- وأما الوطء بشبهة فإن ما يوجبه من مهر ونحوه فيه تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الشافعية - قالوا : الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل فمن ظن في نائمة أنها زوجته فوطئها وهي لا تدري ثبت لها مهر مثلها أما إذا أحست به وعلمت فإنها تكون زانية يجب عليها الحد .
وقد قسم الشافعية الشبهة التي تدرأ الحد ويتقرر بها مهر المثل إلى أربعة أقسام : شبهة الفاعل وهي ما إذا وطئ امرأة وهو يظن أنها زوجته أو أمته ثم تبين غير ذلك وهذا الفعل لا يتصف بحل ولا حرمة وذلك لأن فاعله غير مكلف لأن الفعل صدر عنه وهو غافل . ومتى انتفى تكليفه انتفى وصف فعله بالحل والحرمة . الثانية : شبهة الملك وهي إذا ما وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو وطئ مكاتبته فإنه لا يجوز وطئها ولكنه إذا جهل التحريم ووطئ لشبهة الملك رفع عنه الحد ويوصف فعله في هذه الحالة بالحرمة لأنه ما دام علم أن ملكه غير خالص فيجب عليه أن يتحرى إن كان جاهلا . الثالثة : شبهة الطريق وهي ما إذا فعل لشبهة الحل بقول عالم يصح تقليده وذلك كما إذا تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود ووطئها بناء على ما ذهب إليه داود الظاهري من صحة ذلك فإن قلده فلا حرمة ولا حل وإن لم يقلده حرم عليه . الرابعة : شبهة المحل وهي ما إذا اشتبه في حل الموطوءة له كما إذا وطئ جارية أبيه أو وطئ أبوه جاريته وهذا الوطء حرام لأن لا يصح الإقدام عليه مع الشك في الملك .
وعلى كل حال فلا حد في الوطء للشبهة بأنواعها الثلاثة ويجب فيها مهر بكر دون أرش بكارة على المعتمد فإن كانت ثيبا فلها مهر مثل الثيب . وبعضهم قسم الشبهة إلى ثلاثة أقسام فقط فجعل شبهة الملك وشبهة المحل واحدة ثم إن اتحد شخص الشبهة لا يتعدد المهر كما إذا وطئ نائمة بشبهة أنها امرأته اليوم ثم وطئها بنفس هذه الشبهة بعد أيام وكان لم يدفع لها المهر فإن عليه مهرا واحدا . أما إذا وطئها بشبهة الملك ليوم ثم وطئها بعد أيام بشبهة أخرى فإن عليه مهرين لا مهر ا واحدا ويعتبر حال المرأة وقت الوطء الأول فإن وطئها وهي جميلة - لها مهر كثير - ثم وطئها ثانيا بنفس الشبهة الأولى بعد أن عرض لها ما فقدت به شيئا من جمالها تستحق المهر على الحالة الأولى .
الحنفية - قالوا : الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل والقاعدة عند الحنفية أن كل وطء في دار الإسلام بغير ملك يمين إما أن يوجب - المهر أو الحد ثمان مسائل : .
إحداها : الصبي إذا نكح بدون إذن وطاوعته فإنه لا مهر عليه ولا حد بوطئها .
ثانيها : شخص يملك أمة فباعها بيعا صحيحا ثم وطئها قبل أن يسلمها للمشتري فلا حد عليه ولا مهر لها ولكن للمشتري أن ينقص من ثمنها ما قابل البكارة إن كانت بكرا وإلا فلا .
ثالثها : إذا تزوجت ذمية ذميا بغير مهر ثم أسلما فلا حق لها في مطالبته بعد الإسلام متى كانت شريعتهما لا مهر فيها من قبل الإسلام .
رابعها : السيد إذا تزوج أمته من عبده فلا مهر لها على الأصح .
خامسها : العبد إذا وطئ سيدته بشبهة فلا مهر لها ولا حد .
سادسها : إذا وطئ حربية .
سابعها : إذا وطئ شخص جارية موقوفة عليه فإنه لا مهر عليه ولا حد .
