- الصداق كله يصبح ملكا للزوجة بمجرد العقد الصحيح إلا أنه يحتمل السقوط كلا أو بعضا فإذا تصرفت فيه الزوجة ببيع أو رهن نفذ تصرفها فإذا تصرفت فيه قبل الدخول كأن وهبته للزوج نفسه ثم طلقها قبل الدخول فإن فيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إذا طلقها قبل الدخول لا يخلو إما أن تكون قد قبلت المهر أولا فإن كان الثاني رجع النصف إلى ملك الزوج بمجرد الطلاق بدون حاجة إلى قضاء أو رضا منها وإذا كانت الفرقة من جهتها رجع إليه كل المهر ولو كان المهر قد تبرع به عنه آخر وفي هذه الحالة ينفذ تصرفه فيما يستحقه بمجرد طلاقها فلو مهرها فرسا ولم يسلما لها ثم طلقها من قبل الدخول له أن يبيع نصف هذه الفرس . أما إذا قبضت الفرس وطلقها قبل الدخول ثم باع نصفه بدون رضاها أو حكم القاضي فإن بيعه لا ينفذ وذلك لأن القبض كان مبنيا على عقد صحيح وهو من أسباب الملك فلا يزول الملك إلا بالفسخ من القاضي أما الزوجة فإنها إذا تصرفت فيه بعد قبضه كله أو بعضه نفذ تصرفها بدون قضاء . وبدون رضا الزوج فإذا تصرفت فيه وطلقها قبل الدخول كان عليها نصف قيمة الأصل يوم القبض إن كان متقوما أو نصف مثله إن كان له مثل وذلك لأنه دخل في ضمانها بالقبض فإذا تصرفت فيه ببيع مثلا ونفذ بيعها ثم طلقها قبل الدخول فقد تعذر رد النصف فتضمن قيمة النصف من يوم القبض فلو كان يساوي عشرين عند القبض ونقصت قيمته بعد ذلك كان عليها نصف العشرين وبالعكس وإذا طرأ على الصداق زيادة بعد قبضه لا حق للزوج فيها . فليس له إلا نصف قيمة الأصل كما سيأتي قريبا .
أما إذا تصرفت فيه بالبيع أو بالهبة في نظير عوض قبل أن تقبضه فإن يصرفها ينفذ ولكن إذا طلقها قبل الدخول فعليها نصف القيمة من يوم البيع فإذا كان وقت البيع يساوي عشرين ثم نزلت قيمته بعد كانت ملزمة بعشرة ثم إن كان الصداق له مثل ترجع عليه بنصف المثل لا بنصف القيمة في جميع الأحوال . كما ذكرنا .
وإذا تصرفت في صداقها بالهبة فإنه يصح ولا حق لوليها أو غيره في الاعتراض عليها مادامت غير محجور عليها ولكن لا يخلو إما أن تهبه لغير الزوج أو تهبه للزوج فإن وهبته لغير الزوج وقبضه فعلا ثم طلقت قبل الدخول رجع الزوج عليها بنصف الصداق لا فرق بين أن يكون الصداق نقدا أو عينا على أن لها الرجوع في الهبة للأجنبي أما إذا وهبته للزوج فلا يخلو إما أن تهبه كله أو بعضه وعلى كل إما أن يكون نقدا أو عينا بعد القبض أو قبله فإذا كان نقدا ووهبته له كله بعد القبض لزمتها الهبة ولا يصح الرجوع فيها على أي حال وذلك لأن هبة الزوجة لزوجها لازمة كهبة الزوج لزوجته فلا يمكن الرجوع فيها فإذا طلقها قبل الدخول بعد أن وهبت له وهو زوجها لا يصح لها الرجوع في هبتها فأصبح المهر حقا للزوجة بالهبة وله بالطلاق قبل الدخول نصف المهر فهل في هذه الحالة يرجع عليها بنصف المهر من غير الموهوب أو يقال : إنها وهبت له كل المهر بعنوان كونه مهرا فليس وراءه مهر حتى يأخذ نصفه . وعلى هذا لا يرجع عليها بشيء زيادة على الذي وهبته مثلا إذا مهرها ألف جنيه . فوهبته ألف جنيه بعنوان كونها مهرها بعد قبضه فصارت الألف ملكا له ثم طلقها قبل الدخول وبذلك أصبح يستحق خمسمائة نصف المهر فهل تعتبر الخمسمائة داخلة في المهر الذي وهبته لزوجها أو لا ؟ الجواب : لا تعتبر وذلك لأن النقد من دراهم أو دنانير أو جنيهات لا يتعين بالتعين فلا ينحصر المهر في خصوص الألف التي قبضتها ووهبتها . ولذا لها أن تعطيه غيرها بعد الهبة ولها أن تعطيه نصف الألف إذا طلقها بدون هبة من نقود أخرى وحيث أن النقد لا يتعين بالتعين فلا ينحصر المهر في الألف حتى ولو قالت له وهبتك ألف المهر بل لا فرق بين أن تقول له وهبتك ألف المهر أو وهبتك ألفا بصرف النظر عن كونها مهرا فإذا طلق قبل الدخول استحق نصف المهر زيادة على الألف الموهوبة أما إذا وهبت له ألف المهر قبل أن تقبض ثم طلقها قبل الدخول فإن كلا منهما لا يرجع على صاحبه بشيء لأن المهر تعين في ذمته وقد وهبته له فلم يبق وراءه مهر ومثل ذلك ما إذا وهبت له نصف الألف بعد قبض الألف ثم طلقها قبل الدخول فلا يرجع أحدهما على الآخر بشيء لأن الموهوب نصف المهر فينصرف إلى النصف وهو دين في ذمته . وكذا إذا قبضت النصف ووهبته الكل المقبوض وغيره ثم طلقها قبل الدخول فلا رجوع لأحدهما لأن النصف غير المقبوض جعل الموهوب جميعه في حكم المعين أما إذا وهبت له أقل من النصف فإنها ترد له ما يكمل النصف .
هذا إذا كان الصداق نقدا أما إذا كان غير نقد بأن كان عروض تجارة حاضرة معينة كهذه الثياب أو هذا الأساس أو غير معينة بل موصوفة في الذمة - وذلك صحيح في لنكاح لا في البيع لأن عروض التجارة لا تثبت في الذمة كما تقدم في الجزء الثاني في مباحث البيع - أو كان الصداق حيوانا معينا حاضرا أو موصوفا كهذا الفرس أو فرسا عربيا صفته كذا ثم وهبته له وطلقها قبل الدخول فلا رجوع لأحدهما على الآخر سواء قبضت أو لم تقبض وإذا وهبته الكل فالأمر ظاهر وإذا وهبته النصف أو أكثر فقد أخذ حقه الثابت له بالطلاق أما إذا وهبته أقل من النصف ردت له ما يكمل النصف وذلك لأنها وهبت له هذا المهر المعين بخصوصه أو الموصوف في الذمة فهو في حكم المعين الحاضر هنا كما قلنا فإذا طلقها قبل الدخول لم يجد مهرا وراء ذلك حتى يأخذ نصفه .
فإن باعت له الصداق من عروض تجارة ونحوها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمته من يوم قبضه لا بنصف ثمنه الذي دفعه لها .
بقي ما إذا كان الصداق كيلا أو موزونا وحكم هذا أنه إذا كان معينا حاضرا كمائة قنطار من هذا العسل النحل كان كعروض التجارة وإذا كان غير معين كعشرين إردبا من القمح البعلي الصعيدي فإنه يكون كالنقد إذا وهبته قبل القبض فلا رجوع وبعد القبض يرجع لأنه لا يتعين مثل الدراهم والدنانير .
المالكية - قالوا : هل تملك المرأة بالعقد جميع الصداق أو نصفه أو لا تملك شيئا ؟ والصحيح عندهم أنها تملك نصف الصداق فعلى القول بأنها تملك جميع الصداق ينفذ تصرفها فيه بتمامه قبل القبض وبعده لأنه تصرف في المملوك لها وعلى القول بأنها لا تملك شيئا منه بالعقد ثم تصرفت فيه بالبيع وغيره وطلقت قبل الدخول نفذ تصرفها في حقها وهو نصفه وبطل النصف الذي يملكه الزوج لأنها وإن كانت فضولية في الجميع ولكن الطلاق حقق لها ملك النصف فينفذ فيه . أما على القول المعتمد من أنها تملك النصف بالعقد وتصرفت ببيع أو هبة أو عتق فإن تصرفها ينفذ في الجميع لأنها وإن كانت تملك النصف إلا أن النصف الآخر معرض لملكها إياه فيصح تصرفها في الجميع وأيضا روعي القول بأنها تملك الكل بالعقد الصحيح في تصرفها لأنه قال به بعض أئمتهم وقال به الأئمة الثلاثة .
