- الرضاع - بفتح الراء وكسرها - ويقال : رضاعة - بفتح الراء وكسرها - أيضا معناه في اللغة أنه اسم لمص الثدي . سواء كان مص ثدي آدمية أو ثدي بهيمة أو نحو ذلك فيقال لغة لمن مص ثدي بقرة أو شاة : إنه رضعها فإذا حلب لبنها وشربه الصبي فلا يقال له : رضعه ولا يشترط في المعنى اللغوي أن يكون الرضيع صغيرا .
أما معناه شرعا فهو وصول لبن آدمية إلى جوف طفل لم يزد سنه على حولين ( 1 ) - أربعة وعشرين شهرا - فإن شرب صغير وصغيرة لبن بهيمة لا تحرم عليه ولا فرق بين أن يصل اللبن إلى الجوف من طريق الفم بمص الثدي أو بصبه في حلقه أو إدخاله من أنفه فمتى وصل اللبن إلى معدة الطفل أثناء مدة الحولين المذكورين بالشروط الآتية كان رضاعا شرعيا عليه التحريم الآتي بيانه أما إن كان كبيرا زائدا على الحولين ورضع فإن رضاعه لا يعتبر وذلك لقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } فقد دلت الآية الكريمة على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع حولان فلو رضع بعدها ولو بلحظة فلا يعتبر رضاعة ولا يترتب عليه تحريم لقوله A " لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين " رواه الترمذي وحسنه ومعنى قوله " فتق الامعاء " وصل إليها ولقوله E : " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " رواه البيهقي وغيره .
فإن قلت : ورد في صحيح مسلم أن النبي A أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أما له فلا يحرم نظره إليها وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي A وقالت له يا رسول الله A إن سالما مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال فقال : " أرضعيه تحرمي عليه " فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم والجواب أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين فنسخ العمل به أو هو خصوصية لسالم وسهلة لما رآه النبي A من الضرورة الملحة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال على أن هناك إشكالا آخر وهو أن الرضاع يستلزم الثدي ومصه ولمسه وهو محرم . والجواب أنه لا يستلزم لأن التحريم كما يكون بالمص يكون بالشرب كما عرفت فيصح أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : في زمن الرضاع رأيان . أحدهما : أنه حولان ونصف حول أعني ثلاثين شهرا فإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل في أثناء هذه المدة فإنه يعتبر رضاعا شرعيا يترتب عليه الأحكام الآتية أما إذا وصل إليه اللبن بعد انقضاء هذه المدة فإنه لا يكون رضاعا شرعيا ثانيهما : أن زمن الرضاع حولان فقط فإن وصل إليه بعد الحولين لا يكون رضاعا والأول رأي أبي حنيفة والثاني رأي صاحبيه وهل يجب العمل برأي الإمام . أو برأي صاحبيه ؟ والجواب : أن الراجح الذي عليه المعول أن ينظر في ذلك إلى قوة الدليل فمتى كان الدليل القوي في جانب رجح العمل به ويظهر أن الدليل هنا يؤيد رأي الصاحبين وبيان ذلك أن الله سبحانه قال : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ومعنى هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر فيبقى أربعة وعشرون شهرا وهي مدة الرضاع وقد أول الآية بهذا المعنى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لعثمان Bه حيث أراد عثمان أن يحد امرأة جاءت بولد لستة أشهر من حملها فقال لها علي : كلا إنها جاءت به لأقل مدة الحمل وهي ستة أشهر واستدل له بهذه الآية فاقتنع عثمان بذلك وظاهر أن فهم الآية على هذا الوجه لا تكلف فيه ولكن الإمام استدل بها على وجه آخر فقال معنى - حمله وفصاله ثلاثون شهرا - أن كلا منهما ثلاثون شهرا فكأنه قال : مدة حمله ثلاثون شهرا ومدة فصاله ثلاثون شهرا والمراد أكثر مدة الحمل لا أقلها فتكون مدة الفصال حولين ونصف أعني ثلاثين شهرا فإذا شرب الطفل في أثنائها فإنه يكون رضيعا ولكن ورد على هذا أن أكثر مدة الحمل سنتان لا ثلاثون شهرا فقد روي عن عائشة أنها قالت : لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل كناية عن قلة الزمن فأجيب بأن قول عائشة هذا خصص مدة الحمل فعلم أنها سنتان وبقيت مدة الفطام على حالها ولا يخفى ما في هذا الجواب من تكلف ظاهر إذ لا معنى لكون الآية تنص على أن مدة الحمل قد تكون حولين ونصف حول ويقول الحديث : إنها لا تزيد عن حولين ولا لحظة وقد بين بعض المحققين هذا بأن ثلاثين شهرا مستعملة في معنيين : أحدهما حقيقي وهو المفهوم من ثلاثين والآخر مجازي وهو أربعة وعشرون الذي دل عليه الحديث فيكون اللفظ الواحد مستعملا في حقيقته ومجازه وعلى كل حال فهو غير جائز لأنه جمع بين الحقيقة والمجاز لأن اللفظ الواحد وهو ثلاثون مستعمل في إطلاق واحد في مدلولين وهما : ثلاثون وأربعة وعشرون على أن أسماء العدد لا يصح التجوز فيها بإطلاق بعضها على بعض لما فيه من عدم الضبط والإبهام ولأنها مختصة بما وصفت له كالأعلام وأجاب بعضهم بأن " حمله " مبتدأ خبره محذوف تقديره أربعة وعشرون و " فصاله " مبتدأ آخر وهو " ثلاثون شهرا " فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز وإذا سألت هذا المجيب عن أي دليل في الآية يدل على هذا المحذوف أو يشير إليه أو يرشد إلى حرف واحد منه لا يمكنه أن يدلك عليه على أن هذا حكم شرعي لا يصح حذفه في مقام البيان مطلقا وإلا فإنه يصح لكل واحد أن يقرر ما يشاء ويدعي الحذف أما حديث عائشة فلا مدخل له في الآية فإنها تفهم أولا على حدة ثم يطبق عليها الحديث وظاهر أن الفهم الأول هو المتعين والحديث مؤيد له .
فإن قلت : إن كلمة - الأشهر - في قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } جمع لا مفرد ولا مثنى وقد أطلق في الآية على شهرين وبعض شهر وذلك لأن مدة الحج التي لا يصح عمل من أعمال الحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وهذا يصحح إطلاق الثلاثين على أربعة وعشرين في آية { وحمله وفصاله ثلاثون } والجواب من ثلاثة أوجه : .
الأول : أن بعض الشهر وهو عشرة أيام من ذي الحجة اعتبرت معدودا فكانت ثالث ثلاثة فصح إطلاق الجمع عليها .
الثاني : أن كلمة " أشهر " جمع لا اسم جمع واسم الجمع يشترك فيه ما زاد على الواحد فيطلق على الاثنين والثلاثة .
الثالث : أن كلمة " أشهر " ليست من ألفاظ العدد فليست مثل " ثلاثين " وقد قلنا : إن ألفاظ العدد لا يصح أن يطلق بعضها على الآخر لأنها مختصة به دون غيره وبعد هذا كله فيصح أن يكون قد جمع الأشهر باعتبار تعددها في سائر السنين فالدليل يؤيد رأي الصاحبين خصوصا وقد بين الله تعالى مدة الرضاع بقوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فالأصح هو قول الصاحبين وعليه الفتوى .
المالكية - قالوا : مدة الرضاعة حولان وشهران أعني ستة وعشرين شهرا ولعلهم زادوا الشهرين احتياطا ولكن لا يكون الرضاع أثناء هذه المدة رضاعا شرعيا يترتب عليه التحريم الآتي إلا إذا رضع الطفل قبل أن يفطم ويستغني عن اللبن فإذا أرضعته المرضعة قبل أن يفطم في أثناء هذه المدة أو بعد أن فطم بيوم أو يومين فإن ذلك يكون رضاعا شرعيا ينشر الحرمة باتفاق أما إن أرضعته بعد الفطام وبعد أن استغنى عن لبن الثدي فإنه لا يكون رضاعا شرعيا سواء رضع بعد استغنائه عن الطعام بزمن بعيد أو قريب على المشهور مثلا إذا فطم الطفل بعد سنة وثلاثة أشهر ثم مكث شهرا فطيما حتى نسي لبن الثدي واستغنى عنه بالطعام فتم له بذلك سنة وأربعة أشهر ثم إذا أرضعته المرضعة بعد استغنائه عن اللبن بخمسة أيام أو أقل أو أكثر فإنه لا يعتبر رضاعا شرعيا وبعضهم يقول : إنه إذا رضع قبل تمام الحولين كان رضاعا شرعيا ولو كان فطيما واستغنى عن اللبن كما يقول الحنفية ولكن هذا ضعيف ومن هذا كله تعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في تحديد زمن الرضاع بالحولين إلا المالكية فإنهم خالفوا فيما إذا رضع أثناء الحولين بعد الفطام وزادوا شهرين على الحولين وهذا هو المشهور عندهم أما على القول الثاني فهو موافق للأئمة أيضا والحنفية على عكس المالكية فإن المعتمد عندهم موافقة الأئمة وغير المعتمد هو أن المدة حولان ونصف حول كما تقدم )