ثامنها : إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن ظانا حلها فلا حد عليه ولا مهر لها على أن المراد بمهر المثل عندهم في الوطء بشبهة هو ما يسمونه عقرا وقد فسره بعضهم بأنه قدر ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز ولكن الصحيح أن العقر هو مهر المثل بالنسبة للجمال فقط فتعطى مهر الجميلة بصرف النظر عن حسبها أو مالها والشبهة التي تسقط الحد هي ما يشبه الشيء الثابت مع كونه غير ثابت في الواقع ونفس الأمر وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : شبهة المحل وهي التي نشأت عن دليل موجب للحل في المحل ولكن عرض مانع يمنع الحل فوجود الدليل أوجد شبهة في حل المحل يعني الموطوءة ولو علم ذلك العارض الذي منع الحل مثال ذلك أن يطأ الرجل أمة ولد ولده وإن سفل بناء على حديث " أنت ومالك لأبيك " فظاهر هذا الحديث يفيد أن اللام للملك ومعنى ذلك أن الولد وما يملكه من مال مملوك لأبيه فأمة الابن مملوكة للأب ولكن هذا الظاهر من الحديث عارضه الإجماع على أن اللام فيه ليست للملك بل معنى " أنت ومالك لأبيك " منسوب لأبيك . فهو الأصل الذي يترتب عليه وجودك فأحرزت هذا المال فلا تضيق عليه ولكن مع هذا شبهة الحل لا تزال قائمة عملا باللام في قوله : " لأبيك " وكما تسمى هذه الشبهة بشبهة المحل كذلك تسمى شبهة الملك وتسمى شبهة حكيمة أعني التي ثبتت فيها شبهة حكم الشرع بحل المحل ومن ذلك ما إذا طلق امرأته بلفظ الكنايات كقوله : أنت بائن أو بتة أو خالصة أو نحو ذلك فبانت منه ثم وطئها وهي في العدة فإنه لا يحد بذلك ووجب عليه الصداق وذلك لشبهة الدليل وهو قول عمر Bه : الكنايات رواجع وهذا رأي بعض الأئمة أما عندنا فقد قام الدليل على أن الكنايات يقع بها بائنا فيحرم وطؤها في العدة إلا إذا عقد عليها عقدا جديدا ولكن لا حد عليه ولو كان عالما بالتحريم عند الحنفية لقيام الشبهة التي أحدثها الدليل في المحل . ومن ذلك ما إذا باع جاريته بيعا صحيحا ثم وطئها قبل أن يقبضها المشتري فإن ذلك يرفع الحد كما تقدم أما إذا وطئها بعد القبض فإنه يحد أما إذا باعها بيعا فاسدا ووطئها قبل القبض لم يكن مما نحن فيه لأنها لم تخرج عن ملكه بالبيع الفاسد وإذا وطئها بعد القبض كان له شبهة في الملك لأن له حق الفسخ فيعود له ملكها على أنه يثبت لها بالوطء بعد القبض مهر المثل لأن المبيع بيعا فاسدا يملك بالقبض ومن ذلك ما إذا وطئ امرأته بعد ردتها فإن بعض علماء الحنفية أفتوا بعدم الفرقة بردة المرأة فإذا جاءت الردة من قبلها لا يفسخ النكاح فوطؤها في هذه الحالة ليس بحرام وكذا إذا طاوعت زوجة الرجل ابنه فزنى بها فإنها تحرم على أبيه عندنا ولكن إذا وطئها أبوه بعد ذلك فإن شبهة الحل قائمة بها فلا يحد وذلك لأن الشافعي قال : إن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة وهذا النوع يسميه الشافعية شبهة الطريق أي الشبهة التي أوجدها الدليل في المحل . ومنه ما إذا وطئ الرجل أم زوجته فإن زوجته تحرم عليه عند الحنفية ولكن إذا وطئ زوجته بعد ذلك فإنه لا يحد لأن الأمام الشافعي قال : إن الزنا بالأمهات لا يوجب الحرمة . القسم الثاني : شبهة الفعل وتسمى شبهة اشتباه بمعنى أنها تعتبر شبهة في حق من حصل عنده اشتباه بأن ظن حل الفعل مثال ذلك أن يطأ الشخص أمة أبيه . أو أمه ظنا منه أن ذلك جائز أو يطأ امرأته التي طلقها ثلاثا وهي في العدة ظانا أن ذلك جائز ويكفي في ذلك أن يدعيا الظن أما إذا أقرا بأنهما يعلمان بالتحريم فإنهما يحدان .
هذا وإذا طلقها بلفظ الكناية ونوى بذلك الطلاق الثلاث ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد ولو كان عالما بالتحريم ومثل الطلاق الثلاث الطلاق البائن كما إذ طلقها بالخلع على مال ثم وطئها في العدة فإن كان عالما بالتحريم فإنه يحد وإلا فلا . في الأول يكون له شبهة اشتباه في حل الفعل .
