- إذا اشترط الزوج أو الزوجة شرطا في عقد الزواج أو أضافه أحدهما إلى زمن معين فإن في صحته وفساده اختلاف المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إذا اشترط أحد الزوجين في عقد الزواج شرطا . فلا يخلو إما أن يكون الشرط مقارنا للعقد أو يكون معلقا على الشرط " بأن " ونحوها مثال الأول : أن يقول : تزوجتك على أن لا أبيت عندك ومثال الثاني : أن يقول : تزوجتك إن قدم محمد فأما الأول فالقاعدة فيه أن لا يؤثر في العقد مطلقا ثم إن كان هو من مقتضى العقد . فإنه ينفذ بطبيعته وإلا بطل الشرط وصح العقد فالشروط التي يقتضيها العقد كأن يشترط خلوها من الموانع الشرعية فلو قال لها : تزوجتك على أن لا تكوني زوجة للغير . أو على أن لا تكوني في عدته . أو على أن لا خيار لك . أو نحو ذلك مما يتوقف عليه صحة العقد فإنه صحيح نافذ بطبيعته وكذا إذا اشترطت عليه أن يكون كفأ وأما الشروط التي لا يقتضيها العقد فكأن يقول لها : تزوجتك على أن أحللك لمطلقك ثلاثا أو يقول لها : تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك أو على أن تطلقي نفسك متى أردت ونحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تلغو ولا يعمل بها ويصح العقد .
فإن قلت : إنكم قلتم : إذا اشترط الرجل الطلاق للمرأة كأن قال لها تزوجتك على أن تطلقي نفسك كان الشرط فاسدا بخلاف ما إذا اشترطت هي أن يكون الطلاق بيدها فإن الشرط يكون صحيحا ويعمل به فما الفرق بينهما ؟ قلت : إن الطلاق في الواقع ونفس الأمر من اختصاص الرجل وحده فينبغي أن يكون بيده لا بيد المرأة فلا يصح أن يشترط بنفسه ما يجب أن يكون له لا لها ومقتضى هذا أنه لا يصح له أن يقبله منها لما فيه من قلب النظم الطبيعية في الجملة ولكن لما كان قبول مثل هذا الشرط قد يترتب عليه مصلحة الزوجية وحسن المعاشرة ودوام الرابطة أحيانا اعتبره المشرع صحيحا مقبولا خصوصا إذا لوحظ أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود ضمان كهذا فيكون مثل هذا الشرط من مصلحة الزوجين معا فيكون صحيحا فكأن الشريعة قد سهلت بذلك الجمع بين الزوجين اللذين قد يتوقف الجمع بينهما على هذا الشرط ولكنها من جهة أخرى حظرت على الرجل أن يكون هو الساعي في نقض ما تقتضيه الطبيعة من كون الطلاق بيده لا بيدها فلا يصح إن اشترطه هو لها ويصح أن يقبله منها إذا اشترطته .
ومن الشروط المقارنة للعقد أن يشترط أحد الزوجين أو هما الخيار لنفسه . أو لغيره ثلاثة أيام : أو أكثر أو أقل . فلو قال لها : تزوجتك على أن يكون لي الخيار . أو لأبي الخيار ثلاثة أيام وقالت : قبلت انعقد النكاح وبطل الشرط فلا يعمل به . وكما أن النكاح ليس فيه خيار شرط كذلك ليس فيه خيار رؤية ولا خيار عيب فلو تزوج امرأة بدون أن يراها فليس له الخيار في العقد بعد رؤيتها وكذلك إذا تزوج امرأة بها عيب لا يعلم به ثم اطلع عليه بعد فإنه ليس له الخيار أيضا ويستثنى من ذلك أن يكون الرجل معيبا بالخصاء أو الجب أو العنة فإذا تزوجت المرأة رجلا ثم وجدته عنينا كان لها الخيار في فسخ العقد وعدمه وكذا إذا كان مجبوبا - مقطوع الذكر - أو كان خصيا - مقطوع الانثيين - فإن لها الخيار في هذه الحالة أما ما عدا ذلك من العيوب فلا خيار فيه لا للرجل ولا للمرأة .
وبذلك تعلم أنه لو اشترط سلامتها من العمى أو المرض أو اشترط الجمال أو اشترط البكارة فوجدها عمياء أو برصاء أو معقدة أو قبيحة المنظر أو ثيبا فإن شرطه لا ينفذ ويصح العقد وكذا لو تزوجته بشرط كونه قاهريا فوجدته فلاحا قرويا فإن شرطها لا يصح إلا إذا كان غير كفء لها .
