- التفويض في اللغة رد الأمر إلى الغير ومنه ( فوضت أمري إلى الله ) . وشرعا إخلاء الزواج عن المهر وفي بيانه وحكمه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : المرأة التي زوجت بلا مهر - ويقال لها : مفوضة - بكسر الواو - لتفويض أمرها إلى الولي ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوضها للزوج أي جعل لها دخلا في إيجاب المهر يفرضه هو - لا يخلو حالها من أن يدخل بها الزوج بأن يطأها . أو يخلو بها خلوة صحيحة . أو يطلقها . أو يموت عنها قبل الوطء والخلوة فإن كان الأول فقد ثبت لها مهر المثل كما تقدم من أن مهر المثل يتقرر بالنكاح الفاسد بالغا ما بلغ عند عدم التسمية فتقرره بالصحيح أولى وتزوجها بشرط عدم المهر ملغى لا قيمة له فإن طلقها قبل الوطء والخلوة وجبت لها المتعة سواء فرض لها مهرا أو لا لأن ما فرض بعد العقد لا ينصف .
فالطلاق الذي تجب به المتعة هو ما يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه سواء فرض الصداق بعد العقد أو لا أو كانت التسمية فيه فاسدة من كل وجه كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا أما إذا صحت التسمية من وجه دون وجه . كما إذا سمى عشرة دراهم وعشرة أرطال من الخمر وجب لها نصف العشرة وألغي الخمر كما تقدم في شروط المهر .
وكذا إذا تزوجها على مائة وهدية ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المائة وألغيت الهدية ولا متعة لها في الحالتين وذلك لأنه لا مدخل لمهر المثل في الطلاق قبل الدخول بل ينظر إلى المسمى فإن كان فاسدا من جميع الوجوه ألغي ووجبت لها المتعة وإن كان فاسدا من وجه دون وجه استحقت نصف الصحيح وألغي الفاسد أما بعد الدخول فلها مهر المثل كما ذكرنا والمراد بالطلاق قبل الدخول كل فرقة جاءت من قبل الزوج بدون أن يكون صاحب المهر شريكا للزوج في سبب الفرقة طلاقا كانت أو فسخا كالطلاق والفرقة بالإيلاء . واللعان والجب والعنة والردة وإبائه الإسلام . وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة فإن الفرقة في كل هذه الأحوال توجب لها المتعة أما إذا كانت الفرقة من قبلها كردتها وإبائها الإسلام ومطاوعتها لابنه في الفجور أو تقبيلها إياه بشهوة أو إرضاع ضرتها الصغيرة أو اختارت نفسها عند بلوغها . أو تزوجت غير كفء ففسخه الولي فإنها لا متعة لها في كل هذه الأحوال لا وجوبا ولا استحبابا وكذا إذا لم تكن مفوضة وسمى لها مهرا وفارقته قبل الوطء فإنه يسقط نصف المسمى الذي كانت تستحقه لو كانت الفرقة من جهته .
وخرج بقولنا : بدون أن يكون صاحب المهر شريكا للزوج في سبب الفرقة ما إذا كانت أمة مملوكة لشخص ثم زوجها الآخر وقبل أن يدخل عليها زوجها باعها السيد وهو صاحب الصداق فإن العقد يفسخ في هذه الحالة ولا تستحق الأمة نصف صداق ولا تجب لها متعة وذلك لأن الفرقة وإن لم تكن من وجهتها ولكن سيدها - وهو صاحب المهر - مشترك مع الزوج في سببها وهو تمليكها للغير فلو لم يبعها السيد أو لو اشتراها الزوج لم يملها الغير فلو اشتراها الزوج وطلقها كانت لها المتعة . أو نصف الصداق أما إذا مات عنها قبل الوطء فإن فرض لها شيئا بعد العقد وتراضيا عليه استحقت المفروض فإن لم يفرض لها شيئا كان لها بالموت مهر المثل سواء نفى المهر بأن تزوجها بدون مهر أو سكت فلم يسم مهرا وإذا فرض لها مهرا فاسدا كخمر أو خنزير ألغي وثبت لها مهر المثل كما إذا فرض لها مهرا بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول وجبت لها المتعة لا نصف المهر لأن الذي يفرض بعد العقد لا ينتصف كما ذكرنا آنفا كالذي يزاد على المسمى بعد العقد فلو سمى لها مائة جنيه في العقد ثم زاد لها عليها خمسين بعد العقد وطلقها قبل الدخول استحقت نصف المائة .
