- كما لا تجب التسوية في النفقة كذلك لا تجب في الوطء والميل القلبي لأن ذلك ليس في اختيار الإنسان وإنما هو تابع لحالة طبيعية فقد تنبعث شهوته إلى واحدة دون الأخرى وقد يتعلق قلبه بواحدة من حيث لا يدري وهذا هو معنى قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل } فالمراد نفي الاستطاعة التي ليست في اختيار الإنسان من المحبة القلبية وما يترتب عليها من استمتاع . أما ما عدا ذلك من إقامة العدل في المبيت وإعطاء كل واحدة نفقة مثلها بدون جور فإنه مستطاع من كل أحد فلذا كان A يتحرى الدقة في العدل بين نسائه في هذا ويقول : " اللهم ان هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " ولكن ليس معنى هذا أن الرجل يترك إحدى زوجاته بدون وطء فيعرضها للخنا والفساد فإنه إن فعل ذلك فقد ارتكب إثما بل يجب على الزوج أن يعف زوجته ويصرفها عن التعلق بغيره وإن لم يستطع وجب عليه أن يسرحها وهل للزوجة الحق في طلب إعفافها ؟ وإذا طالبته فهل يقدر لها القاضي قدرا معينا ؟ وكذلك هل لها أن تشكو كثرة استعمالها إذا تضررت منه ؟ وهل يقدر القاضي له قدرا معينا أو لا في ذلك تفاصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إذا كان الرجل متزوجا بامرأة واحدة ولم يبت عندها لاشتغاله بالعبادة أو بجواريه كان لها الحق في طلب المبيت عندها ولا يقدر ذلك بمدة معينة في الأسبوع على الراجع بل القاضي يأمر أن يبيت عندها ويصحبها من وقت لآخر بحيث لا تشعر بغيبة طويلة عنها وقدر لها بعضهم كل أربعة أيام ليلة ولكنهم قالوا : إن هذا ضعيف والمعتمد الأول .
أما الوطء فليس لها حق في المطالبة به إلا مرة واحدة ولكنه يفترض عليه ديانة أن يعفها وإلا كان من الآثمين على أن بعض الحنفية يرى أنه يجب الحكم لها عليه قضاء بما يعفها فكما يجب لها القضاء بالبيتوتة عندها من وقت لآخر بالقدر الذي يراه القاضي صالحا وكذلك يجب لها الحكم بالوطء من وقت لآخر بما يراه القاضي كافيا في إعفافها وهو حسن أما إذا اشتكت من كثرة استعمال الرجل إياها . فإنه يقضي لها بأن لا يجامعها فوق طاقها ولا يقدر ذلك بعدد بل الرأي فيه للقاضي أيضا فيقضي بما يغلب على ظنه أنها تطيقه وهذا يتبع غالبا الصحة والسمن ونحو ذلك نعم قد توجد نحيفة تطيق أكثر من سمينة لأسباب داخلية ولكن هذا غير الغالب على أنه ينبغي للقاضي أن يسألها عما تطيق ويكون لها القول بيمينها وأيضا فإنه يصح على امرأتين لهما خبرة بأحوال النساء بأن يكونا طبيتين وقد صرحوا بجواز ذلك فيما إذا كانت صغيرة لا تطيق وادعى الزوج أنها تطيق فلتكن هذه مثلها ومثل ذلك ما إذا كان للرجل آلة كبيرة تتصرف المرأة منها أو لا تطيقها فإنها لا تسلم له إلا إذا قررت الخبيرات من النساء ذلك .
المالكية - قالوا : يترك أمر الوطء لسجية الرجل وطبيعته فلا يكلف أن يطأ إحدى زوجاته مثل ما يطأ الأخر ولكن بشرط أن لا يتعمد الانصراف عن إحداهن ليوفر قوته للأخر التي يتلذذ بها أكثر فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه ميلا لوطئها وقدرة عليه ولكنه امتنع ليوفر للأخر التي اجمل منها مثلا كان ذلك محرما لأنه إضرار بها عن عمد منه حتى ولو لم تتضرر بالفعل .
فإن كان له زوجة واحدة وتركها بدون وطء ورفعت أمرها للقاضي فإنه يقضي لها به في ليلة من أربع ليال على الأرجح لأن له تزوج ثلاث سواها . أما إذا شكا الرجل قلة الوطء . أو شكت هي كثرته فإنه يقضي عليها بما تقدر عليه على الصحيح كالأجير على الخدمة فلا يتقيد بأربع مرات في اليوم والليلة . ولا أكثر . ولا أقل وقد يقال : لماذا نظر في جانب المرأة إلى طاقتها فلا يقضي بما لا تستطيع وقضي على الرجل بمقدار معين وهو أنه يجامع في كل أربع ليال ليلة على أن المالكية قد نقلوا عن عمر بأنه قضى بمرة في الطهر ليحبلها وهذا معقول عند النزاع فلماذا لم يعمل به ؟ اللهم إلا أن يقال : إن هذا التقدير مشروط بكون الرحل شابا جلدا يستطيع أن يأتي في الجمعة مرتين بحيث لا يضره ذلك وإلا نظر لحاله أيضا ولكنهم لم يصرحوا بذلك على أن المالكية لا يفرقون بترك الوطء بعد أن يطأ الزوج مرة خلافا للحنابلة .
الحنابلة - قالوا : لا يجب على الرجل أن يسوي بين زوجاته في الوطء ومقدماته من لمس وقبلة ونحو ذلك كما لا يجب عليه أن يسوي بينهن في النفقة والكسوة والشهوة بحيث يشتهي هذه كما يشتهي تلك ويجب عليه أن يطأ زوجته في كل أربعة اشهر مرة إن لم يكن عدد وهي مدة الإيلاء فإذا حلف أن لا يقرب زوجته وجب عليه أن يطأها بعد أربعة أشهر فعلم منه أن الوطء واجب بعد أربعة أشهر ومعنى هذا أن الاستمتاع حق مشترك بين الزوجين ولهذا لا يصح له أن يعزل منيه فينزل في الخارج بدون إذنها فإن لم يقدر الزوج على وطئها كل أربعة أشهر مرة فرق القاضي بينهما .
الشافعية - قالوا : لا يجب على الزوج أن يسوي بين زوجاته في الوطء ولا في الاستمتاع بمقدماته ولا في الكسوة والنفقة بل يؤدي لكل واحدة منهن نفقة مثلها المطلوبة منه . وما وراء ذلك فلا قسم فيه ولكن التسوية في هذا تسن وليس للمرأة الحق في مطالبة الرجل بالوطء على الراجح لأن عقد النكاح واقع على أن يستمتع الرجل بها فالمعقود عليه المرأة لا الرجل وعلى هذا فالوطء حقه وقد تقدم هذا مفصلا في تعريف النكاح أول الكتاب وهذا لا ينافي أن لها الحق في فسخ العقد إذا كان الرجل مجبوبا ولو حدث له الجب بعد وطئها وكذا إذا كان عنينا قبل أن يطأها مرة لأن بين الأمرين فرقا ظاهرا لأنها في بقائها مع من لا يرجى منه وطء يأس تام أما السليم الصحيح فإن طمعها فيه لا ينقطع )