هذا هو معنى الشروط المقارنة للعقد وحكمها أما العقد المعلق على شرط فلا يخلو إما أن يكون الشرط ماضيا فإن العقد يصح بلا خلاف وذلك لأنه مضى وانتهى فهو محقق ولو كان كذبا مثال ذلك أن يقول رجل لآخر : زوج بنتك لابني . فيقول له : إنني زوجتها من غيره فيكذبه فيقول له : إن لم أكن زوجتها له فقد زوجتها من ابنك وقيل ذلك منه بمحضر شاهدين وتبين أنه لم يكن زوجها فإنه يصح العقد وذلك لأنه علقه على أمر ماضي وهو إن لم يكن زوجها في الماضي فمثل هذا التعليق لا يضر أما إذا علقه على مستقبل فإن كان محقق الوقوع كقوله : تزوجتك إن طلعت الشمس . أو جاء الليل فإن العقد ينعقد في الحال ولا يضر التعليق أما إذا علقه على أمر غير محقق الوقوع كقوله : تزوجتك إن قدم أخي من السفر فإن العقد يبطل لأن قدوم أخيه غير محقق وإذا قال لها : تزوجتك إن رضي أبي فإن كان أبوه حاضرا في مجلس العقد صح العقد إذا قال : رضيت ولا يضره تعليقه برضاء والده غير المحقق ومثل ذلك ما إذا قال : إن رضي فلان الأجنبي وكان حاضرا بالمجلس أما إذا كان أبوه غائبا عن المجلس وقال : تزوجتك إن رضي أبي فإن العقد لا يصح ومن باب أولى إذا علقه على رضاء الأجنبي الغائب عن المجلس .
ومثل التعليق على شرط غير محقق . إضافة العقد إلى زمن مستقبل . كقوله : تزوجتك غدا أو يوم الخميس أو بعد شهر فإنه لا يصح ولا ينعقد النكاح .
الحنابلة - قالوا : الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام : .
القسم الأول : شروط صحيحة . وهي ما إذا اشترطت المرأة أن لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من دارها وبلدها أو أن لا يفرق بينها وبين أولاده أو أبويها أو أن ترضع ولدها الصغير من غيره . أو شرطت نقدا معينا تأخذ منه مهرها أو اشترطت زيادة في مهرها . فإن هذه الشروط كلها صحيحة لازمة ليس للزوج التخلص منها فإن خالفها كان لها حق فسخ العقد متى شاءت . فلا يسقط حقها بمضي مدة معينة .
وكذلك إذا اشترط الرجل أن يكون بكرا أو تكون جميلة أو تكون نسيبة . أو تكون سميعة بصيرة فبانت أنها ثيب أو قبيحة المنظر أو دنيئة الأصل أو عمياء أو بها صمم فله حق فسخ النكاح لقول عمر Bه : " مقاطع الحقوق عند الشروط " . وقد قضي بلزوم الشرط في مثل ذلك .
القسم الثاني : شروط فاسدة تفسد العقد ومنها : أن يشترط تحليلها لمطلقها ثلاثا أو يشترطا تزويج بنتيهما لولديهما هذه في نظير الأخرى بدون مهر - وهو نكاح الشغار الآتي - ومنها : تعليق العقد على شرط مستقبل كقوله : زوجتك إذا جاء يوم الخميس أو إذا جاء الشهر أو إن رضيت أمها أو قول الآخر : تزوجت إن رضي أبي أو نحو ذلك فإن كل هذه الشروط فاسدة مفسدة للعقد ويستثنى من ذلك تعليقه على مشيئة الله كأن يقول : قبلت إن شاء الله أو تعليقه على أمر ماض معلوم كقوله : زوجتكها إذا كانت بنتي أو إن انقضت عدتها وهما يعلمان أن عدتها انقضت وأنها بنته فإنه لا يبطل ومنها : أن يضيف العقد إلى وقت مستقبل كأن يقول له : زوجتك إذا جاء الغد ونحو ذلك فإنه فاسد مفسد ومنها : التوقيت بوقت - وهو نكاح المتعة - الآتي بيانه .
القسم الثالث : شروط فاسدة لا تفسد العقد بل تبطل هي دونه كما إذا اشترط أن لا يعطيها مهرا أو أن يميز عليها ضرتها في القسم أو شرط له الخيار أو اشترطت هي الخيار وشرط الولي أن يحضر الزوج المهر وإلا فلا نكاح بينهما . أو شرطت أن يسافر بها إلى المصايف مثلا أو أن تدعوه إلى جماعها بإرادتها أو أن تسلم له نفسها مدة معينة فإن كل هذه الشروط ملغاة لا قيمة لها والعقد صحيح لا تؤثر عليه بشيء .
وتعتبر هذه الشروط سواء كانت في صلب العقد أو اتفقا عليها قبله .
المالكية - قالوا : الشروط في النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام : .
الأول : التعليق على الشرط وهو لم يضر وإن لم يكن محققا فإذا قال : زوجت ابنتي لفلان إن رضي ولم يكن موجودا بالمجلس فلما علم قال : رضيت صح العقد وكذا إذا قال : تزوجتها إذا رضي أبي ولم يكن أبوه موجودا بالمجلس فإنه يصح إن رضي وقد تقدم ذلك في اشتراط الفور في عقد الزواج حيث قالوا : إن الفور لا يشترط إلا إذا كانا حاضرين بالمجلس ولذا صح عندهم الوصية بالزواج فإذا قال : أوصيت ببنتي لفلان بعد موتي صح إذا قبل الزوج بعد الموت .