والمتعة قسمان : واجبة ومستحبة فالواجبة هي للمفوضة قبل الوطء المتقدم بيانها أم المستحبة فهي لكل مطلقة بعد الوطء سواء سمى لها مهرا أولا وللمطلقة قبل الوطء إذا كان لها مهر مسمى - على الصحيح - متى كانت الفرقة من جهته إلا إذا ارتد أو أبى الدخول في الإسلام فإن المتعة لا تستحب في حقه لأن الاستحباب فضيلة لا تطلب إلا من المسلم .
والمتعة هي عبارة عن كسوة أو قيمتها للمفوضة بدل نصف المهر على أنه لا يجب عليه أن يعطيها ما يزيد على النصف مهر المثل وهي تختلف باختلاف أحوال الناس فإن تراضيا عليها فذلك وإلا فرضها القاضي بالنظر إلى حالها وحاله - على الصحيح - فإن كانا موسرين قدرها لها من أعلى الثياب وإن كان أحدهما موسرا والآخر فقيرا قدرت وسطا وإلا قدرت دون ذلك .
وقد بينها الفقهاء بأنها ما تغطى رأس المرأة وتسمى - الطرحة - والملحفة وهي ما تلتحف به المرأة من رأسها إلى قدمها وتسمى ملاءة - أو شقة - والملحفة والإزار بمعنى واحد فمن زاد على ذلك الإزار لا حظ اختلافهما فأراد من الإزار ما ليس تحت الملحفة من ثياب وبالجملة فالمطلوب أن تكس المرأة بمثل ما اعتادت أن تخرج به بحسب اصطلاح كل جهة فالمتعة الآن مثلا هي ثوب منقوش - جلابية - وتحتها قميص ولباس وفوقها إزار - بالطو - أو ملاءة وعلى الرأس - طاقية - خاصة . أو منديل بحسب اختلاف أحول الناس وإذا أعطاها قيمة الكسوة يجب عليها قبولها لتشتري هي ما يناسبها .
الشافعية - قالوا : نكاح التفويض هو إخلاء النكاح عن المهر وينقسم إلى قسمين : تفويض مهر كقولها للولي : زوجني بما شئت أو شاءفلان من الصداق وتفويض بضع كقولها للولي : زوجني بلا مهر . أو زوجني بلا مهر لا في الحال ولا بعد الوطء وتسمى مفوضة - بكر الواو - لأنها فوضت أمرها إلى الولي ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوض أمرها للزوج ويصح للمرأة أن تفوض للولي بشرط أن تكون رشيدة فإذا كانت سفيهة يكون تفويضها إذنا للولي بزوجها بالشروط التي تقدمت في مباحث الولي وإذا قالت له : زوجني وسكتت عن المهر لا يكون هذا تفويضا للصداق . أو للبضع بدون صداق لأن الزواج عادة لا بد أن يكون بمهر .
وحكم نكاح التفويض أن الولي إذا زوجها بمهر المثل ومن نقد البلد المعروف ثبت لها المسمى . وإلا بأن زوجها بلا مهر أصلا لا بمهر المثل أو بمهر من غير نقد البلد أو سكت عم ذكر المهر وجب لها بالوطء مهر المثل وكذا بالموت فإن طلقها قبل أن يفرض لها مهرا فإنه يتقرر لها مهر المثل لن الموت كالوطء في إيجاب مهر المثل مطلقا في التفويض سواء فرض لها مهر المثل أو لا خلافا للمالكية فإن فرض لها مهرا صحيحا برضاهما . أو فرض قاض عند التنازع ثم طلقها قبل الوطء كان لها نصف المفروض فإذا سمى لها صداقا - كخمر - ورضيت به وطلقها قبل الدخول فلا تستحق نصفه وغنما تستحق المتعة كما تقدم وهذا بخلاف ما إذا سمى صداقا فاسدا في العقد ثم طلقها قبل الدخول فإن لها نصف صداق المثل . كما تقدم وإذا سمى صداقا فاسدا ورضيا به معا صح وإلا فلا . ولو كان من ماله ويعتبر عندهم مهر مثلها حال العقد فإن كانت جميلة مثلا حال العقد ثم عرض لها ما أضاع شيئا من جمالها عند الوطء فلا يعتبر إلا حالها عند العقد على الصحيح .
وللمفوضة منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها الصداق فإن امتنع الزوج رفع إلى القاضي لفرضه لها .