الثالثة : شبهة العقد فإذا عقد على محرم من محارمه ووطئها وكان غير عالم بالتحريم فإنه لا يحد لأن العقد أحدث عنده شبهة وهذا باتفاق . أما إذا كان عالما بالتحريم فإنه يحد عندهما لا عنده ولكن مع هذا يثبت بها النسب ولا فرق بين أن تكون من المحارم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة فلو تزوج أخته من الرضاع ظانا حل ذلك ووطئها لا حد ويثبت بوطئه النسب ولها الأقل من المسمى ومهر المثل كما تقدم أما إذا عقد على من لا تحل له بسبب آخر ووطئها كأن عقد على معتدة للغير ووطئها أو وطئ من طلقها ثلاثا بدون محلل أو تزوج خمسا في عقد واحد فوطئهن أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما أو عقد على أختين بعقدين متعاقبين ثم وطئ الأخيرة التي يثبت بطلان عقدها فإنه لا حد في كل ذلك بالاتفاق ولو كان عالما بالتحريم ولكن يعاقب عقوبة شديدة .
فالخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في العقد على المحارم ووطئهن فهما يقولان : إن علم بالحرمة حد وإلا فلا وهو يقول : لا يحد مطلقا لا فرق بين المحارم وغيرهن ومدار الخلاف أن المحارم تصلح لأن تكون محلا للعقد أو لا ؟ الإمام يقول : إن المرأة في ذاتها صالحة ليعقد عليها ما دامت محلا قابلا للغرض من العقد وهو التناسل و التوارث بصرف النظر عن عاقد خاص فإن تحريم المحرم جاء من عارض آخر فأورث ذلك شبهة في جواز العقد عليها أما هما فقالا : إنها ليست محلا لعقد هذا العاقد بخصوصه . ولا يسقط الحد عمن وجد امرأة أجنبية نائمة على فراشه فظنها امرأته فوطئها وذلك لأنه إما مبصر أو أعمى وكان الوقت نهارا أو ليلا مظلما فإن كان مبصرا وكان الوقت نهارا لم يكن لاشتباهه معنى فإن يفرق بضرورة في هذه الحالة بين امرأته وغيرها فلو فعل بها كان زانيا عليه الحد وهي لا محالة أنها تراه وتعلم به فإذا فرض ولم تشعر به حتى أولج ارتفع عنها الحد وثبت لها مهر المثل وإن كان أعمى أو كان الوقت ليلا فالمفروض في هذه الحالة أن يطأها بعد أن يدعوها لهذا العمل إذ لا يليق أن يقدم الإنسان على فعل كهذا من غير أن تشعر به امرأته المشاركة له في الاستمتاع اللهم إلا إذا كان أعمى وناداها فأجابته على أنها امرأته وفي هذه الحالة تحد هي لا هو وبعضهم يرى سقوط الحد إذا كان أعمى أو كان الظلام حالكا . لأنه يلزم بإيقاظ امرأته لإتيانها فلو فرض ووقع ذلك سقط الحد أما إذا كان في النهار وكان الرجل مبصرا أو في الليل ولم يكن الظلام شديدا بحيث يمكن للمبصر أن يميز فإنه لا يسقط الحد قولا واحدا .
المالكية - قالوا : الوطء بشبهة يوجب مهر المثل ويسقط الحد والمالكية يعتبرون الشبهة في غير العمد فمتى كان غير متعمد بأن كان ناسيا كما طلق امرأته طلاقا بائنا ونسى فوطئها أو كان غالطا بأن أراد أن يجامع امرأته فغالط في غيرها أو كان جاهلا للحكم بأن كان قريب عهد الإسلام ويجهل أن الزنا محرم وكذلك من له شبهة في الملك بأن ملكها بعقد غير صحيح عندهم ولنكه صحيح عند غيرهم فإنه لا يحد ومنه وطء زوجنه في دبرها فإن بعضهم قال : إن الرجل يملك التسلط على دبر امرأته ولكنه قول شاذ ضعيف فلو فعل شخص ذلك الفعل مع امرأته فإنه لا يحد ولكنه يؤدب لأنه لم يرتكز على قول صحيح فما نسب إلى المالكية من جواز ذلك فهو محمول على ذلك القول الشاذ الضعيف والمعتمد عندهم أنه حرام يوجب التأديب وإن سقط به الحد .
ويحد واطئ المعتدة من الغير على التحقيق وكذلك من وطئ خامسة أو طلق زوجته طلاقا باتا ووطئها عمدا وغير ذلك مما هو مبين في حد الزنا .
الحنابلة - قالوا : الوطء بشبهة يوجب مهر المثل . ويرفع الحد والشبهة في الملك كأن يطأ أمته المحرمة عليه برضاع لاعتقاد حلها بملكه أو اشتبه في عينها بأن ظنها امرأته وليست كذلك . أو وطئها بعد طلاق بائن في عدتها منه أو وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره لشبهة الملك أيضا . أو وطئ في عقد فاسد عند الحنابلة صحيح عند غيرهم فإن كل هذا يرفع الحد )