- يجوز تعجيل الصداق وتأجيله كله أو بعضه على تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يجوز تأجيل الصداق وتعجيله كله أو بعضه ولكن يشترط أن لا يكون الأجل مجهولا جهالة فاحشة كما إذا قال لها : تزوجتك بمائة مؤجلة إلى ميسرة . أو إلى أن يأتي الغيث أو إلى أن تمطر السماء . أو إلى أن يأتي المسافر فالأجل في كل هذه الأحوال مجهول فلا يثبت ويجب المهر الذي سماه حالا .
أما إذا كان الأجل معلوما كما إذا تزوجها على مائة بعضها مقبوض . وبعضها مؤجل إلى سنة أو سنتين أو تزوجها على مائة مؤجلة كلها إلى سنتين أو أقل أو اكثر فإنه يصح سواء اشترط ذلك في العقد أو بعد العقد ويعمل به بلا خلاف . ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل الصداق كله أو بعضه إلى الموت أو إلى الطلاق أو إلى وقت مضروب ويقال له : منجم فإذا قال لها : تزوجتك على مائة مؤجلة إلى الموت أو إلى الطلاق أو تدفع على أقساط كل خمس سنين مثلا جزء منها فإنه يصح وكذا إذا قال لها : تزوجتك على مائة نصفها معجل وربعها مؤجل إلى أبعد الأجلين وهما الموت أو الطلاق وربعها مقسط على أربع سنين فإنه يصح .
ويلحق بالأجل المعلوم أيضا أن يؤجل إلى الحصاد . أو إلى جني القطن أو سواء العنب أو البطيخ . أو نحو ذلك فإنه وإن كان مجهولا لكن جهالته محدودة بزمن خاص تقريبي فهو كالمعلوم على الصحيح بخلاف البيع فإن المبيع . أو الثمن إذا كانا مجهولين فإن البيع لا يصح سواء كانت الجهالة يسيرة كما هنا . أو فاحشة كما في الأمثلة المتقدمة .
وإذا سمى لها مهرا ولكن لم يبين المعجل والمؤجل منه . كأن قال لها : تزوجتك على مائة بدون أن يقول : منها كذا معجل فإن لها الحق في هذه الحالة أن تأخذ من المائة القدر الذي يعجل لأمثالها بحسب عرف البلد فإن كان العرف جاريا على تعجيل النصف . أو الثلثين كان لها ذلك لأن الثابت بالعرف كالثابت بالشرط ما لم يشترطا تعجيل الصداق كله . أو تأجيله كله فإنه في هذه الحالة يعمل بالشرط ولا ينظر للعرف فإذا قال لها : تزوجتك على مائة كلها مؤجلة . أو كلها معجلة عمل بالشرط ولو كان العرف على خلافه .
وإذا سمى لها صداقا معلوما نصفه معجل . ونصفه مؤجل ولكن لم يذكر وقت المؤجل كما إذا قال لها : تزوجتك على مائة خمسون معجلة . وخمسون مؤجلة ولم يعين وقت الأجل ففيه خلاف فقال بعضهم : يبطل الأجل ويجب الصداق كله حالا وقال بعضهم : يجوز الأجل ويحمل على وقت وقوع الفرقة بالموت . أو الطلاق . وهو الصحيح .
وإذا طلقها طلاقا رجعيا وكان صداقها مؤجلا إلى الطلاق فإنه يتعجل في هذه الحالة ولو راجعها لا يتأجل الصداق بل يكون لها الحق في أخذه حالا .
ولا فرق في تعجيل الصداق وتأجيله بين أن يكون نقضا . أو عرض تجارة . أو حيوان . أو نحو ذلك فإذا تزوجها على ثياب معلومة موصوفة الطول والعرض والرقعة مثلا إلى أجل معين فإنه يصح فإذا أعطاها قيمة الثياب عند حلول الأجل فلها أن تمتنع عن أخذ القيمة أما إذا تزوجها على الثياب المعينة ولم يكن لها أجل وأراد ان يعطيها القيمة فليس لها الامتناع عن أخذ القيمة .
المالكية - قالوا : الصداق إما أن يكون معينا كحيوان معلوم برؤية . أو وصف كهذا الفرس . أو الفرس المخصوص الفلاني وإما أن يكون غير معين بل كان موصوفا في الذمة كفرس من خيل المسكوف أو الخيل العربية أو يكون دراهم . ودنانير موصوفة كما تقدم .
فإذا كان الصداق غير معين فإنه يجوز كله . أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا وذلك بأن يقيد الأجل بشيء أصلا . أو قيده بقيد مجهول . مثال الأول أن يقول لها : تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة . ومثال الثاني أن يقول لها : تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة إلى الموت . أو إلى الفراق هذا إذا أجله كله . ومثال ما إذا أجل مجهول أن يقول لها تزوجتك على مائة منها خمسون مؤجلة أو مؤجلة إلى الموت . أو الفراق والخمسون الأخرى مقبوضة أو مؤجلة إلى سنتين . أو شهرين . أو نحو ذلك فإذا وقع التأجيل للصداق كله . أو بعضه مجهولا بهذه الصفة فسد عقد الزواج ويفسد قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور ولكن يشترط أن تكون الجهالة مقصودة بحيث يتعمد ذكر الأجل مجهولا أما إذا نسي تحديد الأجل أو غفل عنه فإن العقد يصح ويضرب له أجل بحسب عرف أهل البلد في بيوع الآجال كما يشترط أن لا يحكم بصحة العقد قاض يرى الصحة كالحنفي فإن حكم كان العقد صحيحا عند المالكية أيضا فلا يفسخ لا قبل ولا بعد . ويلحق بالمجهول ما إذا أجله إلى مدة خمسين سنة ولو كانا صغيرين يمكن أن يعيشا إلى هذه المدة فإن نقص الأجل عن الخمسين لم يفسد النكاح ولو كان النقص يسيرا جدا وطعنا في السن جدا .
ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل المهر إلى الدخول بالزوجة بشرط أن يكون وقت الدخول معلوما بالعادة عندهم كما إذا كانت عادة القوم أن يدخلوا بالنساء في وقت الحصاد . أو وقت جني القطن . أو وقت النيل أو وقت جني الفواكه . أو نحو ذلك فإن لم تكن لهم عادة معلومة في وقت الدخول فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور وقيل : لا يفسد لأن وقت الدخول بيد المرأة فكأن صداقها - حال في هذه الحالة ومثل ذلك ما إذا أجله إلى الميسرة وكان الزوج عنده مال ولكن لم يكن بيده كما إذا كان تاجرا ودفع ما بيده في شراء قمح وشبهه سلما فيكون موسرا بحلول أجل الدفع أو كان عنده سلعة لبيعها في وقت خاص يرتفع فيه سعرها وتكون مطلوبة فإن لم يكن عند الزوج شيء فسد النكاح ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده مهر المثل .
وإذا قال لها : أتزوجك على مائة متى شئت خذيها فإنه يصح إن كان عنده مال وإلا كان حكمه ما تقدم في التأجيل إلى ميسرة .
أما إذا كان الصداق معينا أي معروفا بعينه من عروض تجارة . أو حيوان . أو ثياب . أو عقار أو نحو ذلك فلا يخلو حاله إما أن يكون حاضرا في بلد العقد أو لا . فإن كان حاضرا وجب تسليمه لها أو لوليها يوم العقد سواء أكانت الزوجة مطيقة أم لا . وسواء كان الزوج بالغا أو لا . ولا يجوز تأخيره إلا بشرطين : .
الشرط الأول : أن لا يشترط التأخير في العقد فإن اشترط التأخير في العقد فسد ولو رضيت بالتأخير .
الشرط الثاني : أن ترضى بالتأخير مع كونه لم يشترط في العقد لأن المهر المعين في هذه الحالة يكون من حق المرأة داخلا في ضمانها بالعقد فلا ضرر من كونها تؤخره .
والحاصل أن الصداق إذا كان معينا حاضرا بالبلد وجب تسليمه للزوجة أو لوليها يوم العقد ولا يجوز اشتراط تأخيره في العقد فإذا لم يشترط في العقد فإنه يصح تأخيره إذا رضيت الزوجة بالتأخير أما إذا كان غائبا عن البلد فإنه يصح النكاح إذا أجل قبضه إلى أجل قريب بمعنى أن تكون العين موجودة في بلد بعيد عن بلدة العقد مسافة متوسطة كالمسافة بين مصر والمدينة أما إن كانت المسافة بعيدة جدا كالمسافة بين مصر وخراسان مثلا فإنه لا يصح على أن يشترط لصحة تأجيله في المسافة المتوسطة أمران : .
أحدهما : أن يشترط الدخول قبل حضور الصداق وتسليمه فإن اشترط ذلك قبل أن تقبضه الزوجة فسد العقد حتى ولو تنازل عن هذا الشرط إذا كان المهر غير العقار أما إذا كان المهر عقارا وتنازل عن الشرط فإنه يصح تنازله ولا يفسد العقد على أنه يصح اشتراط الدخول قبل القبض إذا كان في بلد تبيع عن بلد العقد بمسافة يومين أو ثلاثة أو خمسة .
ثانيهما : أن يكون الصداق معروفا للزوجة . أو الولي برؤية سابقة . أو وصف وإلا كان للمرأة مهر المثل بالدخول .
الحنابلة - قالوا : يجوز أن يؤجل الصداق كله . أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا كأن يقولك تزوجتك على صداق قدره كذا مؤجل إلى قدوم المسافر . أو إلى نزول الغيث فيبطل الأجل ويحل الصداق فإذا لم يؤجل بوقت مجهول بل أطلق كما إذا قال : تزوجتك على صداق مؤجل وسكتت فإنه يصح ويحمل على التقييد بالفرقة بالطلاق أو الموت . والمراد بالطلاق البائن . أما الرجعي فلا يحل به الصداق إلا بعد انقضاء العدة وكما يصح تأجيل الصداق كذلك يصح تأجيل بعضه وتعجيل بعضه كأن يقول تزوجتك على مائة نصفها معجل ونصفها مؤجل إلى الطلاق أو الموت أو أقساط يدفع كل قسط منها في تاريخ كذا ولا يحل قبضه إلا بحلول أجله كسائر الحقوق المؤجلة .
فإذا مسمى الصداق ولم يذكر أجلا كما إذا قال : تزوجتك على مائة وسكت فإنه يصح ويكون الصداق كله حالا .
الشافعية - قالوا : يجوز تأجيل الصداق بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا سواء كان المؤجل كل الصداق أو بعضه . فلو تزوجها على مائة إلى أجل ولم يذكر وقت الأجل أو تزوجها إلى وقت الحصاد أو وقت نزول الغيث فإن التسمية تفسد ويكون لها مهر المثل وإذا تزوجها بمائة منها خمسون مقدمة . وخمسون مؤخرة إلى الموت أو الطلاق فسدت تسمية المهر ووجب لها مهر المثل لا ما يقابل الخمسين المجهولة وذلك لأنه يتعذر توزيع المائة مع الجهل بالأجل )