فإذا طلقت المفوضة قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهر وجبت لها المتعة وهي مال يدفعه الزوج وجوبا لمن فارقها قبل الدخول حيث لا شيء لها أو بعد الدخول ولو كان فهما للكل إلا في أمور : أحدها المفوضة التي طلقت قبل الدخول وفرض لها مهر قبل العقد فإن لها نصف المهر . ومثلها كل من لها نصف المهر فإنها لا متعة لها . ثانيها : إذا كانت الفرقة بسببها وحدها أو مع الزوج بأن ارتدا معا . ثالثها : موت أحدهما فإنه لا متعة لها بالموت ومن الفرقة بسببه فرقة اللعان فتجب عليه المتعة فأقلها ما له قيمة مالية وحد لأكثرها ثم إن تراضيا على قدرها فذاك وإلا قدرها القاضي باجتهاده معتبرا حالهما ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهما . وألا تبلغ نصف المهر .
المالكية - قالوا : نكاح التفويض هو عقد خالي من تسمية المهر . ومن لفظ وهبت لم توكل تعيينه إلى حكم أحد ولم يتفق على إسقاطه مثاله أن يقول شخص لآخر : زوجتك ابنتي ولم يذكر المهر . ولم يتفق معه على إسقاط المهر فيقول له : قبلت فهذا يسمى نكاح التفويض وهو جائز كما يأتي فإذا قال له : وهبت لك ابنتي قاصدا تزويجها إياه ولم يذكر مهرا فقال له : قبلت فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل كما تقدم في الصيغة أما إذا قال له : وهبت لك ابنتي تفويضا فإنه يكون عقد تفويض بقرينة ذكر التفويض وقوله : لم يوكل تعيينه إلى حكم أحد خرج به نكاح التحكيم فإنه عقد خال من تسمية المهر ومن لفظ : وهبت ولكن وكل تعيينه إلى حكم شخص كما إذا قال له : زوجتك ابنتي على أن يحكم فلان في تعيين صداقها وقولهم : لم يتفق على إسقاطه خرج به ما إذا دخلوا على إسقاط الصداق فإن العقد يفسد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل كما تقدم فيما إذا سميا مهرا مغصوبا علما به معا .
وحكم نكاح التفويض أنه عقد صحيح جائز باتفاق ومثله نكاح التحكيم ثم إن الزوجة تستحق مهر مثلها بالوطء ولو كان في حال وجود مانع من حيض أو نفاس أو كان أحدهما متلبسا بعبادة تمنع الوطء كإحرام وصيام رمضان بشرط أن يكون الزوج الواطئ بالغا وتكون الزوجة كبيرة مطيقة للوطء فإن كان غير بالغ أو كانت صغيرة لا تطيق الوطء فلا تستحق مهرا بالوطء في هذه الحالة لأنه كالعدم فإن طلقت قبل الوطء وقبل الدخول أو مات أحدهما قبل ذلك فلا يخلو إما أن يكون قد فرض لها الزوج مهرا قبل الطلاق وقبل الموت أولا فإن لم يكن قد فرض لها مهرا فلا شيء لها وإن كان قد فرض لها فلا يخلو إما أن يكون مهر المثل أو أقل وفي الحالتين إما أن تكون قد رضيت به أولا فإن كان فرض لها مهر المثل وادعت أنه قد فرض لها ذلك قبل الطلاق وثبت أنه قد فرض لها مهر المثل كما ادعت فإنها تستحق نصفه سواء ثبت رضاها أولم يثبت لأن مهر المثل يلزمها بدون رضا فإن ادعت أنه فرضه لها قبل موته وثبت أخذته جميعه بصرف النظر عن رضاها وعدمه وإن كان قد فرض لها أقل من مهر المثل فإن ثبت أنها قد رضيت به قبل الطلاق أو الموت ببينة كان لها نصف المفروض بالطلاق وجميعه بالموت أما إذا لم يثبت أنها رضيت قبل الطلاق أو الموت فلا شيء لها ولا تقبل دعواها بأنها رضيت به بدون بينة .
والحاصل أنه لا يثبت لها شيء بالطلاق أو الموت قبل الوطء إلا إذا ثبت بالبينة أنه فرض لها صداقا قبل ذلك ثم بعد أن يثبت الفرض فإن كان الذي ثبت فرضه هو مهر المثل كان لها جميعه بالموت ونصفه بالطلاق بصرف النظر عن رضاها وعدمه وإن كان الذي ثبت فرضه هو أقل من مهر المثل فلا بد أن يثبت مع ذلك أنها رضيت به قبلهما بالبينة . وإلا فلا شيء لها .
