فإنه يصح باتفاق والصحيح أنه لا يجوز له طلاقها إلا بعد أن تحيض ثانيا ثم تطهر كما يأتي في الباب الآتي .
فهذا هو الطلاق السني الحسن أما الطلاق السني الأحسن فهو بعينه السني الحسن مع زيادة شيء آخر وهو أنه بعد أن طلقها طلقة واحدة رجعية يتركها ولا يطلقها ثانيا في العدة وتبين منه بانقضاء عدتها وإنما كان هذا أحسن مراعاة لخلاف المالكية . والحنابلة الذين يقولون بكراهة تكرار طلاقها في العدة حيث لا لزوم له والمتفق عليه أحسن من المختلف فيه .
وستعلم أن الشافعية خالفوا في أصل المسألة فقالوا : إن عدد الطلاق لا يعتبر في السني فله أن يطلقها ثنتين وثلاثا . ولكن الأولى له أن يفرق الطلقات على الطهر وعدد الأشهر كما يأتي وقد أورد على قولهم : حسن وأحسن أن الطلاق لا حسن فيه وأجيب : بأن وصفه بهذا لا من حيث ذاته بل من حيث أن المطلق أمكنه أن يضبط نفسه بعد وجود سبب الطلاق فلم يطلق وانتظر حلول الزمن الذي أمر الشارع بالطلاق فيه ولا شك أن ضبط النفس وكفها عن فعل المنهي عنه حسن يثاب عليه .
والحاصل أن الطلاق وإن كان محظورا في ذاته ولكنه عند وجود سبب يوجبه أو يجعله مندوبا فإنه يكون في هذا الحالة مأمورا به بلا كلام فيكون حسنا وعلى هذا يصح أن يقال إن كان الطلاق مسببا عن أمر الشارع ووقف في الوقت الذي أمر به الشارع كان حسنا بالاعتبارين وإن لم يكن مسببا عن أمر الشارع ولكن وقع في الوقت الذي أمر به الشارع لم يوصف الطلاق بالحسن لذاته ولكن وصفه بالحسن باعتبار إيقاعه في الوقت الذي أمر به الشارع وكف النفس عن إيقاعه في الوقت المني عنه وإن كان في ذاته منهيا عنه .
هذا إذا كانت المرأة مدخولا بها أما إذا أراد طلاق زوجته قبل الدخول فإنه لا يتقيد بزمن الطهر بل له أن يطلقها في زمن الحيض لأنها لا عدة لها فلا تتضرر من تطويلها ولكنه يتقيد بالعدد فلا يطلقها إلا طلقة واحدة ومثل ذلك ما إذا كانت لا تحيض لصغرها بأن كانت دون تسع سنين أو بلغت بالسن ولكنها لم تر دما . أو كانت آيسة من الحيض بأن بلغت خمسا وخمسين سنة على الراجح أو كانت حاملا فإنه لا يتقيد في طلاقها يزمن ولكنه يتقيد بعدد الطلقات فمن أراد أن يطلق التي لا تحيض طلاقا سنيا حسنا فإنه يطلقها ثلاث طلقات متفرقة كل شهر طلقة واحدة رجعية فإذا طلقها في أول ليلة رئي فيها هلال الشهر طلقة واحدة رجعية فإنه ينتظر حتى يرى هلال الشهر الثاني أول ليلة منه ويطلقها طلقة ثانية ثم ينتظر إلى أول ليلة في الشهر حتى الثالث ويطلقها طلقة ثالثة وإذا طلقها أثناء الشهر فإنه يطلقها الثانية بعد انقضاء ثلاثين يوما ثم يطلقها في اليوم الحادي والثلاثين والثالثة بعد ثلاثين يوما أخرى كذلك .
والحاصل أن الهلال يعتبر في تفريق الطلقات إن طلق في أول ليلة من الشهر وهي ليلة رؤية الهلال أما إن طلق أثناء الشهر فإن التفريق يحسب بالأيام فيطلقها في اليوم الحادي والثلاثين فهذا هو الطلاق السني الحسن بالنسبة لمن لا تحيض وأحسن منه أن يطلقها واحدة رجعية في أول الشهر ولا يكر الطلاق في العدة لعدم الحاجة إليه فإذا طلقها في أول الشهر فليتركها حتى تنقضي عدتها بثلاثة أشهر أو بوضع الحمل إن كانت حاملا .
