- المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع : .
الأول : لا كتاب لهم سماوي ولا شبهة كتاب وهؤلاء هم عباد الأوثان وهي التماثيل المنحوتة من خشب أو حجر أو فضة أو جواهر أو نحو ذلك . أما الأصنام فهي الصور التي لا جثة لها كالصور المطبوعة في الورق ونحوه . وقيل لا فرق بين الصنم والوثن فهما اسمان للآلهة التي يعبدونها من دون الله ويرمزون لها بالأشكال المختلفة من صور وتماثيل ويدخل فيها الشمس والقمر والنجوم والصور التي استحسنوها . ويلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة . والرافضة الذين يعتقدون أن جبريل غلط في الوحي فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي . أو يعتقدون أن عليا إله أو يكذب بعض آيات القرآن فيقذف عائشة .
ومن عبدة الأوثان الصابئة وهم الذين يعبدون الكواكب ومن فهم أن مناكحتهم حلال فهم أن لهم كتابا يؤمنون به .
الثاني : قسم له شبهة كتاب وهؤلاء هم المجوس الذين يعبدون النار ومعنى كون لهم شبهة أنه قد أنزل على نبيهم - وهو زرادشت - كتاب فحرفوه وقتلوا نبيهم فرفع الله هذا الكتاب من بينهم وهؤلاء لا تحل مناكحتهم باتفاق الأئمة الأربعة وخالف داود فقال بحلها لشبهة الكتاب .
الثالث : قسم له كتاب محقق يؤمن به كاليهود الذين يؤمنون بالتوراة . والنصارى الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل فهؤلاء تصح مناكحتهم بمعنى أنه يحل للمؤمن أن يتزوج الكتابية ولا يحل للمسلمة أن تتزوج الكتابي كما لا يحل لها أن تتزوج غيره فالشرط في صحة النكاح أن يكون الزوج مسلما .
ودليل ذلك قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وقوله مخاطبا الرجال : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فهاتان الآيتان تدلان على أنه لا يحل للرجل أن ينكح المشركة على أي حال كما لا يحل للمرأة أن تنكح المشرك على أي حال إلا بعد إيمانهم ودخولهم في المسلمين .
وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص ولو قالت إن المسيح إله أو ثالث ثلاثة وهو شرك ظاهر فأباحهن الله لأن لهن كتابا سماويا .
وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة ؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب ( 1 ) .
ولا يشترط في الكتابية أن يكون أبواها كتابيين بل نكاحها ولو كان أبوها أو أمها وثنيا ما دامت هي كتابية ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريما لما يترتب عليه من المفاسد إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية فإنه يكره نكاحها تنزيها .
المالكية - لهم رأيان في ذلك أحدهما : أن نكاح الكتابية مكروه مطلقا سواء كانت ذمية أو حربية . ولكن الكراهة في دار الحرب أشد . ثانيهما : أنه لا يكره مطلقا عملا بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقا وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الذهاب إلى الكنيسة وليس له من ذلك وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية .
وقد يقال : إن هذه المحظورات محرمة . ومذهب مالك مبني على سد الذرائع فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرما .
وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص أما وقد أباح الله نكاح الكتابية فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل والقضاء على الأحقاد والضغائن فضلا عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين ولا يبطن لهم حقدا وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالبا فتكون مهددة بتغيير دينها وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه أو يجعل ذريته من غير مسلمين فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قويا في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولا لقوة إرادته وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي .
الشافعية - قالوا : يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطا : .
الأول : أن لا يرجو إسلام الكتابية . ثانيا : أن يجد مسلمة تصلح له . ثالثها : أنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا فإن كان يرجو إسلامها فيسن له تزوجها وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسن له التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية وإذا لم يتزوج الكتابية يخشى عليه الزنا يسن له دفعا لهذا .
ومن هذا يتضح أن المسألة دائرة وراء المصلحة والمفسدة فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج ممدوحا وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروها .
الحنابلة - قالوا : يحل نكاح الكتابية بلا كراهة لعموم قوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } والمراد بالمحصنات الحرائر ) .
( 2 ) ( الشافعية و .
الحنابلة - قالوا : يشترط في حل نكاح الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابيا وأمها وثنية لا تحل حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها وصارت كتابية على المعتمد عند الشافعية )