- أنكحة غير المسلمين سواء كانوا كتابيين كاليهود والنصارى أو غير كتابيين كالمجوس والبراهمة ومشركي العرب الذين يعبدون الأوثان وغيرهم - لها حالتان : .
الحالة الأولى : أن تقع بين المهاجرين من هؤلاء في دار الإسلام وهي البلاد التي للمسلمين عليها سلطة كاملة لا فرق بين أن يكونوا ذميين مستوطنين خاضعين لما يفرضه المسلمون من جزية وأحكام أو يكونوا مستأمنين دخلوا البلاد بأمان لتجارة ونحوها بقصد العودة إلى بلادهم .
الحالة الثانية : أن تقع بينهم في ديارهم دار الحرب - وهي التي لا سلطة عليها للمسلمين - ثم يهاجرون أو يهاجر أحدهم إلى بلادنا وعلى كلتا الحالتين إما أن تكون موافقة لعقود المسلمين في الشرائط والأركان بأن يتزوجا بإيجاب وقبول . وشهود . وولي بشرط أن تكون المرأة خالية من الموانع فلا تكون محرما . ولا تكون معتدة أو يكون الرجل كذلك فلا يكون متزوجا أربعا ثم يتزوج خامسة أو غير ذلك من الشرائط المتقدمة فإن كانت موافقة لعقود المسلمين كانت صحيحة في نظر المسلمين بلا خلاف ( 1 ) فيترتب عليها ما يترتب على أنكحة المسلمين الصحيحة من إرث ووقوع طلاق . وإظهار وإيلاء . ووجوب مهر . ونفقة . وقسم . وإحصاء إلى غير ذلك . وإن كانت مخالفة لعقود المسلمين فلا يخلو إما أن تكون مخالفة في اشتراط أهلية المرأة . أو الرجل لقبول العقد أو لا . الأول تحته صورتان : إحداهما أن يتزوج محرما من محارمه كأمه . وأخته وبنته كما يفعل المجوس أو يتزوج عمته أو يجمع بين الأختين كما يفعل اليهود ثانيتهما : أن يتزوجها وهي في عدة الغير قبل انقضاء العدة أو يتزوج هو خامسة ومعه أربع . والثاني تحته صور : منها أن يتزوجها بدون شهود وولي ومنها أن يتزوجها مدة معينة كسنة . أو شهرين أو غير ذلك وهو نكاح المتعة ومنها أن يطلقها ثلاثا ( 2 ) ثم يعود إليها بدون محلل - والطلاق معروف الآن عند غير المسلمين - ومنها غير ذلك من الشروط المتقدمة فإن وقع عقد مخالف لعقود المسلمين في بلاد الإسلام فإننا لا نتعرض لهم بل نتركهم وشأنهم بثلاثة شروط : .
الشرط الأول : أن يكون ذلك جائزا في دينهم فإن لم يكن جائزا كان زنا فلا نتركهم فيه وشانهم كما لا نتركهم إذا سرقوا .
الشرط الثاني : أن لا يترافعوا إلينا لنقضي بينهم .
الشرط الثالث : أن لا يسلم الزوجان معا . أو يسلم أحدهما فإن ترافعوا إلينا . أو أسلم الزوجان أو أسلم أحدهما فإن كان العقد على محرم من المحارم أو كان على أختين أو كان على خمس نسوة فإنهما لا يقران على الزوجية على أي حال وإن كان على امرأة معتدة ولم تنقض عدتها وقت الترافع أو عند الإسلام فكذلك يفرق بينهما ( 3 ) أما إن كان مخالفا في غير ذلك فإنهما يقران عليه وفي كل هذا تفصيل المذاهب ( 4 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية : - قالوا : ستعرف أن لهم قولين في ذلك أظهرهما الحكم بصحة عقد النكاح بين غير المسلمين إذا كان مستوفيا لشرائطه عند المسلمين فلا خلاف وسيأتي إيضاح ذلك في التفصيل الآتي : ) .
( 2 ) ( قالوا : لا يقع طلاق الكافر لأنه يشترط لصحة الطلاق الإسلام كما ستعرفه ) .
( 3 ) ( الحنفية - قالوا : لا عدة على الكافرة إلا إذا كانت كتابية متزوجة بمسلم وطلقها فإنها تعتد بلا خلاف ) .