والحاصل أن المرأة إما أن تكون غير مدخول بها أو تكون مدخولا بها فإن كانت غير مدخول بها فطلاقها السني الحسن هو أن يطلقها طلقة واحدة لا فرق في ذلك بين أن تكون حائضة أو لا . وإن كان مدخولا بها فإن كانت من ذوات الحيض فإن طلاقها الحسن السني يلاحظ فيه أمران : الوقت والعدد . فالوقت هو أن لا تكون حائضا أو نفساء والعدد هو أن يطلقها ثلاث طلقات متفرقات في كل طهر طلقة بشرط أن لا يكون قد وطئها لا في الطهر الذي يطلقها فيه ولا في الحيض الذي قبله وإن لم تكن من ذوات الحيض أو كانت حاملا فإنه لا يتقيد بالوقت ولكن يتقيد بالعدد فيطلقها ثلاث طلقات في مدة ثلاثة أشهر .
فهذا هو الطلاق السني بقسميه : الحسن والأحسن ويقابله الطلاق البدعي وهو ما كان بخلاف السني وقد عرفته مما تقدم .
ويستثنى من تحريم الطلاق وقت الحيض ونحوه أمور : .
أحدها : الخلع إذا كان خلعا بمال ومثله الطلاق على مال فإنه يجوز أن يخالعها أو يطلقها على مال وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه أو في حيض قبله الخ ما تقدم .
ثانيها : طلاق القاضي عليه بسبب العنة ونحوها مما تقدم فإنه لا يجوز وهي حائض . ثالثها : أن تبلغ وهي حائض فإن لها أن تختار نفسها وإذا اختارت نفسها فلا بأس أن يفرق القاضي بينهما وهي حائض . رابعها : أن يخيرها زوجها في الحيض كأن يقول لها : أمرك بيدك فاختاري كما سيأتي فتقول : اخترت نفعي . خامسها : إذا قال لها : طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت نفسها ثلاثا فإن لها ذلك مع أنك قد عرفت أن الطلاق السني يلزم أن يكون واحدة وذلك لأنها في هذه الحالة مضطرة لأنها إذا صبرت ضاعت الفرصة عليها .
ومع هذا فإن هذه الصور أمرها ظاهر أما الخلع بمال فإنه لا يمكن تحصيل المال إلا به فلو فات وقته فات العوض فرخص فيه ومثله الطلاق على مال أما الصور الباقية فإن الطلاق فيها بيد المرأة لا بيد الرجل والمنهي إنما هو الرجل لا المرأة ولا القاضي .
فإذا طلبت المرأة منه طلاقها طلاقا بدعيا كأن كانت حائضا أو نفساء أو نحو ذلك ورضيت بتطويل عدتها فإن لا يحل له أن يفعل .
المالكية - قالوا : ينقسم الطلاق إلى بدعي وسني والبدعي ينقسم إلى قسمين : حرام ومكروه فالبدعي الحرام يتحقق في المرأة المدخول بها بشروط ثلاثة : .
أحدها : أن يطلق وهي حائض أو نفساء فإذا طلقها وهي كذلك كان طلاقه بدعيا محرما وكذا لو طلقها بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل فإنه حرام على المعتمد .
هذا إذا كانت من ذوات الحيض فإن كانت يائسة من الحيض أو كانت صغيرة لا تحيض فإنه يصح طلاقها ولو حائضا ولكن يكون بدعيا إذا طلقها ثلاثا في آن واحد وكذا الحامل فإنه يصح طلاقها ولو حائضا لأن الحامل تحيض عند المالكية على أن لا يعدد الطلاق وإلا كان بدعيا أما غير المدخول بها فإن له أن يطلقها وهي حائض كالحامل ولكن لا يطلقها إلا مرة واحدة وإلا كان بدعيا . ثانيها : أن يطلقها ثلاثا في آن واحد سواء كانت في حيض أو في طهر إلا أنه إن طلق في حال الحيض كان آثما مرتين مرة بطلاق حال الحيض ومرة بالطلاق الثلاث . ثالثها : أن يطلقها بعد طلقة كأن يقول لها : أنت طالق نصف الطلاق أو يطلق جزءا منها كأن يقول لها : يدك طالقة .