الثاني : أن يشترط شرطا مقارنا للعقد مفسدا له وهو أمور منها : اشتراط الخيار للزوج . أو الزوجة أو لهما معا أو لغيرهما فإذا قال الولي زوجتك فلانة على أن يكون لها الخيار يومين أو أكثر أو أقل فإنه لا يصح فإذا وقع ذلك يفسخ العقد قبل الدخول . أما إذا دخل بها فلا يفسخ ويكون لها الصداق المسمى إن سمي صداق وإلا فلها مهر المثل ولا يضر اشتراط الخيار في مجلس العقد فقط على المعتمد . ومنها : اشتراط الإتيان بالصداق في وقت معين كما إذا قال الولي : إن لم تحضر الصداق في نهاية هذا الأسبوع مثلا فلا نكاح بيننا فقال : قبلت على ذلك فإذا لم يأت بالصداق قبل الأجل أو عنده فسخ العقد مطلقا قبل الدخول وبعده وإذا جاء به قبل الموعد أو عنده فسخ العقد قبل الدخول لا بعده . ومنها : أن يشترط شرطا يناقض العقد كما إذا قال الولي : زوجني فلانة على أن لا أسوي بينها وبين ضرتها في القسم أو أن لا أبيت عندها ليلا بل أحضر إليها نهارا فقط أو على أن لا ترث أو على أن أمرها بيدها فإن كل هذه الشروط لا يقتضيها العقد فإن وقع شرط منها فسخ العقد قبل الدخول أما بعد الدخول فإن العقد لا يفسخ بل يثبت بمهر المثل ويلغو الشرط .
القسم الثالث : أن يشترط شروطا لا تناقض العقد كما إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من مكان كذا أو أن لا يخرجها من بلدها أو نحو ذلك وهذه الشروط لا تضر العقد فيصح معها ولكن يكره اشتراطها فإن اشترطت ندب الوفاء بها .
القسم الرابع : شروط يجب الوفاء بها ويكون لهما بها خيار فسخ العقد .
منها : أن يشترط الزوج السلامة من العيوب كأن يشترط سلامة العينين فيجدها عمياء أو عوراء . أو الأذنين فيجدها صماء . أو الرأس فيجدها قرعاء . أو شرطها بكرا فوجدها ثيبا . أو شرطها بيضاء فإذا هي سمراء فإن لم ينص الزوج على الشرط ولكن وصفها الولي فإن كان بعد سؤال الزوج كان له الخيار بلا خلاف وإلا ففي ثبوت الخيار له خلاف .
الشافعية - قالوا : إذا علق النكاح على شرط فسد العقد فإذا بشر شخص بأنه رزق بأنثى فقال لمبشره : إن كانت أنثى فقد زوجتها لك فلا يصح العقد إلا إذا كان يعلم حقا أنه رزق بأنثى فإنه في هذه الحالة لا يكون تعليقا بل تكون - إن - بمعنى - إذا - التي للتحقيق .
أما الشروط المقارنة للعقد فهي على قسمين : شروط فاسدة لا يقتضيها العقد وشروط صحيحة فالشروط الفاسدة تفسد العقد كما إذا اشترط كونها مسلمة وهو ذمي . أو شرط أن يكون معتدة أو حبلى من غيره أو نحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تفسد العقد . وكذا إذا اشترطت عليه أن لا يطأها فإنه يفسد . أما إذا اشترط هو هذا وقبلت فإنه لا يبطل والفرق بينهما أن ذلك من اختصاصها فإذا رضيت به صح كرضائها بالعنين والمجبوب .
أما الشروط التي لا تفسد العقد فهي كل اشتراط وصف لا يمنع صحة النكاح كالجمال والبكارة والحرية . أو البياض . أو السمرة . أو نحو ذلك فإنها تصح ولا تفسد العقد فإذا اشترطت في صلب العقد كأن قال : تزوجت فلانة على أنها جميلة أو بكرا أو بيضاء أو سمراء أو نحو ذلك فبان غير ذلك صح العقد وكان بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ وإذا اشترط شرطا فبان أنها متصفة بصفة مساوية أو أرقى فإنه يصح ولا خيار له .
ومثل ذلك ما إذا اشترطت هي هذه الشروط كأن اشترطت أن يكون جميلا أو بكرا ومعنى كون الرجل بكرا أنه لم يتزوج قبلها .
فإذا اشترطت هذه الشروط خارج العقد فإنه لا يعمل بها فإذا قال الولي لرجل : زوجتك هذه البكر فظهرت ثيبا كان للزوج الخيار ثم إذا فسخ العقد قبل الدخول فلا مهر . ولا شيء من حقوق الزوجية وإن كان بعد الوطء أو مع الوطء كان لها مهر المثل وعليه نفقة العدة والسكنى والكسوة . ولا يرجع بشيء من ذلك على الولي الذي غره )