( 4 ) ( الحنفية - قالوا : النكاح الواقع بين الملل الأخرى من كتابيين . أو مشركين أو صابئين أو مجوس أو غيرهم إذا كان مستكملا للأركان والشرائط التي ذكرها المسلمون كان العقد صحيحا في نظر المسلمين لأن كل صحيح بين المسلمين فهو صحيح بين غيرهم مثلا إذا تزوج المشرك مشركة بإيجاب وقبول صحيحين مستكملين للشروط بحضرة شاهدين . أو رجل وامرأتين وأمهرهما ما يصح أن يكون مهرا فهذا النكاح يعتبر عند المسلمين صحيحا ومهره صحيح كما لو وقع بين مسلمين بلا فرق . أما المالكية فإنهم لا يقولون بصحته كما سيأتي وقد استدل الحنفية بقوله تعالى . { وامرأته حمالة الحطب } فقد اعتبر الله سبحانه النكاح القائم بين أبي لهب وصاحبته ونسبها إليه فقال : " وامرأته " ولو كان فاسدا لم تكن امرأته بحسب العرف واللغة واستدلوا بحديث " ولدت من نكاح لا من سفاح " ووجه كون الحديث حجة أنه اعتبر ما وقع في الجاهلية موافقا لعق نكاح المسلمين نكاحا صحيحا إذ لو كان فاسدا لكان سفاحا كسفاح الجاهلية ولكن هذا الحديث لا يصلح حجة .
وستأتي مناقشتة في مذهب المالكية فاقرأها هناك بإمعان .
أما إذا وقع النكاح بينهم فاسدا فإن ذلك يكون على أنواع : منها أن يقع بغير شهود فإذا تزوج الكتابي كتابية بغير شهود أو الوثني تزوج بغير شهود فلا يخلو إما أن يكون جائزا في شريعتهم أو لا فإن كان جائزا فإنهم عليه حتى إذا أسلما بقيا على نكاحهما الواقع بغير شهود وإذا لم يسلما وترافعا إلى قاضي المسلمين أو ترافع أحدهما فإنه يقرهما عليه ولا يفرق بينهم أما إذا كان لا يجوز في ديانتهم فإنهما لا يقران عليه عند المسلمين أيضا ومنها أن يتزوج كتابي كتابية وهي في عدة الغير فإن كانت في عدة مسلم بأن مات عنها زوجها المسلم أو طلقها وهي في عدته فإن النكاح يقع فاسدا بلا خلاف ويفرق بينهما ولو كان ذلك جائزا في دينهم ويتعرض لهم في ذلك وإن لم يسلما فلا يلزم في التفرق بينهما أن يترافعا إلى القاضي أو يترافع أحدهما إذ لا يتصور في هذه الحالة أن يترافعا ومثل ذلك ما إذا تزوج ذمي مسلمة فإن التفريق بينهما لا يحتاج إلى مرافعة وطلب أصلا أما إذا كانت العدة في عدة غير مسلم سواء كان موافقا لها في دينها أو لا وكان زواج المعتدة جائزا في دينهم فإن فيه خلافا فأبو حنيفة يقول : إنهما يقران عليه قبل الإسلام وبعده وإذا ترافعا . أو ترافع أحدهما إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما وأما صاحباه فإنهما يقولان : إنهما لا يقران عليه ما دامت المرأة في العدة بمعنى أنه يفرق بينهما إذا كانت العدة قائمة أما إذا تزوجها في العدة ثم انقضت عدتها وترافعا إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما باتفاق . والصحيح قول أبي حنيفة والفرق بين عدة الكافر أن العدة تشتمل على حقين : حق الشرع وحق الزوج . والزوجان الكتابيان ونحوهما لا يخاطبان بحق الشرع . ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأن الزوج لا يعتقد بإجابها . كما هو المفروض أما إذا كانت عدة مسلم فإنها تجب على الكتابية حقا للمسلم لأنه يعتدها .
