وههنا مسألة وهي ما إذا رضع الابن من جدته لأمه نسبا فهل تحرم أمه على زوجها ؟ والجواب : كلا فإن أمه في هذه الحالة تكون أختا للولد من الرضاع وقد عرفت أن أخت الولد من الرضاع تحل لأبيه وأخت البنت كأخت الابن في جميع ما ذكر .
خامسها : أم العمة أو العم وأم العمة إما أن تكون هي الجدة كما إذا كانت العمة شقيقة أو تكون هي زوجة الجد إذا كانت غير شقيقة وقد عرفت أن الأولى غير مقصودة لأن الجدة حرمتها كحرمة الأم بالنسب لا بالمصاهرة والثانية وهي زوجة الجد لا يحل نكاحها بالمصاهرة ويحل بالرضاع فلو أرضعت أجنبية العم أو العمة وصارت أما لهما فإنها لا تحرم بالرضاع .
هذا إذا كان العم أو العمة من النسب وأمهما من النسب أو الرضاع ومثل ذلك ما إذا كانا من الرضاع بأن أرضعت جدته أم أبيه أجنبيا أو أجنبية فصار له عما أو صارت له عمة بسبب هذا الرضاع وكان لأحد العمين أم غير جدته رضع منها فيقال لها : أم رضاعية أو كان له أم نسبية فإن الأمين تحلان .
سادسها : أم الخال أو الخالة وأم الخال هي الجدة لأم وتحريمها ثابت بالنسب وبالرضاع كالأم وقد تقدم والمقصود هنا زوجة الجد لأم وهي لا تحل مصاهرة وتحل رضاعا فلو أرضعت أجنبية خالك أو خالتك فإنها تحل لك وإن كانت أما لهما ويقال في أم الخال والخالة مثل ما قيل في أم العم والعمة .
وبعد فقد بقيت ههنا مسألتان : احداهما أنه قد تقدم أن حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح وبالوطء ولو كان بعقد فاسد أو بشبهة وتقدم الخلاف في ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا فهل تثبت الحرمة في الرضاع بالزنا أو لا ؟ . ثانيتهما ما حد لبن الرجل النازل للمرأة فهل يشترط فيه أن يكون نازلا بسبب الحمل والولادة بوطء هذا الرجل أو لا ؟ وإذا نزل للمرأة لبن وهي تحت زوج ثم طلقها وتزوجت بآخر ورضع منها طفل بعد طلاقها من الأول فمن منهما يكون أبا الطفل من الرضاع ؟ .
والجواب عن المسألة الأولى : هو أنه إذا زنى رجل بامرأة وجاءت بولد من هذا الزنا ونزل لها لبن بسبب هذه الولادة فأرضعت منه طفلة أجنبية أصبحت هذه الطفلة بنتا للزانية بلا كلام كما أن ولد الزنا ابنها بلا خلاف فتحرم الرضيعة على أصولها وفروعها وحواشيها وإن كان الرضيع ذكرا حرمت عليه المرضعة وأصولها وفروعها وحواشيها كما يحرمون على ولد الزنا نفسه . أما الزاني فإن هذه الطفلة تحرم عليه ( 1 ) .
وأما الجواب عن المسألة الثانية ففيه تفصيل المذاهب ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( الشافعية - قالوا : إنهم يوافقون على ثبوت المولود من الزنا لأمه فتحرم عليه هي وأصولها وفروعها وحواشيها لأنه إنسان انفصل منها مثل المولود من الزنا ولد الرضاع فتحرم عليه من مرضعته وأصولها وفروعها وحواشيها كذلك أما الزاني فإنهم يخالفون في ثبوت أبوته للمولود من الزنا لأنه لم ينزل منه سوى مني مهدر لا حرمة له فما يتولد منه لا يكون له ابن فيحل للزاني أن يتزوج بنته من الزنا كما يحل لأصوله وفروعه مع الكراهة فقط .