ثم إذا تصرفت فيه بلا عوض - كهبة - فإن للزوج الحق في نصف المثل إذا كان الصداق مثليا . ونصف قيمته إذا كان متقوما وتعتبر القيمة يوم الهبة على المشهور وقيل : تعتبر يوم القبض .
أما إذا تصرفت بعوض كأن باعت مهرها من حيوان أو غلة أو دار بثمن نفذ بيعها فإذا طلقها قبل الدخول وجب له قبلها نصف ما حابت فيه فإذا باعته بعشرة وكان يساوي ستة عشر كان له الحق في ثمانية لا خمسة .
وفي تصرفها فيه بالهبة أحوال : الحالة الأولى أن تكون الواهبة رشيدة والموهوب له الزوج وفي ذلك صور : إحداها أن تهب كل المسمى قبل قبضه وبعد العقد وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن طلقها قبل الدخول فلا شيء لأحدهما على الآخر ويستمر الصداق على ملك الزوج وإن أراد الدخول بها وجب عليه أن يدفع لها أقل الصداق وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار . الصورة الثانية : أن تهبه له بعد قبضه وبعد العقد وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن طلقها قبل الدخول فلا شيء لأحدهما قبل صاحبه أيضا وإن أراد الدخول بها فلا يجبر على دفع أقل الصداق . الصورة الثالثة : أن تهب له شيئا من مالها لدفعه لها مهرا قبل العقد أو بعده وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن عقد عليها وأراد الدخول بها وجب عليه دفع أقل المهر وإن لم يعقد عليها أو عقد وطلقها قبل الدخول وجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها لأنها لم تهبه إلا لدفعه صداقا لزواجها فلا معنى لأخذه منها بعد طلاقها .
الصورة الرابعة : أن تهبه له بعد الدخول سواء قبضه أو لم يقبضه وفي هذه الحالة إذا طلقها بعد الهبة أخذ الموهوب ولا شيء عليه . الصورة الخامسة : أن تهب له بعض صداقها قبل البناء وفي هذه الحالة أنه إذا أراد الدخول بها وكان البعض الذي بقي معها أقل من المهر الشرعي وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار وجب عليه أن يكمله . وإذا أراد أن يطلقها قبل الدخول طلق ووجب عليه أن يعطيها نصف ما بقي بعد الهبة . الصورة السادسة : أن تهب له بعض صداقها بعد البناء وفي هذه الحالة لا شيء لها عليه إذا طلقها . الصورة السابعة : أن تهبه كل صداقها أو شيئا منه بعد البناء ولو لم تقبضه أو قبل البناء سواء قبضته أو لم تقبضه على قصد أن يدخل بها وتدوم العشرة بينهما فطلقها قبل الدخول أو فسخ النكاح لفساده أو طلقها بعد الدخول وفي هذه الحالة يجب أن يرد لها ما أخذه منها إن طلقها عن قرب كأن طلقها قبل سنتين أما إذا طلقها بعد أن مكث معها سنتين فلا يرد لها شيئا وهذا بخلاف ما إذا أعطته بشرط أن لا يتزوج عليها فتزوج فإنه يرد لها ما أخذ ولو تزوج بعد سنين طويلة نعم إذا وقعت عليه يمين بدون اختياره كما إذا حلف أن تدخل الدار فدخلت أو حلف أن لا يدخل هو فدخل ناسيا فإن في هذه الحالة خلافا فبعضهم يقول : إنه يجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها أيضا إذ لا فرق بين أن يفسخ العقد بدون اختياره فيرد لها ما أخذ وبين أن يقع عليه يمين بغير اختياره وهذا هو الظاهر وبعضهم يقول : إنه لا يرد لها شيئا في هذه الحالة .