ومن هنا كان الصحيح الذي لا شك فيه أن المسلم إذا تزوج كتابية تحت زوج كتابي وفارقته لا يصح له أن يعقد عليها قبل انقضاء العدة خلافا لقول بعضهم : إن العقد عليها يصح ولكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء بالحيض . لأن العدة كما عرفت فيها حق الله تعالى ويخاطب به من يعتقده . والمسلم يعتقده فيلزمه العمل به . هذا وإذا فرضنا أن الكتابيين وغيرهم من أرباب الديانات الأخرى لا عدة عندهم ففارقها زوجها مثلا بموت أو طلاق وتزوجها آخر بعد ذلك بأسبوع مثلا ثم جاءت بولد قبل مضي ستة أشهر من تاريخ زواجها بالثاني وهي أقل مدة الحمل فهل يكون نسب الولد من الزوج الأول أو لا ؟ الذي قالوه : أن النسب لا يثبت من الأول ولكن بعض المحققين قال : إنه يثبت لأنه لا يلزم من صحة العقد على الثاني عدم ثبوت النسب من الأول إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر لأن معنى هذا أنه ابن الأول بلا كلام وإن كان عقد الثاني صحيحا قي ديانتهم ومنها أن يتزوج محرما له كأن يعقد على بنته أو أخته كما هو في شريعة المجوس أو يتزوج عمته أو يجمع بين الأختين كما هو في شريعة اليهود أو نحو ذلك فإذا وقع ذلك فإنها تعتبر صحيحة ما داموا على ديانتهم فيتركون عليها ولا يتعرض لهم أما إذا أسلما . أو ترافعا إلى القاضي لينظر في صحة هذا النكاح فإنه يجب أن يفرق بينهما وإن ترافع إليه أحدهما فقيل : يفرق . وقيل : لا .
والصحيح أنه لا يفرق إلا إذا ترافعا إليه معا وإذا تزوج اليهودي أختين في عقد واحد وفارق واحدة منهما وهو على دينه ثم أسلما بقي عقد الثانية صحيحا ولا يفرق بينهما باتفاق . ومنها أن يطلقها ثلاثا ثم يعود إليها بدون محلل وفي هذه الحالة إذا أسلما أو ترافعا إلينا فإننا نقرهما عليه .
ثم إن القاعدة أن كل عقد يقرهم عليه القاضي إذا ترافعا إليه وهم على دينهم . أو بعد إسلامهم فإنه يترتب عليه ما يترتب على العقد الصحيح من ثبوت نسب وعدة وإحصان للزوج ويتوارثان به وكل عقد لا يقرون عليه كنكاح المحارم فإنه يثبت به النسب . والإحصان ما داموا على ديانتهم ولكن لا يتوارثان به . وهذا إذا أسلما معا أو بقيا على دينهما أما إذا أسلم أحدهما فإن كانت الزوجة دون الزوج عرض القاضي عليه الإسلام فإن أسلم بقيت الزوجية بينهما وإلا فرق بينهما فإذا عرض عليه القاضي الإسلام وسكت عرضه عليه مرة ثانية وثالثة فإن سكت بعد الثالثة فرق بينهما وإن كان الزوج صغيرا فإن كان مميزا عاقلا عرض عليه الإسلام كالبالغ بدون فرق أما إذا كان غير مميز فإنه ينتظر تمييزه وإن كان مجنونا عرض الإسلام على أبويه فإن أسلما معا أو أسلم أحدهما بقيت الزوجية قائمة وإن امتنعا فرق بينهما وفي هذه الحالة تكون الفرقة طلاقا لأن الاباء من قبل الزوج . وهو يملك الطلاق فيكون اباؤه طلاقا ولا فرق بين أن تكون الزوجة كتابية أو وثنية لا كتاب لها لأنها متى أسلمت لا تحل للزوج الكتابي أو الوثني على أي حال قال تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فإذا تزوج ذمي مسلمة ثم أسلم فرق بينهما لأن العقد الأول وقع باطلا بالإجماع ومن باب أولى إذا كان وثنيا وإن أسلم الزوج دون الزوجة فلا يخلو إما أن تكون الزوجة كتابية أو وثنية لا كتاب لها فإن كانت كتابية بقي النكاح على حاله بدون أن يعرض عليها الإسلام لأنها تحل للمسلم وهي على دينها وإن كانت وثنية عرض عليها الإسلام فإن