الحنابلة - قالوا : إنه وإن كان يحرم على الرجل أن يتزوج بنته من الزنا ولكن البنت التي رضعت من لبن الزنا لا تكون بنتا له بحال وذلك لأن اللبن لا يثبت له إلا إذا كان ناشئا من حمل ثبت نسبه من الرجل ولحق به فإن لم يثبت نسبه لم يكن له علاقة بهذا اللبن فمن رضع منه لا يكون ابنا له فلا تثبت بينهما حرمة مصاهرة فالبنت التي شربت من اللبن الناشئ من الزنا لا تحرم عليه ولا على أصوله وفروعه كما سيأتي في المسألة الثانية . ) وعلى أصوله وفروعه فقط فلا تحرم على إخوته وأعمامه وأخواله كما تحرم بنت الزنا نفسها وذلك لأن المولودة من الزنا لم يثبت نسبها منه فلم تنشر الحرمة إلى حواشي الرجل وإنما حرمت عليه أصوله وفروعه لكونها جزءا منه متولدة من منيه كما تتولد بنت النسب وقد رضعت من لبنه القائم مقام المني في تحقيق هذه الجزئية .
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : لبن الرجل الذي يثبت به أبوته للرضيع يشترط فيه أن ينزل لزوجته بعد حملها وولادتها منه فإذا تزوج رجل بامرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبيا كان الصبي ابنا للمرأة بخصوصها فيحرم عليه أن يتزوج أصولها وفروعها ومحارمها ولا فرق في ذلك بين أن يكون اللبن قد نزل لها وهي بكر أو نزل لها بعد أن وطئها وإذا حملت ولم تلد لم يكف الحمل في ثبوت اللبن للرجل بل لابد من الولادة خلافا للشافعية أما الرجل فلا يكون أباه فله أن يتزوج أصوله وفروعه من غير هذه المرضعة وإذا طلق رجل زوجته ولها لبن منه ثم تزوجت برجل آخر بعد ما انقضت عدتها ووطئها الثاني وجاءت منه بولد مع استمرار اللبن الأول فإن اللبن يصير للزوج الثاني بلا خلاف بحيث لو أرضعت طفلا يكون للثاني أما إذا لم تحمل من الثاني فاللبن يكون للأول بلا خلاف وإذا حملت من الثاني ولكنها لم تلد منه واستمر اللبن الأول وأرضعت منه طفلا فالصحيح أنه يكون ابن الأول حتى تلد من الثاني وإذا تزوج الرجل امرأة فولدت منه ولدا فأرضعته ثم يبس اللبن وانقطع ثم در لها لبن بعد ذلك فأرضعت به صبيا أجنبيا لم يكن هذا الصبي ابنا لزوج المرضعة لأن لبنه قد انقطع ولهذا الصبي أن يتزوج أولاد هذا الرجل من غير المرضعة وعلى هذا إذا طلقها وانقطع من ثديها ثم تزوجت بآخر ونزل لها اللبن قبل أن تحمل منه كان اللبن للثاني .
الشافعية - قالوا : يشترط في ثبوت الأبوة باللبن أن يكون الولد الذي نزل بسببه اللبن ثبت نسبه من الرجل فلو ولد لرجل ولد ونزل لزوجته لبن بسبب هذه الولادة ثم نفاه وقال : إنه ليس ابنا لي ولم يثبت نسبه منه وأرضعت زوجته طفلا من هذا اللبن لم يكن الطفل ابنا لذلك الرجل فلا حرمة بينهما فإذا استحلفه ثانيا وقال : إنه ابني عادت الحرمة بينه وبين الرضيع وبهذا تعلم أن لبن الزنا لا قيمة له لأن ولد الزنا لا يثبت نسبه .
