- الشغار في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول ثم استعمل لغة فيما يشبهه من رفع رجل المرأة عند الجماع ثم نقله الفقهاء واستعملوه في رفع المهر من العقد فهو عند الفقهاء أن يتزوج اثنان امرأتين على أن تكون أحدهما في نظير صداق الأخرى وفي صحة ذلك وعدمه اختلاف المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : الشغار ينقسم إلى ثلاثة أقسام : شغار صريح وهو أن يقول له : زوجني أختك مثلا على أن أزوجك أختي بحيث لا يكون لإحداهما مهر بل بضعها في نظير بضع الأخر . الثاني ويقال له : وجه شغار وهو أن يقول له : زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة فالأول صريح الشغار لأنه رفع منه المهر رأسا فلم يسميا لأحد مهرا والثاني يقال له : وجه شغار لأنه وإن كان قد سمى لكل منهما صداقا ولكنه اشترط زواج إحداهما في نظير الأخر فالتسمية في هذه الحالة كلا تسمية الثالث : المركب منهما وهو أن يقول له : زوجني أختك مثلا بخمسين جنيها على أن أزوجك أختي أو أمتي بلا مهر فهو في هذه الحالة صريح فيمن لم يسم لها وذو وجه فما سمى لها .
وحكم الشغار الصريح البطلان فيفسخ العقد قبل الدخول وبعده فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء لهما وإن فسخ بعده كان لهما مهر المثل بالوطء . وحكم وجه الشغار البطلان ولكن يفسخ قبل الدخول لا بعده بطلاق أما بعده فإن العقد فيه يثبت بالأكثر من المسمى . وصداق المثل بمعنى أنها تأخذ الأكثر فإذا كان قد سمى لها خمسين وكان صداق مثلها كان لها الحق في المائة وبالعكس ولو وقع وجه الشغار لا على الشرط فإنه يصح . فلو زوجة أخته بمائة فكافأه الآخر على ذلك وأعطاه أخته بمائة فإنه يصح . أما حكم المركب منهما فإن المسمى لها يفسخ عقدها قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى ومهر المثل وأما غير المسمى لها فإن عقدها يفسخ قبل الدخول وبعده ولها في حال الفسخ بعد الدخول صداق المثل .
الشافعية - قالوا : الشغار هو أن يقول له : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما صداق الأخر فيقول : قبلت وكذا لو قال له : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما ومائة جنيه صداق الأخر فإن ذكر المال لم يخرج البضع عن كونه صداقا وعله التحريم أنه جعل كلا منهما مشتركا فيها لأن كل واحدة مستحقة للرجل ولا بنته فهي زوجة للرجل وصداق لبنته فكأن بضعها مشترك فيه اثنان . فأشبهت المتزوجة بالاثنين فلو لم يذكر البضع بأن قال : زوجتك بنتي بمائة على أن تزوجني بنتك بمائة فإن العقد يصح ولكن يبطل المسمى وذلك لأنه جعل المسمى في العقد الثاني زواج البنت والمائة وزواج البنت الثانية غير معلوم فبطل المسمى كله في الثاني ويبطل في العقد الأول لنه مبني على الفاسد - وهو الثاني - لأن النكاح مشروط به والمبني على الفاسد فاسد .
هذا وإذا وطئها في نكاح الشغار كان لها مهر المثل كما تقدم فإن الشافعية يقولون : إن النكاح الفاسد يوجب مهر المثل .
وليس من الشغار ما يقع في الأرياف من الاتفاق على أنه يتزوج ابنا الرجلين بنتي الآخر مع عدم ذكر صداق لهما وعدم التعرض لذلك في العقد .
الحنفية - قالوا : نكاح الشغار . هو أن يزوج الرجل بنته لابن الآخر مثلا في نظير أن يزوج الآخر ابنته لا بنه . على أن يكون بضع كل منهما صداقا للأخر كما فسره الشافعية ولو قال له : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك ولم يذكر أن بضع إحداهما صداقا أو ذكره ولكن الآخر لم يقبل كون صداق أخته بضع الأخر . فإنه لا يكون شغارا . وحكم هذا أن العقد صحيح عند الحنفية . ويجب فيه مهر المثل لكل من الاثنتين .
وقد اعترض على الحنفية بأن الشغار منهي عنه بحديث الصحيحين والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فأجابوا عن هذا بوجهين : .
أحدهما : أن المهني عنه حصول حقيقة الشغار . ونحن نقول : إن هذه الحقيقة المهني عنها غير نافذة عندنا . وإنما الذي نقول بحله ونفاذه إنما هو العقد بمهر المثل . فبطل كونه صداقا ويمكن تلخيص ذلك بأن النهي وارد على جعل البضع صداق فلا يصح كما لا يصح جعل الخمر والخنزير صداقا فيبطل الصداق المسمى . ويبقى العقد بمهر المثل .
ثانيهما : أن النهي للكراهة لا للفساد . وذلك لأن الشارع جعل فساد المسمى في الصداق موجبا لمهر المثل في غير هذا مع الكراهية . فيحمل النهي هنا على الكراهة قياسا على غيره .
الحنابلة - قالوا : الشغار هو أن يزوجه بنته . أو غيرها ممن له عليها ولاية على أن يزوجه الآخر بنته . أو من له عليها ولاية . ولم يذكرا مهرا أو قالا : بدون مهر ولا يشترط أن يقولا : وبضع إحداهما صداق الأخر وكذا إذا قال له : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك وبضع كل منهما ومائة درهم صداق الأخر فهذا شغار وهو نكاح فاسد .
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا بين المتناكحين لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه وروى أب هريرة مثله أخرجه مسلم .
وقد عرفت أجوبة الحنفية عن هذا فهم يجعلون النهي منصبا على تسمية الصداق ولكن الحنابلة يقولون : إن النهي من حيث موافقته على شرط فاسد ولا أدري ما وجه ذلك . لأن النهي كما يصح أن يكون على الموافقة على شرط فاسد كذلك يصح أن يكون على تسمية الفاسد وجعله شرطا بدون فرق على الحنابلة قالوا : إذا سمى مهرا كأن قال : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة مائة فإنه يصح العقد بالمسمى إذا لم يذكر البضع خلافا للشافعية ولو سمى المهر لإحداهما ولم يسم للأخر صح نكاح من سمي لها دون الأخر خلافا للمالكية في الصورتين )