أبت فرق بينهما ولم تكن الفرقة في هذه الحالة طلاقا لأن المرأة لا تملك الطلاق فإباؤها الإسلام لا يترتب عليه الطلاق وإذا تزوج المسلم مشركة أسلمت وتنازعا فقالت : إن المسلم عقد عليها وهي مشركة فقال : بل عقدت عليها وهي مسلمة كان القول لها ويفرق بينهما . هذا إذا وقع العقد بين غير المسلمين الموجودين في دار الإسلام أما إذا وقع بينهما في دار الحرب ثم هاجر إلينا أحدهما فإن فيه تفصيلا يأتي قريبا . هذا وقد بقي حكم ما إذا تزوج غير المسلم أكثر من أربع أو تزوج أختين ثم أسلم وفيه تفصيل وهو : أنه إذا كان قد تزوجهن بعقود متفرقة حكم بفساد العقد الأخير أما إذا تزوجهن في عقد واحد فإن فارق واحدة من الخمس أو فارق إحدى الأختين بموت أو إبانة قبل دخول الإسلام فإنه يقر على الأربع الباقيات معه . أو على الأخت الباقية وإلا فسد نكاح الجميع سواء كان ذميا أو حربيا على الصحيح وهذا التفصيل إذا لم يقع سبي للزوج ومعه زوجاته فإذا سبي وتحته خمس نسوة أو أختان بطل نكاح الجميع سواء كان بعقود متفرقة أو كان في عقد واحد وإذا سبي معه ثنتان لم يفسد نكاحهما بل يفسد نكاح الباقيات في دار الحرب . فيفرق بينهما . ومثل ذلك ما إذا كان تحته أربع وسبي منهن معه ثنتان . فإنه لا يفسد نكاحهما بل يفسد نكاح الباقيتين في دار الحرب .
وإذا جمع غير المسلم بين البنت وأمها . فلا يخلو إما أن يكون قد جمع بينهما في عقد واحد أو عقود متفرقة وعلى كل إما أن يدخل الإسلام قبل الدخول أو بعده فإن تزوجهما في عقد واحد فنكاحهما باطل سواء دخل بهما . أو لا وإن تزوجهما في عقدين ودخل بهما جميعا بطل نكاحهما بالإجماع وإن كان قد دخل بواحدة فقط ثم تزوج الثانية بعد الدخول بالأولى ولم يدخل بها وأسلم فسد نكاح الثانية سواء كانت أما أو بنتا وذلك لأن الثانية إذا كانت أما ولم يدخل بها لا يفسد نكاح بنتها الأولى . وإن كانت بنتا فالعقد عليها لا يفسد نكاح أمها أما إذا عقد على واحدة منهما أولا ولم يدخل بها ودخل بالثانية فإن كانت الأولى بنتا والثانية أما بطل نكاحهما معا . وذلك لأن العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات . أما إذا كانت الثانية بنتا ودخل بها دون الأم ففيها خلاف فبعضهم قال : أن النكاح باطل ويفسخ وذلك لأن الدخول بالبنت أبطل عقد أمها والعقد على أمها أبطل عقدها فإذا أراد أن يتزوج إحداهما بعد الإسلام فإنه يحل له أن يتزوج البنت دون الأم لأن الدخول بالبنت جعل التحريم مؤبدا بينه وبين أصولها أما العقد على الأم فإنه لا يوجب تأبيد التحريم .
الشافعية - قالوا : نكاح غير المسلمين في ديار الإسلام يتركون عليه ولا يتعرض لهم ما داموا على دينهم سواء كان صحيحا في نظر الإسلام أو فاسدا وإذا أسلموا عليه بدون بحث لأن الأصل في أنكحتهم الصحة فإذا تزوجها ودخل بها دون شهود أو تزوجها لمدة معينة مؤقتة - وهو نكاح المتعة - فإنهم يقرون عليه بشرط أن يعتقدوا في نكاح المتعة أنه نكاح دائم أما إذا اعتقدوا أنه مؤقت فإنهما لا يقران عليه وذلك لأنهما إن أسلما قبل انقضاء الوقت المحدد كان إقرارا لهم على فاسد قبل الإسلام ولم يزل عند الإسلام وهو ممنوع كما ستعرفه .
وإذا أسلما بعد انقضاء الوقت المحدد بينهما فالأمر ظاهر لأنهما يعتقدان انتهاء النكاح بانتهاء وقته فلا معنى لإقرارهما على الزنا والمعتبر اعتقاد أهل ملة الزوج لا أهل ملة الزوجة .
( يتبع . . . )