أما البدعي المكروه فإنه يتحقق بشرطين : أحدهما إن طلقها في طهر جامعها فيه ثانيهما أن يطلقها طلقتين في آن واحد وبهذا يتضح لك تعريف الطلاق السني عند المالكية وهو أن يطلق زوجته طلقة كاملة واحدة بحيث لا يطلقها غيرها في العدة في طهر لم يجامعها فيه فقوله : أن يطلق زوجته أي كلها خرج به ما إذا طلق بعضها كقوله لها : يدك طالقة مثلا وقوله كاملة خرج به الطلقة الناقصة كقوله : أنت طالق نصف طلقة وقوله : واحدة خرج به ما إذا طلقها ثنتين أو ثلاثا في آن واحد أو في أزمنة مختلفة ما دامت في العدة فإن طلقها ثنتين في آن واحد أو في كل طهر أو شهر مرة فإنه يكون مكروها . وإن طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو متفرقا فإنه يكون حراما وقوله : في طهر خرج به الحائض أو النفساء سواء كان الدم موجودا أو انقطع ولكن لم تغتسل فإن طلاقها في هذه الحالة يكون حراما وقوله : لم يجامعها فيه خرج به ما إذا طلقها في طهر جامعها فيه فإنه يكون مكروها .
واعلم أن معنى كون الطلاق سنيا أن السنة بينت الوقت الذي يصح أن يقع فيه الطلاق والحالة التي ينبغي أن يكون عليها ولو كان في ذاته حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا فهو سني إذا وقع بهذه الصورة ولو كان منهيا عنه من جهة أخرى وكذلك قد يكون بدعيا لمخالفته الزمن والعدد المحدد بالسنة ولكنه حرام أو واجب الخ باعتبار آخر فمثال الطلاق الحرام لعارض أن يكون الرجل متعلقا بامرأته وإذا طلقها يخشى على نفسه الوقوع في الزنا بها فإنه في هذه الحالة يحرم عليه طلاقها فإذا طلقها مع هذا وهي حائض أو نفساء أو طلقها ثلاثا أو طلقها بعض طلقة كان ذلك حراما آخر فيأثم إثمين بخلاف ما إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة كاملة فإنه يكون سنيا لا إثم فيه من هذه الناحية ومثال الواجب أن يعجز عن القيام بحقوق الزوجية من نفقة ووطء وتضررت ولم ترض البقاء معه فإنه في هذه الحالة يجب عليه طلاقها فإذا طلقها طلاقا بدعيا كان محرما مع كونه واجبا من جهة أخرى فيثاب من حيث امتثال أمر الشارع بالطلاق الواجب ويعاقب من حيث إيقاعه في الوقت الذي نهى الشارع عنه ومثال المندوب أن تكون المرأة سيئة الخلق بذيئة اللسان فإن طلاقها في هذه الحالة يكون مندوبا يثاب عليه ولكن إذا طلقها طلاقا بدعيا فإنه يعاقب من جهة أخرى وإذا طلقها طلاقا سنيا فلا يعاقب ومثال المكروه أن يكون للرجل رغبة في الزواج ويرجو من بقائها معه نسلا ولم يقطعه بقاؤها عن عبادة واجبة فإن في هذه الحالة يكره له طلاقها وإذا طلقها طلاقا بدعيا يأثم وقد عرفت أن الطلاق في ذاته خلاف الأولى عند المالكية فإذا لم يوجد سبب من الأسباب المذكورة وطلقها كان طلاقه خلاف الأولى فإذا طلقها بدون سبب طلقها بدعيا كان محرما مع كونه خلاف الأولى في ذاته وإذا طلقها طلاقا سنيا فقد خالف الأولى وكان إلى البغض أقرب منه إلى المحبة في نظر الشارع . واعلم أن الراجح عند المالكية أن الطلاق البدعي محرم لما ثبت في الصحيح من تحريمه بصرف النظر عن تطويل عدة المرأة ولهذا لا يستثنون الخلع في زمن الحيض ونحوه فإذا طالبته بالخلع بمال فإنه يحرم عليه أن يجيبها إلى طلبها وأيضا فإنه إذا كان معلقا بتطويل العدة يكون ذلك حقا للمرأة فلو رضيت بإسقاطه جاز مع أنه ليس كذلك وأيضا فإن الزوج يجبر على الرجعة كما ستعرفه من غير أن تطالبه الزوجة بالرجعة فدل ذلك على أنه حق الشارع لا حقها نعم يصح فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل الدخول وبعده وهي حائض لأن في التفريق بينهما رفع مفسدة ومثل ذلك طلاق الإيلاء فإذا حلف لا يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر فإن رجع إليها فذاك وكذا إذا وعد بالرجعة وإلا وجب طلاقها ولو حائضا . ولكنه يجبر على الرجعة ثم يطلقها حال الطهر .
الشافعية - قالوا : ينقسم الطلاق من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام : الأول : السني . الثاني : البدعي . الثالث : ما ليس بسني ولا بدعي فالسني يتحقق بقيود أربعة : .
الأول : أن تكون المرأة مدخولا بها فإن لم تكن مدخولا بها فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنيا أو بدعيا .
( يتبع . . . )