هذا ولها طلب تقدير المهر قبل الدخول ويكره أن تمكنه من نفسها قبل هذا الفرض .
أما نكاح التحكيم فهو كنكاح التفويض في التفصيل المتقدم فإن طلقها بعد الوطء كان لها مهر المثل وإن طلقها قبل الوطء . أو مات عنها حكمه ما ذكر في نكاح التفويض ثم إذا كان المحكم الزوج وفرض لها مهر المثل لزمها القبول ولزمه الدفع أما إذا لم يفرض لها شيئا وطلقها قبل الدخول فلا شيء عليه وإذا كان المحكم الزوجة . أو شخصا أجنبيا وحكم بمهر المثل . فقيل : يلزم الزوج سواء رضي أولم يرض وقيل : لا يلزم إلا برضاه فإذا طلقها قبل الرضا لاشيء عليه والأظهر أنه لا يلزم إلا إذا تراضا معا المحكم والزوج سواء كان المحكم الزوجة أو غيرها .
الحنابلة - قالوا : نكاح التفويض يطلق على أمور : .
أحدها : أن يزوج الأب المجبر من له عليها الولاية بدون مهر .
الثاني : أن تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بدون مهر ويقال للمرأة في الحالتين : أنها مفوضة البضع أي جعلت أمر العقد عليه راجعا إلى الولي .
الثالث : أن يفوض إليها الزوج مهرها بأن يتزوجها على ما شاءت من المهر ومثل ذلك ما إذا فوض أمرها إلى غيرها كما إذا تزوجها على ما شاء فلان من المهر ويقال للمرأة في هذه الحالة : مفوضة مهر - بفتح الواو - وهذه الحالة الأخيرة تشبه نكاح التحكيم عند المالكية .
أما حكم نكاح التفويض بجمع أنواعه عند الحنابلة فهو الصحة في جميع أنواعه ويجب للمرأة مهر المثل بمجرد العقد ولكن لا يتقرر إلا بالوطء والخلوة . والفرض قبل الوطء والخلوة وموت أحدهما أما إذا طلق قبل الوطء والخلة . وقبل أن يفرض الحاكم أو يتراضيا على فرضه وجبت لها المتعة بالنظر إلى حال زوجها من اليسر والعسر وأعلاها رقبة وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وهي درع أي قميص وخمار - طرحة تغطي رأسها - وثوب تصلي فيه فهذه أدنى المتعة فإذا وطئها أو خلا بها أو قبلها ولو بحضرة الناس . أو نظر إلى فرجها بشهوة أو لمسها بشهوة ولو بحضرة الناس - بأن فعل معها ما لا يحل لغيره أن يفعله - استقر لها مهر المثل وكذا إذا مات أحدهما فإنه يستقر ولو لم يفرضه الحاكم وكذا إذا فرض الحاكم مهر المثل والحالم يفرضه بطلبها بدون زيادة عليه أو نقص منه فإن فرض المثل أو أقل أو أكثر لزم الزوجين فرضه كحكمه وأصبح المهر المفروض كالمسمى وإن تراضى الزوجان على مهر لزمها قليلا كان أو كثيرا فإن طلقها بعد الفرض وقبل الوطء وتوابعه كان لها نصف المفروض كالمسمى وكما أن المتعة تجب للمفوضة التي لم يسم لها صداق وطلقت قبل الوطء وتوابعه كذلك تجب لمن سمى لها مهر فاسد كخمر أو خنزير أو نحوهما مما تقدم في شروط الصداق .
ثم كانت الفرقة من قبل لا يجب لها صداق . ولا متعة سواء كانت مفروضة أولا فلم يجب لها شيء بفرقة اللعان لأنها بسببها إذ هي تعق عقب لعانها وبفرقة عيب فيها من رتق ونحوه وبفرقة ردتها إذا كانت متزوجة بمسلم وبإسلامها إذا كانت متزوجة بكافر وبإرضاعها لضرتها أما إن كانت الفرقة من جهته فلها نصف المسمى والمتعة إذا لم يسم لها شيئا . كما ذكرنا .
وكل ذلك فيما إذا حصلت الفرقة قبل الوطء والخلوة وغيرهما مما يقرر الصداق ويؤكده وإلا فإنه لا يسقط بعد ذلك ولو كانت الفرقة من جهتها )