الحالة الثانية : أن تكون الواهبة سفيهة والموهوب له الزوج وحكم هذه الحالة أن هبتها لا تعتبر . فإذا وهبته مالا ليجعله لها صداقا وكان قدر صداق مثلها ففعل فالعقد يصح ولكن يجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها ويجبر إن امتنع فإن أعطته أقل من مهر مثلها وجب عليه أن يرده لها ويدفع من ماله قدر مهر مثلها ولا يجوز له أن يعقد عليها بأقل من مهر المثل إذ لا يصح أن يزوج السفيهة بغير مهر المثل سوى أبيها .
الحالة الثالثة : أن تهب الرشيدة صداقها لغير الزوج . وفي هذه الحالة صور : .
الصورة الأولى : أن يقبضه الموهوب له منها أو من الزوج وهو لا يعلم أنه صداق ولم تقل له : إنه صداقها وفي هذه الصورة إذا طلق الزوج قبل الدخول رجع على الزوجة بنصف الصداق وليس للزوجة الحق في الرجوع على الموهوب له بما أعطته للزوج .
الصورة الثانية : أن يعلم الموهوب له الأجنبي أنها وهبت له صداقها أو تبين له هي أنه صداقها وفي هذه الحالة يكون لها الحق في أن ترجع على الموهوب له النصف الذي استحقه الزوج أما النصف الذي ملكته هي بالطلاق فلا رجوع لها .
الصورة الثالثة : أن لا يقبض الموهوب له الهبة ويطلقها الزوج قبل الدخول وفي هذه الصورة تنفذ الهبة وتجبر على تنفيذ ما تملكه هي من النصف أما النصف الذي يملكه الزوج فإن كانت الزوجة موسرة يوم الطلاق فإن الزوج يجبر على تنفيذ الهبة في نصفه أيضا ويكون الصداق كله للموهوب له ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في مالها أما إذا كانت الزوجة معسرة يوم الطلاق فإن الزوج لا يجبر على الهبة في النصف الذي يملكه بل يأخذ الموهوب له نصفها هي فقط ولا يرجع عليها بشيء .
والحاصل أن الهبة تنفذ في نصفها هي على أي حال سواء كانت موسرة يوم الطلاق والهبة أو معسرة أما نصف الزوج فإنها لا تنفذ فيه إلا إذا كانت الزوجة موسرة يوم الطلاق بأن كان لها مال يأخذ منها الزوج حقه . فإذا كانت معسرة لا تنفذ في نصف الزوج وليس للموهوب قبلها شيء إذا أيسرت .
هذا وللزوج أن ينفذ الهبة إذا كانت أكثر من ثلث مالها ما دامت الزوجية قائمة . فإن القاعدة عند المالكية أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في أكثر من ثلث مالها بصدقة أو هبة . أو عتق أو وصية إلا إذا أجازها الزوج .
الشافعية قالوا : إذا لم تقبض الزوجة الصداق فلا يصح لها أن تتصرف فيه . فإذا كان مهرها عرض تجارة أو حيوان أو مكيلا أو موزونا وتصرفت فيه ببيع أو هبة أو رهن أو إجارة أو نحو ذلك فإن تصرفها لا ينفذ . نعم يصح لها أن تتصرف فيه بالوصية . والوقف والقسمة وإباحة الطعام للفقراء .
إذا كان صداقا جزافا غير مكيل ولا موزون ونحو ذلك مما يباح من التصرفات في المبيع قبل قبضه . كتدبير العبد وتزويجه الخ .
فإن قلت : إن الشافعية يقولون : إن الزوجة تملك الصداق كله بمجرد العقد الصحيح . وهذا يقتضي أن تصرفها يكون كاملا . لأن الشيء .
المملوك يصح لصاحبه أن يتصرف فيه كما يحب .
الجواب : أنه وإن كان كله مملوكا لها . ولكن محتملا للسقوط كله أو بعضه . بالفرقة من جهته . أو من جهتها كان الملك ضعيفا فلا يصح تصرفها فيه قبل القبض . أما بعد القبض فإن الملك يقوى . ويصح لها أن تتصرف فيه وتضمن . كما سيأتي في الضمان .
( يتبع . . . )