وإذا تزوجت امرأة رجلا وجاءت منه بولد نزل لها لبن بسببه ثم طلقها وتزوجت آخر فإن لبن الأول يستمر بحيث لو رضع منها طفل كان ابنا من الرضاع للأول ما لم تلد من الثاني فإذا ولدت انقطع لبن الأول وصار اللبن للثاني وهذا بخلاف ما إذا نزل اللبن للبكر ثم تزوجت واستمر لبنها فإنه يكون لها دون زوجها حتى تحمل منه فإذا حملت صار اللبن لهما وإن لم تلد والفرق بين الصورتين ظاهر فالبن في الأولى نزل بسبب ولادة الزوج الأول فكان له بخصوصه ولا ينقطع إلا بولادة الثاني أما في الثانية فإنه نزل للبكر من غير زوج فكان أضعف من الأول .
ومن هذا يتضح أن اللبن لا ينقطع نسبته عن الأول إلا بالولادة من غيره ولو طالت المدة أو انقطع اللبن وعاد ثانيا خلافا للحنفية في هذا وما قبله .
المالكية - قالوا : يثبت اللبن للرجل بشرطين : .
الأول : أن يطأ زوجته . الثاني : أن ينزل فلو عقد عليها أو وطئها ولم ينزل وكان بها لبن فإنه لا يثبت له فإذا عقد على بكر بها لبن ولم يدخل بها ورضع منها طفل كان الطفل ابن المرضعة دون الرجل ومثل ذلك ما إذا زنى الرجل بامرأة ونزل لها لبن كان لبنه على المعتمد وفاقا للحنفية وهو المذكور - في الصلب - ويستمر هذا اللبن من حين الوطء إلى أن ينقطع ولو مكث سنين عديدة فلو طلقها أو مات عنها ولم تتزوج غيره واستمر بها اللبن كان لبنه فتثبت به حرمة المصاهرة فلو طلقها أو مات عنها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها ولبن الأول في ثديها ثم وطئها الزوج الثاني وأنزل كان اللبن مشتركا بين الاثنين فلو رضع منه طفل كان ابنا للزوجين الزوج المطلق والثاني فتثبت حرمة المصاهرة بينه وبينهما معا وكذا لو تزوجها ثالث ولبن الثاني والأول في صدرها فإنه بعد وطئها وإنزاله لم يشترك من قبله في أبوة الرضيع وهكذا أما إذا تزوجت رجلا وولدت منه وأرضعت ابنه حتى فطم وانقطع لبنها وتزوجت الآخر ونزل لها لبن بعد وطئها وإنزاله فإنه يكون لبن الثاني فيشترط في اشتراك الأول والثاني في اللبن أمران : .
أحدهما : أن لا ينقطع لبن الأول من ثديها قبل أن يطأها الزوج الثاني فإن انقطع ووطئها الثاني كان اللبن خاصا بالثاني .
ثانيهما : أن يطأها الثاني وينزل أما قبل ذلك فإن اللبن يكون للأول فقط .
الحنابلة - قالوا : لا يثبت اللبن للرجل إلا بشرطين : الأول أن يكون اللبن نزل للمرأة بسبب حملها المكون من وطئه فاللبن الذي ينزل للبكر . أو ينزل للمرأة التي تزوجت رجلا ووطئها ولم تحمل فإنه لا يثبت به حرمة المصاهرة لا في جانب المرأة ولا في جانب الرجل . الشرط الثاني : أن يثبت نسب ذلك لحمل من الرجل فلو تزوج امرأة ووطئها وحملت منه ولكن نفي ذلك الحمل ولم يثبت نسبه منه ورضع من لبنه النازل بثدي المرأة طفل فإنه لا يكون ابنا له فلا حرمة بينه وبينه ولكن يكون ابنا للمرأة تثبت بينهما حرمة المصاهرة على الوجه السابق ومثل ذلك ما إذا زنى رجل بامرأة وجاءت منه بولد زنا ونزل لها لبن بسبب الولادة وأرضعت منه طفلا فإن الطفل لا يكون ابنا للزاني لأن لبن الزنا لا يعتبر إذ قد عرفت أن حرمة الرضاع فرع ثبوت النسب ولكن يكون ابنا للزانية كما عرفت )