- وإذا سافر المتزوج أكثر من مرة واحدة فلا يخلو إما أن يكون مسافرا سفر انتقال من بلدة إلى أخرى ليستوطن بها أو مسافرا سفرا مؤقتا لقضاء حاجة فإن كان الأول فإنه لا يجوز له أن يترك بعضهن ويأخذ البعض الآخر لما في ذلك من المضارة للباقيات فإذا كان لا يستطيع أن يعيش معهن جميعا في البلدة المنقول إليها وجب عليه أن يسرح منهن البعض الذي لا يريده وإلا وجب عليه أن يقرع بينهن ويأخذ معه من عليها القرعة على أن تمكث معه زمنا ثم يعيدها ويأخذ غيرها لتمكث معه مثل الزمن الذي قضاه مع ضرتها وهكذا أما ما اعتاده بعض الناس الذين يتزوجون أكثر من واحدة في بلاد الأرياف ثم ينزحون بواحدة منهن إلى مصر ويتركون الباقيات كالمعلقات بحجة أنه لا يمكن العيش بهن جميعا في مصر فإنه لا يجوز إلا برضاء الباقيات وينبغي أن يكون هذا مما لا خلاف فيه لأن لكل زوجة الحق في القسم في مثل هذه الحالة إذ لا يقال للزوج إنه مسافر وإنما يقال له : إنه أقام في جهة وهجر نساءه في جهة أخرى مع أن لهن عليه حقوقا يجبر عليها أما إن كان السفر لغرض من الأغراض من تجارة وغزو وحج واستشفاء ونحو ذلك فإن فيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : للزوج الذي يريد السفر إلى جهة أن يختار من بين زوجاته من تسافر معه لأنه هو الذي يقدر مشقة السفر ويعرف الصالحة له منهن فهو صاحب الشأن وربما كان ترك بعضهن لازما لتدبير المنزل فلا يصح أخذها ولكن يرد على هذا التعليل أن النبي A كان يقرع بين نسائه عند السفر والجواب : أن النبي A كان يفعل ذلك لأنهن كن عنده صالحات لاحتمال مشقة السفر وتدبير المنزل فأيتهن لم تخرج لها القرعة صلحت لتدبير المنزل لأنهن جميعا كن متمسكات بدينهن كما أمرهن الله فيعرفن واجباتهن في كل شأن من الشؤون وحيث تساوين في هذا المعنى فقد كان A يقرع بينهن تطيبا لخاطرهن لا فرضا عليه خصوصا أن مذهب الحنفية يقضي بأن القسم غير واجب على النبي A بل كان يفعله لما في طبيعته من حب العدل المطلق فاقتراع النبي A بين نسائه لا يقتضي وجوب ذلك على غيره لما قد يعارض ذلك من المصلحة التي قررناها .
وقال بعض الحنفية : إن القرعة أحب تطيبا لخاطر الزوجات والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب وذلك لأننا قلنا : إن المسألة منوطة بالمصلحة وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح نعم انهم قالوا : إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة ولكن هذا ينتج عكس المطلوب وهو ترضية القلوب لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر نعم قد يقال : إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييبا لخاطرهن .
هذا وليس للباقيات قسم فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها لا فرق بين أن تكون مدة سفر أو مدة إقامة ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه . هذا وإذا سافر بهن جميعا هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا ؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية والذي أراه أنه يجب عليه القسم وقد صرح به الحنابلة .
المالكية - قالوا : للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا وهذا القول هو ظاهر المدونة فإنها أطلقت ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو . فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة وهو المشهور ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة أما الغزو فلا ولا تقضي مدة السفر ذهابا وإيابا ولا مدة الإقامة فالتي سافرت هي وحدها ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافرا .
الشافعية - قالوا : إذا سافر سفرا قصيرا لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط : الأول أن يقرع بينهن فمن خرج سهمها أخذها حتما .
الثاني : أن يكون السفر مباحا . فإذا كان عاصيا بسفره كما إذا سافر لتلصص فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن . الثالث : أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها بشرط أن يقيم مدة تقطع السفر وتوجب الإقامة أما إذا أقام مدة لا تقطع السفر كما إذا مكث لقضاء حاجة ينتظرها مدة ثمانية عشر يوما فإنه لا يقضيها .
وكذا لا يقضي مدة السفر ذهابا وإيابا على كل حال وإذا سافرت المرأة وحدها بدون إذنه أو سافرت بإذنه لقضاء حاجة لها لا له فلا حق لها في المطالبة بالمدة التي سافرت فيها وأما إذا سافرت بإذنه لقضاء حاجة خاصة به فإن لها حق المطالبة بالمدة التي سافرت فيها ومثل ذلك ما إذا سافرت معه بدون إذنه فإن لها حق القسم .
الحنابلة - قالوا : إذا سافر المتزوج أكثر من واحدة لغير نقلة من بلدة إلى بلدة أخرى سواء كان السفر طويلا أو قصيرا وأراد أن يأخذ معه بعض نسائه وجب عليه أن يقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة لا يجوز له أن يأخذ غيرها نعم يجوز له أن يسافر وحده دون واحدة منهن وإن سافر بمن خرجت لها القرعة فإنه يغتفر لها مدة السفر من سير وحل ورحيل فإذا عادت فإنها لا تحسب عليها هذه المدة أما مدة الإقامة المتخللة بين السفر كأن أعجبهما مناخ جهة فمكثا بها أياما قبل أن يصلا إلى الجهة المطلوبة لهما فإنها تحسب عليها ويقضي مثلها لضراتها عند عودته وكذا تحتسب عليها الأيام التي يقيمها في الجهة التي ينويان السفر إليها أما إذا سافر بإحداهن من غير قرعة فإنه يأثم وعليه قضاء الأيام التي يقضيها معها في مدة السفر والسير والحل والترحال . ولا يغتفر لها إلا الأوقات التي ينفرد عنها إلا إذا رضيت ضرائرها بسفرها بدون قرعة فإنها تكون بمنزلة المسافرة بالقرعة وللزوج إكراه من خرجت قرعتها وإذا سافر باثنتين وجب أن يقسم بينهما إذا لم يكونا في رحل واحد أو خيمة واحدة أما إذا كان لكل منهما رحل خاص فإنه يجب القسم بينهما هذا ولا يشترط أن يكون السفر مباحا )